طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    كأس إفريقيا لكرة القدم للسيدات المغرب 2024.. لبؤات الأطلس في المجموعة الأولى مع الكونغو الديمقراطية والسنغال وزامبيا    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الجامعي الجديد: مقاربات تقوية شهوة الإجازة

كلية الآداب .مكناس
استقر قرار مهندسي الإصلاح الجامعي الجديد(2009- 2012) على إطلاق اسم مقاربة تقوية الإجازة عليه، بعد أن تم التراجع عن اسم "الجيل الجديد" الذي ارتبط بصيغته الأولية. وتوظيف لفظ تقوية لا يخلو من دلالة بائنة إذ يحيل مباشرة إلى دائرة الاعتراف بالقصور والضعف والوهن والنقص والخلل الذي يعتري الصيغة الأصل القائمة والمعتمدة،
والتي يتم الاستنجاد بآليات تقويتها ودعمها بأسباب الشدة والطاقة والمناعة والغلبة، وإبدال مكامن الضعف أو القصور فيها قوة واحتمالا. والاعتراف يكتسي أهميته الكبرى هنا من حيث إنه صادر من الجهة/ الطرف ذاته، الوزارة الوصية على التعليم العالي، التي رعت صيغة مسالك الإجازة والإصلاح الذي رافقها منذ سنة 2003، وراهنت على نجاحه الباهر وزعمت آنذاك أنه الحل النهائي الأنجع والحاسم لمشاكل التعليم العالي ببلادنا وإكراهاته المتباينة، وظلت إلى وقت قريب تعتد وتلتذ بإنجازاته، غير أن هذا الإقدام على استجلاب أسباب التقوية يذهب بلذة الانتصار ويجعل منه حطاما.
والاحتماء بجدار التقوية ينطوي على رغبة واضحة للهروب من المحاسبة أو العقاب،والتحلل من تحمل المسؤولية، ويتضمن في الواقع مخالفة صريحة للالتزامات الحكومية في مجال التربية والتكوين، إذ من بين ما تضمنه التصريح الحكومي (24 أكتوبر 2007) في حقل التعليم العالي، مثلا، إجراء دعم وتعزيز استقلالية الجامعات وتخويلها كامل اختصاصاتها الضرورية، وإنجاز تقويم لحصيلة عشرية نظام التربية والتكوين، وفرض صيغة هذه المقاربات يتعارض تماما مع هذه الوعود والالتزامات.وليس بودنا الآن إثارة بعض القضايا التي سبق وأن أثرناها في غير هذا الموضع، ولكن سنقف على بعض عناصر تقوية شهوة الإجازة التي يراهن البرنامج الاستعجالي ليضفي عليها صفات الفحولة والرجولة أو الأنوثة وما يتصل بها من شدة وبأس وبطولات وإبداع وجمال، نستعرضها كالآتي:
1- دفتر التحملات أو طلب الاعتماد:
يظهر وكأن الأساتذة الباحثين ضحايا تحايلات وتدليسات مقصودة أو غير مقصودة، إذ أن طلبات اعتماد مشاريعهم التربوية التي يتقدمون بها،وتخص مسالك الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه والملفات الوصفية أو البطاقات التقنية التي تتضمنها تلك الطلبات هي تطبيق وتنفيذ فعلي لما يسمى في إطار الصفقات بدفتر التحملات، حيث يغدو الأساتذة الباحثون طرفا رئيسيا في التعاقد أو إبرام الصفقة مع الجامعة أولا كمؤسسة عمومية، وثانيا مع الوزارة الوصية،
فصيغة طلب الاعتماد تخضع بالضبط للمواصفات التي ينبغي أن تتوفر عليها عقود الصفقات: المواصفات التقنية الدقيقة، والموارد البشرية، والتجهيزات والوسائل المتوفرة ومحتوى الأعمال المراد إنجازها وفق المعايير المحددة، وتفاصيل وشروط ومقتضيات إنجاز العمل وأجل التنفيذ....أي أن أبرز أركان الصفقات ماثلة بثقلها فيها،على الأقل في الجانب المتعلق بصاحب المشروع (الجامعة والوزارة الوصية)، بينما الشروط أو الحقوق المتعلقة بالمتعهد أو المرشح ( الأستاذ الباحث) يتم التغاضي والسكوت عنها وتجاهلها تماما، فكل البيانات التي ينبغي أن يتضمنها عقد الصفقة أو طلب الاعتماد والتي تهم بصورة مباشرة الأستاذ الباحث كمتعهد لا تصب إلا في حقل الواجبات أما الحقوق فلا تتم الإشارة إليها على الإطلاق. وعمليا لا يمكن من منظور "الثقافة المقاولاتية" التي تعد أحد الأركان الكبرى لمقاربات التقوية، قبول أو استلام مشاريع خدمات،ويتعلق الأمر هنا بالتربية والتعليم، أواعتمادها واستثمارها بدون مقابل، وخارج نطاق مدونة الصفقات لأن طلب الاعتماد لا يشكل إلا وجها صريحا لشروط عقد إلزامية تفرضها الوزارة الوصية (الطرف الأول) على الأستاذ الباحث (الطرف الثاني).
