يوما بعد آخر، يتضح أن وجود التعددية في مشهدنا الإعلامي، سترغم كل الهيئات على الانتباه إلى مسؤوليتها في التأطير والتنظير، وهذا ما فعلته النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، حيث أصبحت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مجبرة على التحرك والاشتغال، وهذا ما يبرر ندوتها عن " الدعاية السياسية والإعلام " التي تزامنت مع ندوة النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، حول: " أي دور لشركات التدبير المفوض في العمل الجماعي، وما هي الاكراهات التي تحول دون تطور خدماتها ..؟ " والأمل أن يستمر هذا التنافس النقابي في المستقبل، باعتباره المعبر عن الحقيقة النقابية التعددية من جهة، والأداة الفعالة لرفع مستوى الوعي الديموقراطي والحداثي والتحرري لدى الفاعلين الإعلاميين من جهة ثانية. من موقعنا كنقابة نشيطة في الساحة الإعلامية، نتساءل هل تناولت ندوة النقابة الوطنية للصحافة المغربية موضوعها وفق ما هو منتظر منها ؟ أم أن دخول الإعلاميين على الخط الساخن لا يستهدف تعميق النقاش حول الموضوع، بل ملأ الفراغ وتسجيل السبق في المتابعة فقط ؟ وبالنسبة لنا، لا نتمنى إلا أن يكون الالتفاف حول الموضوع، في مستوى انتظارات الفاعلين السياسيين والإعلاميين، ويتجاوز المنظور الطوباوي السائد حوله وفضح المسكوت عنه في تمظهراته التأطيرية والتنظيرية، التي لازالت على تخلفها في الخطاب والممارسة. لن نتسرع في الحكم على المبادرة، ولا على ما يمكن استخلاصه منها، إذا تفضلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بنشرها، كما تفعل النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، عقب أي ندوة تعقدها، وإذ نسجل جرأة النقابة الوطنية في اختيار الموضوع، فإننا سننظر إلى مدى متابعتها بالروح الموضوعية والاستقلال في ظل تبعية النقابة إلى الأحزاب التي تؤطرها وتتناوب على تسييرها حتى الآن. إننا ننتظر أن تلجأ النقابة الوطنية للصحافة المغربية، إلى تحريك المياه الراكدة، حول الظاهرة السياسية، وأن تبدد سحب الغموض والالتباس السائدة حولها، وأن تتمرد على لغة التعليمات في مناقشتها، وسيكبر حلمنا، إذا ما حطمت النقابة التي تنافسنا في الساحة، الحواجز والوصاية المهيمنة، وهذا يقود إلى التساؤل عن استعداد السياسيين والإعلاميين لفضح المسكوت عنه في العمل السياسي والإعلامي، انطلاقا من ما هو سائد من ممارسات سياسية وإعلامية لاتشرف أحدا، وهل المرحلة الراهنة تستدعي مناقشة العلاقة الإشكالية بين الإعلام والسياسة، كما تترجمها حالات التقاطع والتجاذب والتفاعل الحالية التي لاتخدم كلاهما؟ وهل بإمكان منشطي هذه الندوة أيضا، الإجابة على انتظارات المجتمع من المهام الموكولة للسياسة والإعلام ..؟ وهل في نهاية هذا التساؤل ما يدعو إلى أن يكون للحراك السياسي المتواضع تنظيرا وتأطيرا صدى في الإعلام ؟ وهل هذا الأخير، يمتلك مواصفات الإعلام الوطني المستقل الفاعل، الذي يكمنه مساعدة المواطنين على معرفة مظاهر تأخر أو تطور الفعل السياسي المعبر عنه في هياكله التنظيمية والمؤسساتية ؟ حيث رغم الموقع المتقدم الذي وضعنا فيه الاتحاد الأوروبي، لازلنا نفتقر إلى مشهد سياسي وطني ديناميكي وجريء، يعبر عن وجوده من خلال صراع حقيقي، بين مكوناته الحزبية والنقابية والمدنية، حول جميع القضايا الشائكة، ويترجم نفسه في الجدل حول البرامج والسياسات والتوجهات، التي يمكن من خلالها معالجة المشاكل التي تطرحها هذه القضايا الشائكة، سواء كانت سياسية .. اقتصادية .. اجتماعية أو ثقافية. إننا في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نعرف توجهات المخاض السلبي الذي يوجد عليه واقعنا السياسي الراهن، الذي لانحسد على تخلفه في الوعي، وفي الممارسة على جميع أصعدته التنظيمية والقانونية حتى الآن، إذ لا أحد في هذا المشهد الوطني يمكنه أن يتجاهل حقيقة الإفلاس الذي وصلت إليه الأطراف التي تتصارع فيه على مواقع القرار، سواء في الحكومة أو البرلمان أو المجالس، بدل الصراع على البرامج والتصورات والبدائل والتوجهات التي يمكن أن تساهم في اغناء هذا