عبد المجيد آيت أباعمر إذا كانت الجهة تحتاج إلى إدارة قوية قادرة على التطور و العطاء لضمان التنمية، فإنها كذلك تحتاج إلى إعلام جهوي للتعريف بمؤهلاتها و مبادراتها، قادر على إقناع المتلقي بأهمية مشاركته في العملية التنموية، اعتبارا لكون الإعلام الجهوي يتوجه أساسا إلى سكان الجهة و يمارس في فضائها للتعبير عن نبض المواطن و مشاطرته همومه و تطلعاته. إيمانا بهذا الدور،أطلقت إذاعات محلية، وصدرت صحف جهوية في العالم المتقدم، حازت شهرة و انتشارا أكثر من إذاعات وصحف المركز، قبل قيام أنظمة الجهة بمفهومها الصحيح اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا، إلا أننا في المغرب لانزال نلاحظ تعثرا ملحوظا يعتري تجربة الإعلام الجهوي، نتيجة عوائق ذاتية و موضوعية تعيق تطوره، و فعاليته في أداء رسالته على الوجه الأكمل، مما يرسخ الإعتقاد بأن جميع مشاريع التنمية لدينا ستبقى –في رأينا- ناقصة إذا لم يكن الإعلام داعما لها، و مقويا لمسيرتها. من تم تندرج أهمية الإعلام الجهوي كمرآة تعكس ما يجري و يدور من خبايا الأمور، بكل تجرد و حيادية، في إطار تداول حر للمعلومات ووسائل الإخبار، لأنه لا يعقل أمام ما يشهده قطاع الإتصال من متغيرات أن تعتمد المقاولة الإعلامية الموجودة في مراكش مثلا، على المعلومات المستقاة من المركز، وهذا وضع لا يساعد على تطوير الإعلام الجهوي التي من المفروض أن يتفاعل مع محيطه، و يهيكل نفسه في شكل تعاونيات و مقاولات إعلامية جهوية حقيقية، يقينا منا أن مفهوم الجهة لن يترجم بشكل عملي فعال إلا بمساهمة و مواكبة إعلام جهوي جاد و موضوعي، مسنود بموارد مادية، و كفاءات بشرية، و ترسانة قانونية كفيلة بصد المرتزقة عن حياض بلاط صاحبة الجلالة، و حمايته من التطاول و التسيب. فلا أحد ينكر ما أصبح يعتري واقع الإعلام الجهوي من إختلالات، وما يعانيه من مشاكل على عدة مستويات، انطلاقا من العنصر البشري حيث أن معظم رواده من خريجي مدرسة الحياة والعصامية، ومن بينهم مناضلين بالقوة، لا صحفيين بالفعل. و منهم أعلام أضاءوا بأقلامهم الطريق، لكنهم ضلوا مهمشين يقبعون في أتون الظلام، بسبب مواقفهم. وهناك صحف مقراتها في حقائب مدرائها، بلا خط تحريري، ولا نهج واضح، تنشر الإشاعة بغرض الابتزاز، وتقتات من مباركة المنتخبين، وتتمسح بأعتاب السلطة. انه واقع مرير لإعلام جهوي سوف يظل يعاني لأمد قادم، من عدة مشاكل، كانعدام التكوين الكافي وإعادة التكوين بالنسبة للصحافي الجهوي، وضعف الولوجية للخبر، ومحدودية الإشعاع، وعدم الانتظام في الصدور، ومشاكل الطبع والسحب والتوزيع، والحرمان من الدعم العمومي، ومن الاستفادة من الإعلانات الإدارية والقضائية والتجارية. هذه فقط بعض المعطيات التي تقربنا من واقع الإعلام الجهوي، الذي لايمكن أن يلعب دوره إلا في فضاء ديمقراطي يقوم على التعدد والاختلاف والحوار. وكلها شروط أولية ضرورية في ترسيخ وإغناء حرية التعبير كقيمة يطمح الجميع إلى بلورتها من نص مكتوب إلى واقع ملموس. و هذا الواقع لن يمنعنا من الإقرار بوجود مبادرات إعلامية جهوية هادفة جادة، لاتزال صامدة في محيط محفوف بشتى الإكراهات، سلاحها الوحيد: إرادة صادقة، ونفس مهني مشهود، وطاقم شاب يعشق هذا البلد، ويحترم ساكنته. إنها مبادرات تحتاج إلى تشجيع ودعم فعلي متواصل لا مجرد توصيات مكرورة وتصريحات مبتورة،لن تغير من واقع الحال. لقد آن الأوان للاعتراف حقا بالدور الهام الذي يمكن أن يضطلع به الاعلام الجهوي في العملية التنموية والبناء الديمقراطي في أفق الجهوية الموسعة، كقرار سياسي وجيه، وكمعطى إيجابي جديد يحتاج إلى إعلام ناجح يمهد له الطريق، ويحشد الرأي العام لمساندته، ولن ينهض بهذه الرسالة إلا إعلام جهوي فاعل ومسؤول، يعمل عن قرب بمصداقية، وبكفاءة عالية، متشبع بروح الوطنية، ومتسلح بالاحترافية، ومهيكل في إطار مقاولات إعلامية حديثة، تضبط آليات اشتغالها، وشفافية تدبيرها، مراعية أعراف المهنة، ومحترمة أخلاقياتها، شديدة الحرص على خلق التوازن الضروري بين الحرية و المسؤولية، وفق مباد ئ حقوق الإنسان .