ولهذا فإن طلبات الاعتماد والمصادقة عليها في الواقع ينبغي أن تخضع لشروط وأشكال إبرام الصفقات والمصادقة عليها ضمن الشروط الجاري بها العمل في كثير من القطاعات، وفي إطار المنافسة الشريفة، الأمر الذي سيضمن شروط وظروف جودة العروض و طلبات الاعتماد المقدمة.والحقيقة المرة التي تحيلنا إليها هذه الوضعية، هي أن الوزارة الوصية على التعليم العالي عمليا "تتسوق" المشاريع والبرامج التربوية ومجهودات الأساتذة الباحثين بدون مقابل، وتبخسهم حقهم بالكامل، الأمر الذي يستوجب مراجعة جذرية،باعتماد مساطر جديدة وإجراءات أكثر إنصافا للأستاذ الباحث واعترافا بدوره وصونا لكرامته، لتمكينه من حقوقه المادية والمعنوية باعتباره طرفا أساسيا في "الصفقة" ملزما باستيفاء الشروط والوفاء بالالتزامات المثبتة في المواصفات الدقيقة لإنجاز الخدمات التربوية والتعليمية المحددة،ومسؤولا عن تنفيذ "موضوعها"، ويفرض هذا إخضاع كل الطلبات لمبدأ المنافسة والشفافية لاختيار"النماذج" أو "العروض" المستوفية لشروط الاعتماد وعناصر الصفقة.
ومن حق الأساتذة الباحثين في هذه الحال أن يشعروا بالغبن، إذ إن الاستيلاء على/ واحتواء مشاريعهم العلمية التربوية والأكاديمية دون مقابل، لا يمكن إلا أن يدعم الصورة المنحطة والمتردية التي أصبح الأستاذ الباحث يحتلها في سلم التراتب الاجتماعي في بلادنا.
2- المهننة:
تحاول المقاربات في جميع مستوياتها إرغامنا على الاقتناع بأن المهننة هي "فياغرا" الإجازات، خاصة، والتعليم العالي عامة،لأن من شأنها إفراز الشغل بلا حدود، وتهييج الباه في مجالاته، وهي السبيل الوحيد لمواجهة إكراهات التعليم العالي وتحديات الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وهي الكفيلة،على وجه الإغراء، بتيسير إدماج خريجي الجامعات في دوامة سوق الشغل، وجعل التوظيف وكأنه تحصيل حاصل.والواقع أن المهننة اختيار إيجابي ولا شك، غير أن المنطلقات هنا ليست بريئة تماما، إذ إن الاحتماء بمفاتنها وإغراءاتها، لا يعني في العمق إلا استهدافا مبيتا لمقومات وخصوصيات التعليم العالي لتحويل مؤسساته جميعها إلى مراكز للتكوين المهني، وهو إجراء غير سليم، إذ أن أهم المرتكزات التي يقوم عليها التعليم العالي هي المزاوجة بين التعليم العالي الأكاديمي والعلمي العام، والتعليم العالي التقني المهني، وتصنيف المؤسسات الجامعية أو المعاهد العليا يراعي هذه الثنائية ويحترم معاييرها،ولذلك تبدو محاولات "مهننة" وتحويل كل المؤسسات الجامعية إلى معاهد لاكتساب المخبرات التقنية والمهنية أمرا غير طبيعي، لأن حصر دور هذه المؤسسات في نطاق المهنية يستهدف إلغاء مجالات العلم والمعرفة الأكاديمية المحضة بمختلف تجلياتها، وهي مجالات يجب أن تظل مقوما أساسيا من مقومات الجامعة، فالجامعة لن تتقدم أو تتطور بمجرد ما نتولى مهننة كل معارفها وكل مناحي التعليم فيها.والمقاربات تنطلق من مبدأ عدم مراعاة الفصل والتمييز الشامل في هذا الشأن بين ما هو "أكاديمي" وما هو "مهني"، وعدم الأخذ بعين الاعتبار وضعية مختلف المؤسسات الجامعية إذ إنها جميعها ليست مؤهلة لأن تصبح مهنية بمجرد أن ننعت مسالكها بالمهنية، ومؤسسات العلوم الإنسانية والاجتماعية والآداب مثلا لها خصوصياتها في هذا الباب، وينبغي أن تحترم هذه الخصوصيات، ومن غير الطبيعي فعلا أن تظل صورتها على ما هي عليه الآن، لكن تغيير هذه الصورة لن يكون بإلغاء مقوماتها كمؤسسات للبحث العلمي والأكاديمي ولترسيخ القيم الحضارية والإنسانية والاجتماعية الكبرى، وتحويلها إلى معاهد للتكوين المهني أو روافد ومشاتل أساسية للمقاولات والشركات والرأسمال الخاص لاستنبات اليد العاملة الرخيصة..
