ما من شك في أن السيد فؤاد عالي الهمة قد اكتشف في نفسه عاطفة ما نحو العاطلين من حاملي الشهادات، فقد تدخل شخصيا قبل بضعة أسابيع لكي يوقف ضربات الهراوات التي كانت تتهاطل على أجساد العاطلين الشباب ذكورا وإناثا. بعدها قام باستقبال بعض ممثلي هؤلاء العاطلين تحت قبة البرلمان لكي يتناقش معهم حول مستقبل غير مضمون هو مستقبلهم. بعد ذلك، أعلن فريقه البرلماني أنه يدرس خطة ستمكن من وضع حد لمعاناة المعطلين. يوم الأربعاء 30 أبريل الماضي، تمكن فؤاد عالي الهمة من ترتيب لقاء فريد في البرلمان، ضم المعطلين من حملة الشواهد العليا الذين يحتجون في الرباط بعدد من الوزراء والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، منهم أحمد اخشيشن وزير التربية الوطنية، جمال أغمالي وزير التشغيل، صلاح الدين مزوار وزير المالية، حسن بنعدي عضو مكتب حركة لكل الديمقراطيين، ومولاي احفيظ العلمي رئيس الاتحاد العام للمقاولات، وأمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكمال لحبيب عن النسيج الجمعوي، ومحمد الكحص الوزير الاتحادي سابقا، وذكر مصدر مقرب من الهمة أن هذا اللقاء يأتي في إطار خلق إطار للتواصل في أفق البحث عن حلول واقعية والتزام مقاربة جديدة تتوخى بناء فضاءات للعمل التشاركي المسؤول والانخراط الإرادي لبلورة تصورات معبئة وإيداع آليات جديدة لإدماج الكفاءات الوطنية في ترسيخ البناء الاجتماعي. الأمر هنا يتعلق بلعبة حقيقية لاستعراض القوى، لكنها لعبة قوى تثير عددا من الملاحظات. ربما يريد السيد الهمة، بمثل هذه التصرفات النبيلة، أن ينسي الناس أنه، وخلال ثماني سنوات متتالية، كان يقوم بدور وزير داخلية حقيقي، وطبعا كان الرجل الذي يأتمر بأمره كل رجال الأمن والقوات المساعدة الذين قمعوا، بطريقة وحشية، مئات المجازين وأوسعوهم ضربا مخلفين بينهم عشرات الجرحى. وهل من الممكن أن نتصور أن هذه القوات القمعية كانت تتحرك بدون موافقة من السيد الهمة، الذي لم يتدخل أبدا لكي يضع حدا لهذا الضرب الوحشي، الذي سيحمل العديد من أولئك المعطلين، ذكورا وإناثا، آثاره على أجسادهم وعلى نفسياتهم إلى الأبد، أم أنه ربما تمت مسامحة وزير الداخلية السابق على مثل هذه الأشياء؟ من الصعب تصديق أن هذا «اللطافة» قد جاءت فقط بعد أن أسس فريقا برلمانيا وحركة سياسية وأعلن عن مشاركة مكثفة في الانتخابات البلدية والجماعية القادمة. يجب ألا نكون سذجا. الهمة يبحث لنفسه عن عذرية جديدة، عن صورة نقية، ويحاول أن يجعل الناس ينسوا «انحرافات» مساره الطويل في وزارة الداخلية. من جهة أخرى، يحق لنا أن نتساءل لماذا لم ينكب السيد الهمة، طوال ثماني سنوات من العمل في وزارة الداخلية، حيث كان يعتبر الرجل الأقوى في النظام، على وضع خطة تعيد إدماج المئات من هؤلاء الشباب حاملي الشهادات العاطلين، عوض إشباعهم ضربا؟ بعقده لمثل ذلك الاجتماع في حضور مثل هذا «المجمع من العلماء» نتساءل: ألا يتصرف الهمة وكأنه الوزير الأول، ألا يضع قبعة ليست قبعته ويتطفل على مهام الوزير الأول الحالي، لأنه مهما كان الحال، يجب الاعتراف بأن السيد عباس الفاسي، إما أنه لم تخطر له هذه الفكرة أو أنه غير قادر على جمع كل هذا العدد من أصحاب القرار. من جهة أخرى، لا يمكننا إلا أن نفاجأ بتصرف ممثلي العاطلين من حاملي الشهادات، الذين وافقوا على الجلوس إلى طاولة واحدة مع الرجل الذي كان، قبل بضعة أشهر فقط، يعبئ جيوشا بأكملها ضدهم، رجل هو اليوم مجرد نائب برلماني، بل إنه داخل اللجان البرلمانية مكلف بالشؤون الخارجية وليس بالتشغيل أو المالية... لكن من أين يأتي السيد الهمة بسلطته؟ ولماذا يتم التودد إليه بهذا الشكل؟ السبب بسيط وهو كونه صديق الملك، وهي مرتبة يتجاوز تأثيرها تأثير الوزير، بل تأثير الوزير الأول نفسه. كل هذا يعني أننا بعيدون عن أن نكون دولة المؤسسات والفصل بين السلط، وأننا نعيش حكامة العصور الوسطى، حيث السلطة لا تعتمد على تصويت المواطنين وإنما على مدى القرب من الملك.