شهدت الكلية متعددة التخصصات بآسفي تنظيم ندوة علمية بشراكة بين مختبر الحكامة والديمقراطية التشاركية ومختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات، تمحورت أشغالها حول توجهات السياسة الخارجية الراهنة للمغرب، وشارك فيها عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في الموضوع، تناولوا هذا الأخير من مختلف الزوايا والجوانب كالعلاقات الدولية وعلم السياسة والقانون الدستوري والفكر الاستراتيجي. خلال الجلسة الافتتاحية اعتبر السيد عميد الكلية الدكتور الحسان بومكرض أن هذا اللقاء يعكس مواكبة الجامعة للقضايا الحيوية للمغرب؛ وانفتاحها على محيطها، مبرزا أهمية المحاور المدرجة؛ وخصوصا في هذه المرحلة التي تشهد فيها الدبلوماسية المغربية حركية في محيط إقليمي لا يخلو من تحديات مختلفة.. واستهلت الجلسة العلمية الأولى بمداخلة للدكتور نجيب الكتاني وزير الدولة السابق بدولة غينيا بيساو و رئيس منظمة مغرب- إفريقيا للثقافة والتنمية، تعرض فيها للعديد من المحطّات التاريخية التي تبرز عمق العلاقات المغربية – الإفريقية على المستوى التجاري والثقافي، منوها للدور المغربي على عهد الملك الراحل محمد الخامس في تصفية الاستعمار بإفريقيا، مشيرا أيضا إلى الجهود التي قام بها المغرب على مستوى إحلال السلم في هذه القارة من خلال مشاركة القوات المغربية ضمن عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام.. وفي معرض تساؤله عن دور المغرب اليوم في إفريقيا، أكد الكتاني أن رجوع المغرب لحضنه الإفريقي بمثابة خطوة جريئة واستراتيجية لكسب حلفاء جدد وإحيائه للروابط الدينية والاقتصادية والتاريخية التي تجمعه بإفريقيا جنوب الصحراء، فضلا على أن توجهه للانضمام للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا يعتبر رافدا من روافد الانخراط في التعاون الاقتصادي ودعم فلسفة التعاون جنوب/جنوب . أما الأستاذ بالكلية متعددة التخصصات بآسفي الدكتور عبد اللطيف بكور، فقد استعرض الإطار الدستوري للسياسة الخارجية للمغرب منطلقا من اعتبار أن الوثيقة الدستورية لعام 2011 جاءت متقدمة مقارنة بسابقاتها سواء على مستوى طريقة وضعها أو على مستوى مضمونها، ليعرج بعد ذلك للتطرق للفاعل في صنع السياسة الخارجية، معتبرا أن الملك بصفته رئيسا للدولة له العديد من الآليات الدستورية التي يباشر به صنع السياسة الخارجية، من قبيل اعتماد السفراء واستقبال سفراء رؤساء الدول الأخرى، فضلا عن ترؤسه للمجلس الوزاري الذي تعرض فيه التوجهات الاستراتيجية للدولة، علاوة على توقيعه على الاتفاقيات الدولية، مؤكدا أنه إلى جانبه يوجد فاعلون آخرون كرئيس الحكومة ووزير الخارجية ولجنتي الخارجية بمجلسي البرلمان، إضافة إلى فاعلين ثانويين تندرج مهامهم ضمن الدبلوماسية الموازية كالمجتمع المدني والإعلام والنقابات.. وتناول الدكتور إدريس أسوكم أستاذ القانون العام بكلية آسفي مرتكزات السياسة الخارجية بالمغرب معتبرا أن المغرب منذ استقلاله اعتمد سياسة الانفتاح وعدم الانحياز، مشيرا إلى أن مقياس القوة في العلاقات الدولية يقوم على