3 – الثقافة المقاولاتية:
أصبح الإلمام بالثقافة المقاولاتية والقيم الليبرالية الرأسمالية ضرورة ملحة في ظل التحولات العميقة التي شهدها العالم المعاصر منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي، والتي تتجه نحو عولمة الاقتصاد بشكل جنوني عبر تنامي سطوة وقوة وهيمنة الشركات المتعددة الجنسية والشركات التابعة التي يتسع مجال أعمالها ويصعب التحكم في مبادراتها، وتصاعد قوة الاقتصاد غير الرسمي الذي توجهه هذه الشركات، ويفرض مواجهة هذا الوضع تحديات جمة في مقدمتها ضرورة تطوير كل أشكال الممارسات المهنية وتطوير المؤهلات التقنية وإشاعة مناخ الأعمال والاستثمار،وهو ما تفرضه الاختيارات الليبرالية التي تعتمدها بلادنا على مستوى النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي.
وضمن هذا السياق يغدو مبدأ إشاعة الثقافة المقاولاتية أو ما يدور في فلكها دعما مباشرا لهذه الاختيارات، واختيارا أيديولوجيا واضحا من بين أهدافه القريبة والبعيدة جعل التربية والتعليم والجامعة أداة في خدمة "الرأسمال" والكيانات المالية المجهولة الهوية، وهو ما سيكون له أثره السلبي على مستقبل الجامعة ووظائفها الأكاديمية والتربوية، واستقلالها العلمي والمعرفي، بحيث تضحي رهينة التوجهات المتقلبة للرأسمال في سعيه الدائم للبحث عن الربح.
وإقحام الثقافة المقاولاتية في جميع المسالك يبدو مثيرا للدهشة، ولا يستند في الواقع على أية معايير تربوية موضوعية، وهو اختيار ذو بعد أيديولوجي وتحكمي واضح، إذ إن الصيغة الأولى المقترحة للمسالك( الجيل الجديد) لم تدرج فيها هذه المادة (المجزوءة) كسلاح تقوية، و قد تبنى الإدراج عن قصد تعميمها وإرادة فرضها على المسالك كلها في تجاهل تام لخصوصياتها وبنياتها وسياقاتها المهنية والثقافية والاجتماعية، وأقحمت دون تحديدات أو مضامين ودون أن يضع التصميم النموذجي الوطني أية مؤشرات أو مواصفات معينة لها، وكأنه يلقي بمسؤولياتها وتبعاتها على الأساتذة الباحثين ويرسخ دورهم كمقاولين في مجال التربية أو هكذا يوهمهم،ودون مراعاة قدرات وإمكانات التأطير البيداغوجي الملائم في كثير من المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح التي لا تتوفر على التخصصات التي بمقدورها استيعاب تداعيات هذه الثقافة وما يرتبط بها، وكذلك المسالك التي لا تتوفر لها القدرات الذاتية التأطيرية لتدريسها، إذ لا تستجيب لمنظومة موادها وعناصرها ولا تتوفر على مواد تتماس مع طبيعتها، بحيث يمكن اعتبار إقحامها ضمن هذه المسالك تشويشا على تماسك وانسجام وحداتها.
