احتفلت الولاياتالمتحدة يوم الاثنين الماضي بالميموريال داي، أو يوم الذكرى، الذي يتم الاحتفاء فيه بالمحاربين القدامى والترحم على أرواح الجنود الذين قضوا في الحروب العديدة التي خاضتها أمريكا في الماضي، وتلك التي تخوضها حاليا وتلقى معارضة شعبية غير مسبوقة داخل البلاد. احتفالات باذخة يلفها الحزن جابت مواكب الدراجات النارية الضخمة التي يقودها رجال ذوو عضلات مفتولة، لهم شوارب صفراء فاقعة ويضعون الرايات الأمريكية على رؤوسهم الحليقة، الشوارع الرئيسية للعاصمة الأمريكيةواشنطن يوم الاثنين الماضي، احتفالا بالميموريال داي أو يوم الذكرى. وتعد المناسبة عطلة رسمية داخل الولاياتالمتحدة لا يعمل خلالها موظفو الدولة، وتقوم خلالها العائلات بزيارة المقابر ووضع باقات الورود على قبور أحبائهم، كما أن عائلات الجنود الذين قضوا في ساحات المعارك تتجمع عادة في قاعات عامة، حيث تتم قراءة رسائل شوق وفخر ومحبة من أفراد العائلة قبل الذهاب إلى المقابر المجاورة لوضع أكاليل من الزهور المختلفة الألوان والأحجام على قبور الجنود. وتعد مقبرة أرلينغتون الوطنية التي تقع في ضواحي العاصمة، واحدة من أكبر المقابر الأمريكية، حيث تضم رفات مائتين وتسعين ألف جندي أمريكي قضوا في مختلف الحروب التي خاضتها الولاياتالمتحدة، ويزورها أكثر من أربعة ملايين شخص سنويا. وعادة ما تسلط عليها وسائل الإعلام الأضواء في يوم الذكرى لرمزية المكان الذي لا يبعد عن مقر وزارة الدفاع سوى مسافة قصيرة. وقد شارك الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن صباح الاثنين الماضي في مراسيم رسمية لتأبين اثنين من مشاة البحرية الشباب اللذين لقيا مصرعهما في العراق هذه السنة. وألقى الرئيس الأمريكي خطابا أشاد فيه «بشجاعة» الجنديين، وقال إنهما «مثال حي للشجاعة، حيث كانا يضعان علما أمريكيا على قلبهما خلال المعارك التي خاضاها ضد المسلحين في العراق دفاعا عن حرية وأمن بلادنا». وخلال إلقاء الرئيس الأمريكي لخطابه، كانت عائلات الجنود المكلومة تقف في صفوف متراصة أمام القبور الصغيرة المرسومة بعناية فائقة. وكان نحيب أم أو زوجة مكلومة يتصاعد بين الفينة والأخرى، فيما حرص الأطفال الذين رافقوا أسرهم إلى المقبرة على حمل الرايات الأمريكية بيد وصور آبائهم الذين توفوا في اليد الأخرى. تراجع في وضعية الجيش وراء القناع الصارم لرجال الجيش الأمريكي الذين شاركوا في احتفالات يوم الذكرى هذه السنة، تختبئ حسرة كبيرة على الأوضاع التي آلت إليها مؤسستهم العسكرية. فالاحتفالات مرت هذه السنة تحت وطأة الأخبار السيئة القادمة من العراق، حيث فارق أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي الحياة في معارك قال بعضهم إنهم لا يقتنعون بأسباب اندلاعها ولا بالأهداف التي تقف وراءها. كما أصيب أكثر من ثمانية وعشرين ألفا بعاهات مستديمة وجروح خطيرة. وتزامن كل ذلك مع صدور تقارير طبية دورية تهتم برصد الحالة الصحية للجنود القدامى ورجال الجيش الذين يخدمون في الخارج، وقد حذرت من التدهور الشديد في الصحة النفسية للكثير من الجنود الأمريكان الذين يشاركون في الحرب الدائرة في العراق أو تلك الدائرة في أفغانستان. وقالت تلك التقارير إن عددا متزايدا من الجنود يضعون حدا لحياتهم انتحارا بعد فترة قصيرة فقط من عودتهم من ساحات المعارك أو تقاعدهم من الخدمة العسكرية. كما أن صحيفة الواشنطن بوست نشرت تقريرا مطولا هذه السنة نالت عنه إحدى جوائز بوليتزر المميزة، تحدث عن سوء الخدمات الصحية التي تقدم للجنود الأمريكان المصابين في المركز الطبي الذي يقع في مدينة بيثيزدا بولاية ميريلاند والذي يعد واحدا من أفضل المراكز المخصصة لرجال الجيش في البلاد. كما أذاعت قناة «السي إن إن» عدة ربورتاجات أظهرت الحالة المتردية للمركز الصحي الذي تخترقه الفئران، ويعاني من نقص كبير في اليد العاملة المؤهلة وشح في الموارد المالية. معارضة شعبية للحرب في العراق لم يتمكن المرشح الجمهوري لخوض سباق الرئاسة، جون ماكين، من إلقاء خطابه حول الأسلحة النووية يوم الثلاثاء الماضي، فقد قاطعه نشطاء مناهضون للحرب في العراق. وما إن بدأ ماكين في تلاوة الورقة التي دون عليها خطابه، حتى قاطعته سيدة أمريكية صرخت بأعلى صوتها داخل القاعة وخاطبته قائلة: «يجب أن تخجل من نفسك وأن تتوقف عن دعم الحرب التي أدت إلى تدمير بلادنا». مباشرة بعد ذلك، قام رجال الأمن بإخراج المرأة المتمردة، لكنهم لم يكادوا يرافقونها إلى خارج القاعة، حتى وقفت سيدة أخرى تحمل لافتة تدين الحرب في العراق وبدأت تنادي بإرجاع الجنود من العراق ووضع حد للحرب الدائرة هناك. وصفق عدد من الحضور لكلام السيدة الأمريكية، في ظل صمت ودهشة السيناتور جون ماكين الذي أجبر على التوقف تماما عن الكلام من قبل رجال وقفوا بدورهم داخل القاعة ورددوا شعارات مناهضة للحرب. وتحول مثل هذا المشهد الذي تنقله وسائل الإعلام بشكل مباشر إلى أمر عادي داخل الولاياتالمتحدة، بفعل الرفض الشعبي الكبير للحروب التي تخوضها بلادهم في الخارج، حيث عادة ما يلجأ أعضاء منظمات غير حكومية أمريكية مناهضة للحرب في العراق إلى حضور الجلسات العامة للكونغرس أو المناسبات الرسمية التي يشارك فيها أعضاء الإدارة المناصرين للحرب، للاحتجاج وترديد شعارات تطالب بانسحاب بلادهم من العراق وأفغانستان ووقف مخططاتها الاستعمارية في مناطق أخرى من العالم.