أحد الاستراتيجيتين إما القوة الناعمة أو القوة الخشنة، والمحدد لهذين المقاربتين هو معياري البعد الثقافي والفني القيمي بالنسبة للقوة الناعمة أو ميزانية الأسلحة بالنسبة للقوة الخشنة. وأكد أن اللحظة مواتية تاريخيا لخلق أجندة واستراتيجية للمستقبل أخذا بعين الاعتبار أنه ليست هناك صداقة دائمة أو عداء دائم، موصيا بضرورة اعتماد مقاربة سوسيولوجية باعتبارها مسعفة إلى حد بعيد لتطوير الفكر الاستراتيجي المغربي . وفي المداخلة الرابعة التي ألقتها المستشارة البرلمانية السابقة الأستاذة لطيفة الزيواني تطرقت إلى تشخيص الانفتاح المغربي على محيطه الدولي والإقليمي، من خلال تجسير روابطه مع الصين وروسيا من جهة، مع المحافظة على حلفاء التقليديين لاسيما بعد مجيء ترامب للإدارة الأمريكية، وفي نفس السياق توسيع الروابط مع دول الخليج و تركيا، مؤكدة على ضرورة استثمار المغرب لموقعه الجغرافي الرابط بين إفريقيا وباقي القارات في تعزيز علاقاته مع دول القارة الإفريقية التي تزخر بإمكانيات وفرص مهمة. وتطرق الدكتور عبد الرزاق البياز أستاذ القانون بكلية الحقوق الجديدة، لاستراتيجية المغرب في إفريقيا؛ مشدّدا على أن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي ليست وليدة اليوم ولكن محصلة وتتويجا لسياسة نهجها المغرب منذ سنوات، اتخذت طابعا تضامنيا حيث أزاح المغرب الديون المستحقة عن عدد من الدول الإفريقية، فضلا عن استثمار المغرب لموروثه الروحي لدعم علاقاته مع عدد من الدول الإفريقية وعلى رأسها مالي و السنغال، مشيرا إلى أن السياسة الراهنة للمغرب تجاه إفريقيا تدعمها اتفاقيات هامة، كما أضحى المغرب معبرا من وإلى إفريقيا، مؤكدا على أن سياسة المغرب في هذا الشأن لم تقتصر على إفريقيا الغربية بل الشرقية أيضا. أما الجلسة العلمية الثانية؛ استهلت بمداخلة للدكتور إدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات، اعتبر فيها أن الدبلوماسية أضحت فنّا وعلما في عالم اليوم؛ وأن تطور وتشابك العلاقات الدولية وتعدد الفاعلين؛ وتعقّد المصالح والقضايا والأزمات الدولية.. فرض عقلنة أكبر وانفتاحا أوسع لهذه السياسة؛ بالشكل الذي يضمن نجاعتها وعقلنتها ودمقرطتها وتحقيقها للأهداف والمصالح المتوخاة.. وهو ما أتاح المجال لبروز الدبلوماسية الموازية التي تقودها مختلف الفعاليات من أحزاب سياسية ومجتمع مدني ومراكز بحثية وجامعات وإعلام وجاليات وجماعات محلية.. معتبر أن هذه الأخيرة تتحمل مسؤولية كبيرة على مستوى مواكبة الدينامية التي شهدتها الدبلوماسية المغربية الرسمية في السنوات الأخيرة على مستوى تعزيز التحركات والعلاقات الداعمة لقضية الوحدة الترابية وتعميق العلاقات مع مختلف الشركاء في إطار علاقات جنوب – شمال أو جنوب- جنوب.. أما مداخلة الدكتور مولاي إدريس الإدريسي رئيس شعبة القانون العام بالكلية المتعددة التخصصات؛ فقد تمحورت حول التوجه الواقعي للسياسة الخارجية المغربية حيث انطلق من الرهان في العلاقات الدولية هو زيادة إظهار القوة مشيرا إلى المعالم الكبرى لتطور الدبلوماسية المغربية؛ مشيرا في ذلك إلى