المشهد على المستوى الوظيفي أو القيمة المضافة، التي يمكن أن يخلقها، سواء بالنسبة للفاعلين أو الشرائح الاجتماعية التي ينشط فيها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ولا حتى بالنسبة للأجندة الزمنية التي تعتقد هذه الأطراف المتنافسة أنه بواسطتها يمكن انجاز البرامج والحلول، التي يمكن عبرها الارتقاء بهذا المشهد السياسي الذي تفاقمت إعاقاته على أكثر من صعيد. لن نسبق الحدث حتى تخرج خلاصات ندوة الدعاية السياسية والإعلام، للتعرف على مدى اشتغال السياسي في الإعلام، واشتغال الإعلامي على منتوج السياسي، وإننا ندرك مسبقا، غياب التفاعل المطلوب بينهما، سواء في ترجمة الصراع الحزبي السياسي من جهة، واشتغال الإعلام على القضايا الكبرى التي يهتم بها السياسي من جهة أخرى، حيث لا يزال مستوى صدى الإعلام في السياسة، وصدى السياسة في الإعلام دون انتظارات الفاعلين الإعلاميين والسياسيين، اللهم إلا تركيز المواجهة على الأخطاء التي يرتكبها السياسي والإعلامي خارج مجالهما. في هذا المضمار، ماذا يعني أن يوجه الإعلام كاميراته وأقلامه للنيل من العمل السياسي، انطلاقا من أخطاء الفاعلين التي لاعلاقة لها بما يجب أن يكون عليه تعاطي الإعلام مع هذا السياسي، وهل ما يسجل على السلوك الاجتماعي الفردي يستحق المتابعة الإعلامية، وهل تراجع أداء السياسي ينحصر في الأخطاء التي يرتكبها الفاعلون خارج المقرات والمؤسسات والتوجهات، وهل تسليط الأضواء على الأشخاص يساعد على مناقشة المواقف والقرارات السياسية ..؟ إن المتابعة الإعلامية الجريئة، يجب أن لا تسقط في فخ الإعلام المخدوم والمأجور، الذي لا يمكن من فحص واستقراء لآراء السياسي في مختلف تعبيراته وأهدافه، ولا يجعل للإعلام الشرعية في متابعة السياسي بقدر ما يقحمه في إذكاء الصراع السياسي، وهذا ما نلاحظه في متابعة إعلامنا للنشاط السياسي في شروطه المرحلية التي لاتخدم القوى التي تمارسه، سواء في أحزاب الأغلبية أو المعارضة، كما لا يمنح هذا الإعلام إمكانية وضع القاريء والمستمع والمشاهد، حول الإشكاليات الحقيقية المطروحة في النشاط السياسي الحزبي والمؤسساتي. في مقابل ما يجب أن يكون عليه تعامل الإعلام مع السياسي، نجد أن الإعلام فقد القدرة على التحكم في طبيعة تفاعلاته مع هذا السياسي، بعد أن تحول عن حياده وموضوعيته ونزاهته واستقلاله في هذا التعاطي، وما نسجله من ملاحظات في مختلف قنوات هذا الإعلام يوضح حقيقة التراجع والقصور في هذا التعاطي الذي لم يخرج عن محدوديته وتواضعه في الوقت الراهن، كما يشير إلى ذلك الإعلام الحزبي والمستقل والرسمي في حالات الالتباس التي يتميز بها الآن، والتي تؤكد على صدقية العنوان الذي اخترناه لهذا الموضوع، خصوصا أن هذا الإعلام لم يبرز قدرته في تجاوز الخطوط الحمراء، التي يضعها السياسي أمامه إذا ما أراد الاشتغال على عطاء السياسي الحزبي أو المؤسساتي باستثناء هذا التعاطي الدعائي الراهن والمأجور. إذن حتى يكون للحراك السياسي صدى في الإعلام، لابد للسياسي من اتساع صدره لمتابعة الإعلام، ولا بد للإعلام من ممارسة وظيفته في استقلال ونزاهة عن السياسي، ولا بد للسياسي من أن يتناول قضايا المجتمع والإشكاليات، التي يطرحها أداؤه في المؤسسات المعنية بهذه القضايا المجتمعية، وبدون ذلك، سوف يكون الحراك السياسي عاجزا على ترجمة نفسه في الإعلام، كما أن هذا الإعلام، أصبح مطالبا بالمتابعة الموضوعية والمستقلة لهذا الحراك السياسي، الذي يجب أن يكون في اتجاه ما يساعد على معالجة القضايا المجتمعية، والرفع من أداء المؤسسات التي يباشر فيها السياسي مهامه من مجلس الجماعة إلى البرلمان، مرورا بكل المؤسسات الأخرى المعنية بتقديم خدماتها الإنتاجية والتدبيرية للمواطنين. فهل سيكون النقاش في الندوة المنظمة، في موضوع الدعاية السياسية والإعلام، حول هذه الانشغالات، التي يهتم بها السياسي والإعلامي، أم أن الندوة ستركز على انشغالات أخرى لا علاقة لها بالحراك السياسي في المجتمع، ولا بما يجب على الإعلام أن يناقشه في هذا الحراك السياسي ...؟! الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة