«لون التضحية» هو العنوان الذي اختاره المخرج البلجيكي المغربي مراد بوسيف لفيلمه الوثائقي الطويل، هذا الفيلم الذي نبش من خلاله ذاكرة الحرب العالمية الثانية، وذاكرة محاربين أفارقة شاركوا إلى جانب الجيش الفرنسي في ضد العدو النازي لكنهم لم يلقوا سوى الجحود مقارنة مع أمثالهم المحاربين الفرنسيين. في الحوار التالي يتحدث بوسيف عن ظروف إنجاز وتوزيع الفيلم الذي تألق في عدد كبير من المهرجانات العالمية. - كيف خطرت لك فكرة إنجاز هذا الفيلم الوثائقي حول قدماء المحاربين المغاربة الذين شاركوا خلال الحرب العالمية الثانية؟ < ذات يوم علمت عن طريق أحد أصدقائي أن عددا كبيرا من المغاربة (أكثر من 350 ألف رجل) تم تجنيدهم في الجيش الفرنسي من أجل محاربة المد النازي، وأن 65 في المائة منهم تم تجنيدهم بالقوة ولم يتطوعوا لذلك. لم أصدق الأمر، فبدأت في البحث، وسرعان ما توصلت إلى أنه لا يوجد أي شيء يشهد على بطولة هؤلاء الرجال ويقدر تضحياتهم، وهنا قررت أن أصور هذا الفيلم حول هؤلاء الأبطال المنسيين. - ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك؟ < الصعوبات المالية، صعوبات التمويل، لا أفهم لماذا لم تساند المؤسسات والمراكز السينمائية البلجيكية والفرنسية العمومية هذا الفيلم. لقد تعبت كثيرا من أجل جمع المال اللازم لإتمام الفيلم، ولا زلت إلى حد اليوم أسدد تكاليف الفيلم. من الصعب جدا إنتاج وتوزيع فيلم ملتزم، له هدف ومغزى. - ما هي المصادر التي استندت إليها؟ < لقد كانت المصادر التي وجدتها شحيحة جدا، أعني مصادر المعلومات، اضطررت إلى السفر عبر العالم لكي أجمع قطع المتاهة. كما كان من الصعب الوصول إلى الأرشيفات، والعثور على صور، لقد عانيت كثيرا. اضطررت إلى نشر عدد من الإعلانات عبر الصحف ولحسن الحظ تمكنت بعد مجهود من مقابلة بعض الناس، قابلت شهودا مختلفين ومتنوعين، ممرضات، سكان الأرياف، مقاومين عايشوا مجندين أفارقة. وهكذا، تمكنت من مقابلة جنود أفارقة ومغاربة شاركوا في كل تلك المعارك الدامية خلال الحرب العالمية الثانية في صف فرنسا والحلفاء. - كيف استقبل فيلمك «لون التضحية»، من جهة في بلجيكا حيث تقيم وفي فرنسا، ومن جهة أخرى في المغرب؟ < عموما، في المهرجانات، لقي الفيلم استقبالا جميلا أسعدني كثيرا، وسواء في أوربا أو في إفريقيا أو في آسيا، أبدى الجمهور وعيا كبيرا وتجاوبا مع القضية. وعندما خرج الفيلم إلى القاعات في بلجيكا ايضا لقي استقبالا جميلا ومشجعا. لقد كان واحدا من أكثر الأفلام الوثائقية جلبا للجماهير في بلجيكا. للأسف، لم يرغب أي موزع فرنسي أو هولندي أو إيطالي أو إسباني... في تبني الفيلم رغم جميع محاولاتي. أنا مقتنع بأن هؤلاء الموزعين لم يتحلوا بما يكفي من الشجاعة ولم يرغبوا في المخاطرة. بالإضافة إلى ذلك، فبالنسبة للموزعين، الفيلم الملتزم الذي يحمل رسالة هو فيلم غير مربح، لا يجلب المال، بل الأكثر من ذلك إنه يجلب لهم المشاكل. - واجهت مشاكل من أجل عرض الفيلم في بعض القاعات في بلجيكاوفرنسا. لماذا هذه النزعة السلبية من بعض الأوربيين تجاه فيلم يعد عملا تاريخيا؟ < اليوم، لازال يوجد في العالم العديد من الأشخاص الذين ليس لهم استعداد لتقبل وقائع تاريخية حقيقية. الكثير منهم لا يستطيعون إدراك أنه كان ثمة عدد كبير من الأفارقة، المغاربة، السينغاليين...الذين جاءوا للقتال، للتضحية بأرواحهم من أجل أن يجلبوا لنا الحرية. لولا مساندة وتضحية أولئك الرجال، لكان وضعنا اليوم مختلفا جدا، لما كنا هنا اليوم. أجد أنه من العار ألا نعترف بفضلهم وتضحيتهم من أجلنا. - لقد بينت من خلال فيلمك الوثائقي حالات عدد من الرجال المسنين، من قدماء المحاربين مع فرنسا، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ترك زوجاتهم وأولادهم في المغرب والإقامة في فرنسا حتى يتمكنوا من الحصول على تقاعدهم الشهري. فكان الفيلم أكثر من فيلم وثائقي. هل كان هذا مقصودا؟ < كل ما أردت أن أفعله هو أن أشهد بوقائع، حقائق صارخة، كل ما فعلته هو أنني صورت معطيات أنا نفسي تعلمت منها الكثير من الأشياء. عرفت أن هؤلاء الرجال ضحوا بأنفسهم على جميع الجبهات خلال الحرب العالمية الثانية، هؤلاء الرجال الذين تركوا خلفهم عائلاتهم وزوجاتهم وأطفالهم، هؤلاء الرجال هم اليوم مجبرون على العيش في علب طولها خمسة أمتار وعرضها متران في مدينة بوردو في فرنسا لكي يتقاضوا فقط 45 أورو في الشهر... إنهم رجال لا يحملون أي حقد ولا أي عنف يمكنهم أن ينقلوه لأحد. إنهم أصحاب كرامة وكبرياء وحكمة. لقد وجهوا لنا صفعات عديدة وعلمونا دروسا، أنا شخصيا أشعر أنني صغير جدا عندما أراهم وعندما أفكر فيهم. أي درس إنساني لقنونا إياه. - هل تعتقد أن فيلمك الوثائقي «لون التضحية» وكذا الفيلم الروائي «بلديون» لرشيد بوشارب الذي يتناول نفس الموضوع، قد غيرا فعلا شيئا من واقع هؤلاء المحاربين القدامى؟ < أعتقد وبكل تواضع، نعم. أن تحكي قصة هؤلاء، أن تشهد بهذه الوقائع التاريخية التي تركت بصمتها على تاريخ الإنسانية هي أشياء مهمة بالنسبة إليهم. اليوم يحتفل العالم بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، وللأسف ولا لحظة واحدة تم التفكير في هؤلاء الرجال أو تكريمهم. إذا استطعنا نحن مواطنون وصحفيون وفنانون أن نتجنب أن نكون سلبيين، إذا استطعنا أن نميط عنهم ظلما كبيرا تعرضوا له، إذا استطعنا أن نخرج قضية هؤلاء النبيلة إلى النور ونتقاسمها مع الجمهور الواسع، فهذا في حد ذاته عمل كبير ومهم. لا يجب أن ننسى أننا جميعا معنيون بهذه القضية النبيلة، فلولا تضحياتهم لكان واقعنا اليوم مختلفا.