الخطاب الملكي الذي أشار فيه إلى أن "المغرب ليس محمية لأحد .." مما يفيد بأن للمغرب مصالح يدافع عنها، وله وعي محدّد بهذه القوة عبر عنها الأستاذ الإدريسي بمسلمتين أولها عدم تهديد الحلفاء وثانيها الوفاء بكل تعهداته الدولية . وناقش الدكتور محمد الحاجي الدريسي الأستاذ بكلية الحقوق في مراكش، السياسة الهجراتية للمغرب؛ مبرزا أن المغرب أضحى معنيا بشكل كبير بهذه الظاهرة سواء كمستقبل أو مصدّر، مشيرا إلى الجهود التي راكمها المغرب على مستوى التعاطي مع الظاهرة في صورها المختلفة، مبرزا أن التوجه نحو إفريقيا وتزايد نسبة الهجرة للمغرب يتطلب سياسات أكثر شمولية؛ مع ضرورة الاستئناس بالتجارب الدولية في هذا الشأن؛ وخصوصا على مستوى استثمار كفاءات المهاجرين وجعلهم جسرا للتواصل مع المحيط. أما الأستاذة آمال الحواسني الباحثة في العلاقات الدولية بكلية الحقوق في مراكش؛ فتطرقت إلى دور المؤسسة الملكية في صنع السياسة الخارجية المغربية من خلال تناول الأسس الدستورية واللاشلكية لهذه الاختصاصات وتسليط الضوء على اختصاصات الملك في المجال الخارجي، وتوصلت من خلالها إلى أن المؤسسة الملكية تشكل مركز الثقل في سلّم توزيع السلطات الدستورية، وبأن الدستور الجديد إنما جاء ليعزز سلطات رئيس الدولة من خلال إعادة إنتاج صلاحياته التقليدية في ممارسة السلطة، وذلك في إطار تغيير ملحوظ نسبيا، لكنه يبقى تغيير من داخل نسق الثبات والاستمرارية. وكانت محصلة المداخلات والمناقشات التي أعقبتها؛ مجموعة من التوصيات التي تمثلت في التأكيد على ما يلي: * ضرورة اعتماد الباحث الأكاديمي على مقاربات ومناهج حديثة في التعاطي مع موضوع السياسة الخارجية؛ * إحداث وتشجيع والانفتاح على مراكز الأبحاث والدراسات المعنية بالقضايا الجيوستراتيجية؛ * الموازنة بين انفتاح المغرب على حلفاء جدد في القارة الأسيوية وأمريكا اللاتينية، والمحافظة على الحلفاء التقليديين؛ * تشجيع مناخ الاستثمار للانفتاح على رؤوس أموال الفاعل الاقتصادي الآسيوي والأوربي والأمريكي؛ * الاستثمار الأمثل لموقع المغرب الجغرافي كصلة الوصل بين باقي القارات وإفريقيا؛ * تشجيع الدراسات و البحوث الجامعية تهم تاريخ و جذور العلاقات المغربية الإفريقية؛ * تسويق الروابط التاريخية بين المغرب وإفريقيا لدى الشعوب والأنظمة السياسية الإفريقية؛ * التأكيد على الأهمية الاستراتيجية للتوجه المغربي للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا CEDAO؛ * الانخراط الفعلي في الدبلوماسية الموازية لتنظيمات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات والإعلام والجماعات الترابية والجامعات ومراكز البحث وتعزيز العلاقات بينها وبين التنظيمات المماثلة لها في إفريقيا؛ * التأكيد على أهمية استثمار عناصر القوة الناعمة بما تختزنه من عناصر روحية وثقافية وتاريخية واجتماعية في تعزيز العلاقات مع إفريقيا، * الدعوة إلى استثمار الانضمام المغربي للاتحاد الإفريقي في ولوج قنوات وآليات صنع القرار داخل هذا التنظيم كسبيل للتأثير في مخرجاته خدمة للقضايا المغربية في مختلف أبعادها..