ديعوت - مقال - 21/1/2011 أدركت أن الامر خاسر قبل اسبوعين، ومحمد بوعزيزي البائع المتنقل ابن السادسة والعشرين الذي سكب على جسمه وعاء نفط بعد ان صادر موظفو البلدية عجلة خضراواته المستأجرة وبصقوا في وجهه وصفعوه وطرحوه في الشارع، على سرير الموت. ان ليلى ابن علي، السيدة الاولى في تونس، المكروهة أكثر من زوجها الرئيس، نظرت الى الجسم المغطى بالضمادات الذي صارع عن أنفاسه الاخيرة. كانت هي أزمته وهو المحتضر أوشك ان يصبح بعد لحظة كارثتها الخاصة. كلاهما – السيدة المُحلاة بالجواهر والبائع الميت الحي – نشآ من نفس المكان : في عائلتين كثيرتي الاولاد، قليلتي القدرة وبيت مكتظ. حارب كلاهما بأظفاره ليخرج من دائرة الفقر. نجحت ابن علي في تثبيت نفسها في القمة وفي جمع المليارات بفضل شهوة القوة والسحر النسائي الذي عرفت كيف تستعمله في اللحظة الصحيحة، أما بوعزيزي فقد هُزم في مواجهة القبضة الحديدية الفاسدة. كان بوعزيزي بائعا بائسا، يجهد في كسب عيشه الضئيل، مثل عادل الطرابلسي بالضبط، والد السيدة الاولى الذي كان بائع خضراوات. "لم تولد ليلى ابن علي مع ملعقة ذهبية"، يقول المؤرخ التونسي محمد بو زين.... "نصبت لنفسها أهدافا في صعود عنيد الى القمة وكانت ترى جميع الوسائل حلالا". في منتصف الاسبوع قدم المحامي التونسي رضى العجمي استئنافا على ابن علي في جنيف : فقد طلب تجميد جميع حساباتها في المصارف في سويسرا وفرنسا وجلب أخيها الى المحكمة الدولية بتهمة الاعتقالات التعسفية. "لم يكونا لصّين في وضح النهار فقد عملا بطرق المافيا"، قال نشيط حقوق الانسان مونستير بن مبروك، "بل قتلا ايضا عشرات الناس الأبرياء الذين شوشوا على غنى السيدة الاولى وشقيقها". وقع على الاستئناف 31 جاليا تونسيا سُلبت أملاكهم على أيدي رجال السيدة الاولى أو اختفى أقرباؤهم في السجون. أشعلت مظاهرات الغضب شوارع مدن تونس الكبرى مدة اربعة اسابيع.... وتجرأ عشرات آلاف الشبان لاول مرة في تاريخ نظام الطغيان على تمزيق صور الرئيس في الميادين وعلى أن يصرخوا "نحن جائعون، أُغرب عنا". لم يُذعر المتظاهرون من رصاص الشرطيين.... وفي كل صباح انضم عاطلون آخرون وأحرقوا اطارات السيارات وأحرقوا السيارات وسدوا الشوارع واستعدوا لدهم قصور الحاكم. وعندما صورت عدسات التصوير رجال شرطة نزعوا خوذاتهم ليمسحوا دموع التأثر والمشايعة، أدركت ليلى ابن علي انه يجب عليها الانصراف. وكان ذلك قبل لحظة من اعلان موت محمد بوعزيزي. "كان قلبي وروحي"، قالت أمه العجوز فاطمة مُدهِشة.... "وكان ايضا العائل الوحيد في عائلتنا". أصبح ابنها مع أنفاسه الأخيرة رمز "ثورة الياسمين" في تونس. من غد الزيارة وقرب سرير بوعزيزي في المستشفى قامت سيدة مهندمة مرتبة المظهر في مكتب مدير المصرف الوطني التونسي.... "أريد شراء سبائك ذهبية بمبلغ كبير"، أعلنت بحسب صحيفة "لاموند" الباريسية التي أبلغت عن الحادثة. وعندما ذكرت ليلى ابن علي المبلغ الضخم – 45 مليون يورو – الذي أرادت استبدال سبائك ذهبية به، قرر مدير المصرف ألا يورط نفسه وهاتف ديوان الرئيس. في اللحظة الاولى وكان زين العابدين بن علي متفاجئا من تدبير زوجته الانفرادي، أمر مدير المصرف قائلا "لا تبع". نقرت زوجته بأصابع عصبية على طاولة المدير.... وبعد ساعة جاء أمر جديد من القصر: "أعطِ السيدة الاولى كل ما تطلب". وفي غضون دقائق قليلة