ولذا فإن فرض هذه المادة بصفة إجبارية، بحمولاتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية على كل المسالك يحملها في الواقع ما لاطاقة لها به، ويتعارض مع إمكاناتها الفعلية وخصوصياتها وانتظاراتها الممكنة والمتباينة.
إن الرؤية الميكانيكية التي تحاول أن تجعل من كل المؤسسات الجامعية الحاضنة للعلوم الإنسانية شركات للتربية والتكوين خاضعة لقوانين السوق الشرسة، رؤية لن تسهم إلا في رفع وتيرة تراجع وانهيار الثقة في هذه المؤسسات وإلغاء دورها العلمي والأكاديمي والثقافي.
4- أهداف التكوين:
ضمن كتلة أهداف التكوين الخاصة التي ترتكز عليها مقاربات التقوية، يتراءى لنا أن جل هذه الأهداف تظل ثابتة وقارة عبر كل مراحل التعليم بما فيها مراحل ما قبل التعليم الجامعي وتشكل جوهر الاختيارات والتوجهات التربوية التي تؤطر منظومة التربية والتكوين ببلادنا.
فنحن نجد، مثلا، ضمن هذه الأهداف في مسلك الدراسات العربية "القدرة على التعبير السليم باللغة العربية شفويا وكتابيا"، وهذا هو أبرز الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الاختيار التربوي في سلك التعليم الابتدائي (جعل المتعلم قادرا على التعبير السليم باللغة العربية) وفي سلك التعليم الثانوي الإعدادي (جعل المتعلم متمكنا من اللغة العربية واستعمالها في تعلم مختلف المواد..." وفي سلك التعليم الثانوي التأهيلي (التمكن من نسق اللغة العربية وتوظيف المكتسبات اللغوية في مختلف الأوضاع التواصلية..." وهذا ما نجد صداه في خانات الحقول التي تضمنتها المقاربات الجديدة كإطار لأهداف التكوين الخاصة، وعلى هذا المستوى فإن التعليم الجامعي لن يشكل أية قيمة مضافة إذا اعتمد طريق إعادة إنتاج واجترار صيغة تلك الأهداف.
إن التعليم الجامعي ليس روضا للأطفال الكبار كما تحيلنا المقاربات،بل هو فضاء رحب مفتوح على آفاق البحث العلمي المتخصص والمعمق، ويستقبل "متعلمين" يتوفرون على رصيد وافر من المعارف والمهارات والمكتسبات العلمية، وهم "مواطنون راشدون" يملك معظمهم حق التصويت( 18 سنة) ويسهم في صنع الاختيارات السياسية الاجتماعية والاقتصادية لبلادنا على المستوى المحلي والوطني، ينتمون إلى شرائح مختلفة، ومفروض فيهم بالقوة والفعل أن يكونوا تجاوزوا بمسافات طويلة عتبة القدرة على التعبير السليم باللغة العربية شفويا وكتابيا، مما يستوجب عمليا، وعلميا وتربويا وأكاديميا أن تكون أهداف التعليم العالي أبعد وأعمق من "القدرة على التعبير السليم باللغة العربية"، وأن تكون تتويجا واستثمارا متقدما وعاليا ومتطورا لكل ما راكمه الطالب من معارف ومهارات وكفايات خلال مراحل تعليمه، وتعميق أفق خبراته في مجال البحث والدراسة، لتلافي سياق العودة بالتعليم العالي إلى نقطة الصفر وتسطيح معارفه، ولكي لا تبدو العملية التعليمية في كل مراحلها وكأنها تدور في حلقة مفرغة، ولا تخضع لمنحى سيرورة تطور يقود إلى الأمام ونحو تنمية آفاق البحث العلمي وتعميق مستوياته بشكل أكثر جرأة وأكثر فعالية .
5- المراقبة المستمرة:
المراقبة المستمرة إحدى العناصر المحورية التي تعول عليها طاقات التقوية المحتملة،وضمن البطاقات التقنية (الملف الوصفي) للوحدات وعناصرها، يتم التنصيص على وجوب تحديد عدد المراقبات المستمرة، والحال أن هذه المراقبات مقرونة بوصف "المستمرة" أي أن عملية التقييم عبرها تتم بكيفية مستمرة ودائمة، وهذا جوهرها وسمتها المميزة، وتحديد عددها يحولها إلى مراقبات أو امتحانات تقييم نهائية، في حين هي مظهر لإجراءات تقييم منتظم يتم باستمرار خلال مسار عمليات التدريس والتعليم، فأساسها هو "الاستمرارية" و"الانتظام" وهي بذلك البديل الناجع للممارسات التربوية التي تعتمد أساليب التقييم النهائي الواحد.
