فلتعلٍّقوا الحجام، قصّوا شعره من الاساس، واتركوا رأسه صخرة تناوشها الرياح، وتلطمها أمواج البحر الغاضب، ،أو إن أبيتم ذلك، فاقطعوا رأسه وسلموه للذئاب الجائعة، وانفضوا أيديكم مما تعلق بها من دمه المغدور. إن العلاقة التي تربط الحجام بانهيار الصومعة، هي نفسها العلاقة التي تربط القول بالفعل، فللمنافق عدة وجوه، و لكل حضرة قناعها الخاص، فهي شعب ودرجات على سُلَّم الكذب والبهتان والنميمة والغيبة، وحين تتجمع تلك الصفات الذميمة في قالب الوصولية، تأخذ لون الحرباء التي تنسجم مع المحيط، بلا قيم ولا مبادئ، بلا عاطفة أو مروءة، فلا شيء بالنسبة لها يعلو فوق المصلحة الخاصة. عجبا، كم يقضي الانسان في هذه الحياة؟ وماذا سيأخد منها من متاع وزخرفة، وكيف يسمح لنفسه أكل لحم أخيه ميتا، مصداقا لقوله تعالى:" أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ ،". وحسب المفسرين فإن ما ورد في هذه الآية يعد من أحسن القياس التمثيلي؛ على اعتبار تشبيه تمزيق عرض الأخ بتمزيق لحمه .. ولما كان المغتاب يمزق عرض أخيه في غيبته، كان بمنزلة الميت الذي يُقَطَّع لحمه ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه. إنها أمراض مجتمعية متفشية، نابعة من الخواء الروحي، والضعف النفسي، وحب التملك، وامراض الأنا المتصدعة، فتجد المواقف عند البعض تتضارب وتتحول بسرعة الضوء، يستيقظون على أمر، ويبييتون على نقيضه، يمتلكون الاقنعة و يوظفوها وفق الأهواء والملابسات، كل شيء قابل للبيع والشراء، فالمواقف والافكار أضحت بضاعة معروضة في سوق النخاسة، يمتلك ناصيتها من يدفع أكثر، تراهم يروجون لفكرة، لقضية، لشخص معين، بكل ما يملكون من ذماثة خلق ودهاء ومكر، يتصيدون أخطاء الناس، ويتربصون بعوراتهم وعيوبهم، فينقلونها وقد طَعَّموها بالمساحيق وكل انواع البهارات المهيجة، وفي المقابل يمدحون ويقولون في ولي نعمتهم ما لم يقله مالك في الخمر، وبمجرد ما يمتصون الرحيق، يتنكرون لوعودهم،ويتبرؤون من حليفهم، وقد ينقلبون عليه حين تنتفي المصلحة، و يزول الخوف. حتى لا أتيه في غياهب الجب، وأقارب بين وجوه إخوة جاءوا أباهم يبكون بقميص دم كاذب، بعد ان رموا اخاهم في البئر حتى يخلو لهم وجه ابيهم، نعود لنذكر بالاستحقاقات المقبلة والتي لم يعد تفصلنا عنها الا شهور قليلة، فمجموعة من الوجوه المعروفة بدأت تتحرك يمينا وشمالا من أجل اسثمالة الناخب، مرددة نفس الاسطوانة المشروخة التي " تستحمر " المواطن، وتدغدغ مشاعره بالوعود الكاذبة، والمنجزات التي تحققت في مخيلتهم،ومن الطرائف، ان احد الانتهازيين كان يسير إلى جنب شخصيات وازنة خلال الحملة الانتخابية في زيارة لأحد الأحياء الشعبية، يشجع ويهتف ويشارك بشكل لفت انتباه المرشحين وأثار إعجابهم، وخلال المسير صادف في الاتجاه المقابل جماعة أخرى يتقدمها مرشح من الوجوه الثرية المعروفة، تقوم بالحملة لصالح مرشحها، فانسل من الجماعة الأولى، واندس في صفوف الاخرى، ليقف إلى جنب المرشح المنافس، منتهجا الأسلوب نفسه في التشجيع والتأييد. الامثلة عديدة، والمصاب اعظم، والمشكل ان هؤلاء لا يقبلون النقد، ولا يعترفون بالخطأ، ولا يجرؤون على الاعتراف بحقيقة من يضع العصا في عجلة الاصلاح، ولا يملكون القدرة على المواجهة، فيشيرون إلى الأشباح والعفاريت وغيرها من المصطلحات الشيطانية التي لا ترى بالعين المجردة. والأنكى من ذلك، فحين تنتقد التجربة، تتهم بأنك تنظر إلى نصف الكأس الفارغ، والعكس هو الصحيح، فنحن ننظر إلى الكأس المليان على حد تعبير إخواننا في المشرق، إلا أن هذا الجزء الممتلئ تشوبه شوائب كثيرة، تراكم الديون وغلاء المعيشة وركود الاقتصاد، والتضييق على الحريات العامة، وتفشي البطالة، و التجاوز عن الفساد والمفسدين، الصحة التعليم العدالة…كلها مؤشرات تدل على التحديات التي تواجه المغرب، بل الفشل الحكومي في معركة الاصلاح. وللاشارة فقط، إننا لا نرمي من وراء هذا تحميل المسؤولية لأية جهة كانت، فالمشكل ليس في النجاح أو الفشل، وإنما المشكل الحقيقي هو في تقديم المغالطات، والتفنن في الكذب والخداع، والتبجح ببعض المكتسبات وطمس الاخفاقات، وهم بذلك يفخمون الذات، وفي داخل الكواليس والمكاتب المغلقة يقولون النقيض، وجه آخر، وهو الإعلام،الذي ينبغي عليه ان يتحمل مسؤولياته كاملة غير منقوصة، ويحتكم إلى الضمير المهني، وليس إلى الانتماءات الحزبية، وإملاءات الهاتف النقال، فالمرحلة دقيقة، والمخاطر المحيطة بالمغرب متعددة ، ومواجهتها تفتضي استحضار المصلحة العامة، ومواجهة الفساد بكل تجلياته.