جُمعت سبائك ذهب من اربعة فروع المصرف ووضعت في أكياس قماش. تركت زوجة الرئيس المكان سريعا مع حراسها، وركبت طائرة وحطّت في امارة دبي في الخليج العربي. أقلعت على أثرها الى باريس ابنتها البكر نسرين ابنة الرابعة والعشرين التي كانت مع حمل متقدم؛ وزوجها وهو رجل الاعمال الكبير صخر الماطري في الثلاثين؛ والابنة الثانية حليمة ابنة الواحدة والعشرين. نقلت قافلة سيارات أرسلتها سفارة تونس في عاصمة فرنسا الى المطار الهاربين والحراس والخادمين الى فندق "ديزني لاند" الفخم، الى جناحين واسعين حُجزا سلفا (300 جنيه استرليني لليلة) والى طبقة حجرات كاملة استؤجرت من اجل الحاشية. "لم يكن من الممكن عدم ملاحظة الضيوف الجدد في الفندق"، قالت احدى خادمات الغرف. "خرجت بنتا الرئيس من الأجنحة تلبسان ملابس ثمينة مع حلى ذهبية وألماسية.... وانتظرت سيارات فخمة عند باب الفندق.... استدعوا خدمات حجرات بأسعار فاضحة". خلت نسرين وحليمة الى السفير التونسي.... "يجب استكمال جميع الترتيبات قبل ان يأتي سائر أبناء العائلة"، قالتا. هاتف السفير قصر الاليزيه ووزارة الخارجية وأبلغ انه "يلوح امكان ان يهبط ابن علي ومرافقوه في نهاية الاسبوع". أعلنت ليلى ابن علي من دبي قولها: "سأنضم اليكم فورا بعد أن أُرتب مكان سكن.... أتوقع أن ينظموا من اجلنا بيتا فخما في حي هاديء لكن مركزي في باريس". في يوم الجمعة الماضي، قبل منتصف الليل بقليل، هرب الرئيس من تونس ايضا. ركب طائرة حظيت بمصاحبة لصيقة من طائرتين حربيتين ليبيتين وبعد ساعتين هبطت في مدينة ليون في فرنسا وطُلب اليه ألا يخرج من الطائرة. فقد مال الرئيس ساركوزي في بداية الامر الى منح عائلة الرئيس الجالية لجوءا سياسيا، بيد أن مستشاريه حذروا من انه "لن تكون لنا لحظة هدوء" وأشاروا نحو مئات الجالين التونسيين الذين كانوا قد أخذوا يتظاهرون في شوارع باريس. وقد حذروا صائحين: "اذا جاء ابن علي فسنطارده.... واذا انضمت ليلى الزانية فلن نستريح حتى نقضي عليها". آنئذ صدر اعلان من وزارة الخارجية أن فرنسا لن تمنح عائلة الرئيس لجوءا سياسيا، "ونتوقع ألا يبقى أي واحد من أبناء العائلة على ارض فرنسا ايضا". بقيت البنتان في خلال ذلك في فرنسا لكن والدهما أقلع فورا من مطار ليون وحلقت طائرته في الجو مدة ست ساعات الى أن حصلت على إذن هبوط في جدة في السعودية. "جاءنا رئيسا وأُدخل على عجل قاعة الرجال المهمين في المطار"، يروي الصحفي السعودي القديم جمال خاشقجي. لم ينتظر أحد من قادة المملكة وأولياء العهد الرئيس الهارب بل موظفون صغار الشأن فقط. "عندما دخل ابن علي السيارة التي أخذته الى منزل الضيافة، نشأ انقلاب حاد لمكانته وأُعلن بأنه لاجيء سياسي عندنا ". ليس واضحا متى بالضبط وصلت ليلى الى السعودية وانضمت الى زوجها الرئيس وهل وقعت على "قواعد الضيافة" التي قررها القصر. تأمرها هذه القواعد من جملة ما تأمر بلبس النقاب وتمنعها انتعال الحذاء العالي، وقيادة سيارة والخروج من القصر بغير مصاحبة وكيل محلي. فاذا اشتهت الخروج من السعودية فسيكون عليها ان تعرض في المطار رسالة وقعها زوجها تُحل لها مغادرة الدولة. ولا يجوز للزوجين ابن علي ايضا مهاتفة تونس ولا يجوز شرب الخمر ولا "يجوز اظهار سلوك تحدٍ يخرج على سلوك الحشمة في المملكة التي تطبق أحكام الاسلام". لا شك في ان ليلى ابن علي في مشكلة شديدة.