ولكي تحقق المراقبة المستمرة أهدافها الفعلية يتوجب أن تتم عملية التدريس والتعليم ضمن مجموعات صغيرة توفر شروط فعالية التقييم وتضمن الاقتراب من /أو الوقوف على: مهارات الطالب المعرفية والسلوكية، وهذا ما لم تضعه المقاربات الجديدة في الاعتبار.
ومن جانب آخر فإن المراقبات المستمرة تفترض عمليا الحضور الفعلي الدائم والمستمر للطالب ومواظبته على التحصيل، وهذا ما لا تخضع له ظروف التدريس في أغلب المؤسسات الجامعية ببلادنا، إذ إن جزءا كبيرا من الطلبة يتابعون دراساتهم الجامعية عن طريق التسجيل فقط ، وليس الحضور الدائم المنتظم.
هكذا فإن آليات التسجيل وحجم الأفواج والاكتظاظ والأعداد الهائلة من الطلبة، والحضور غير المنتظم وغيرها من الظواهر السلبية التي تعاني منها الكثير من المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح تلغي، أو في أحسن الأحوال تستبعد، من الناحية العملية والإجرائية فعالية وجدوى المراقبات المستمرة، ومن ثمة فإن الرهان عليها في ظل الظروف والشروط التي تعيش تحت وطأتها هذه المؤسسات الجامعية حاليا هو رهان على آلية غير ناجعة،وسيكون لها دورها السلبي على مستوى تقييم المعارف والمؤهلات،والتجربة منذ 2003 أكدت بالملموس أن اعتماد هذا الشكل من المراقبات هو ضرب من العبث، وأثبتت عدم فعاليتها ولا جدواها على الإطلاق.
6- لجن الخبرة:
المسطرة المتبعة عادة في إعداد "صفقات" المسالك في التعليم العالي هو تهيئ دفتر التحملات أو طلب الاعتماد وتقديمه إلى اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي التي تتولى عمليات "فتح الأظرفة" والاستعانة بلجن سميت لجن الخبرة لإجازة أو تفويت وقبول الاعتماد، وهي لجن تعمل من وراء الستار وغير محددة الهوية ولا توجد معايير محددة توجه أشغالها وتحكم طبيعة عملها.
والمعروف عادة أن الخبرة هي مهمة علمية وفنية تستوجب "معرفة خاصة ودراسة دقيقة"، تهدف وضع أو تصنيف"موضوعها" ضمن سياق معين طبقا لمعايير موضوعية تنتظم بها المجالات التي يرتبط بها أو ينتمي إليها، وهي غالبا ليست قضاء، ولا تتوفر لها كذلك صفة التحكيم، ولذلك يظل عملها استشاريا وقابلا للمناقشة والدحض والتمحيص، إذ لا تمتلك حق إصدار الأحكام أو الأوامر أو الجزاءات والعقوبات.
ولكن لجن الخبرة التي تلجأ أو توظفها اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي لا تخضع لهذه المعايير، وتم تخويلها سلطات واسعة في إصدار الأحكام والقيام بدور القضاء والحسم النهائي في قبول أو رفض طلبات الاعتماد، وهو ما يضعها في منطقة ولاء خاص وانتماء معلوم، يتعذر معهما مبدأ الحياد والاستقلالية وتنعدم الموضوعية ومظاهر التقييم غير المحايد، وعدم التقيد بأي نطاق احتراز موضوعي أو شكلي، والتصرف وفقا لإرادة (الخصم) إذا جاز أن نستعير هذا اللفظ في هذا المجال، مما يتعذر معه الاطمئنان إلى أنها تؤدي مهمتها من غير انحياز، بحيث يظهر وكأننا أمام لجنة "تصفية" وليس لجن "خبرة".
والحصيلة في الأخير أن التوظيف السيئ الذي اعتمدته المقاربات لهذه العناصر والزيف والسرعة المفرطة التي تسلحت بها لتكريسها، لن يسهم في واقع الأمر إلا في إضعاف الإجازات بدل تقويتها، وسيخلق حتما مساحات خالية على مستوى التطبيق ستكون سببا في انهيار الكثير من أسباب التقوية وأهدافها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.