سياسة إغراق جنبات السوق بسلع تتميز بالندرة في العرض وباتساع دائرة الطلب عليها تشكل أحد العناوين البارزة في تكريس توجهات «طغيان الاحتكار بسوق الخضر وسيادة التحكم في الأسعار بدون ناظم ولا ضابط لهذا الإيقاع الذي يكوي في الأول والأخير جيوب الطبقات المقهورة»، يؤكد محمد النوالي، مسؤول سابق عن سوق الجملة للخضر والفواكه بالقنيطرة. تتحول أسواق الجملة للخضر والفواكه، فجر كل يوم، إلى بورصة حقيقية للمزايدات والمزايدات المضادة بين سماسرة في صفة تجار غايتهم الربح ولو كانت وسيلتهم في ذلك غير محتكمة إلى معايير أخلاقية ومقتضيات قانونية. أسواق الجملة هي «بورصة بلا قيم، لأن السوق لا يرحم»، يقول عبد العزيز وهو أحد تجار الجملة بسوق الخضر بجهة الرباط، ف«الكل هنا، أي داخل «المارشي»، من تجار وسماسرة .. يتحين الفرص للإمساك بناصية السوق والتحكم فيه، فكل شيء قابل للانقلاب رأسا على عقب». سياسة إغراق جنبات السوق بسلع تتميز بالندرة في العرض وباتساع دائرة الطلب عليها تشكل أحد العناوين البارزة في تكريس توجهات «طغيان الاحتكار بسوق الخضر وسيادة التحكم في الأسعار بدون ناظم ولا ضابط لهذا الإيقاع الذي يكوي في الأول والأخير جيوب الطبقات المقهورة»، يؤكد محمد النوالي، مسؤول سابق عن سوق الجملة للخضر والفواكه بالقنيطرة. بالقرب من مقصف بالسوق المذكورة تسبب الترخيص لصاحبه قبل أسابيع في الرمي بالكاتب العام لبلدية القنيطرة محمد التومي وراء القضبان لمدة 3 أشهر بعد متابعته من أجل التلبس بجريمة الارتشاء، يتحلق كل صباح سماسرة «المارشي» لوضع اللمسات الأخيرة على خطة عملهم كل يوم. فقبل أن ينتشر هؤلاء السماسرة وسط سوق الخضر والفواكه الغارق في الفوضى، أمام أعين المسؤولين، يكونون قد حركوا هواتفهم النقالة تجاه الأسواق المجاورة بالرباط والبيضاء وطنجة، بغرض معرفة أحوال الأسعار بها، قبل الدخول في مغامرة عرض أو طلب سلع بعينها، يقول عمر وهو «تاجر بالجملة».عمر الذي خبر مكر أسواق الجملة للخضر بالمغرب، يضيف أن «السماسرة بمختلف أسواق الجملة بالمغرب لا يتورعون عن الكشف عن تبني تلك الخطة ويتسابقون في الإشادة بفعاليتها عند كل «همزة» يحصلون عليها». وغالبا ما «يشركون مسؤولين عن تسيير السوق في تنفيذها». فبناء على هاته الخطة وغيرها، يوضح عمر، «يتمكن هؤلاء السماسرة من تشكيل لوبي حقيقي توزع أداور عناصره بين من يبخس ثمن خضر وفواكه يعرضها فلاحون للبيع، وبين من يدفع أكثر مما عرضه زملاؤه...». وأمام توالي نعرات هؤلاء السماسرة يصاب هذا الفلاح بالدوران، يوضح عمر، خاصة عندما يمارس اللوبي المذكور الجزء الثالث من خطته التي يرسم بموجبها أمام الفلاح «ملامح يوم ثان من عبء تحمل نفقات مبيت سلعته بالسوق وفقدانها لجودتها وما قد يحمله الغد من أسعار قد تكون أقل مما عرض عليه». نتيجة لهاته الخطة المحبوكة يكون الفلاح المغلوب على أمره «مضطرا إلى التخلص من سلعته وفق سعر يحدده هذا اللوبي دون غيره، وإن كان لا يترك في يد الفلاح إلا الفتات من الربح». بمجرد ما يرفع الفلاح يده عن تلك السلعة تنقل إلى مخازن خارج أسوار السوق في انتظار عرضها للبيع بأضعاف أضعاف ثمن اقتنائها، أو شحنها على وجه السرعة خلال نفس اليوم إلى أسواق مدن كبرى تتسع فيها دائرة الطلب عليها وتحكم هذا اللوبي في تحديد سعرها قبل وصولها إلى المستهلك»، يقول عمر. كبار المتحكمين في السوق محمد النوالي، المسؤول السابق عن تدبير سوق الجملة للخضر والفواكه بالقنيطرة والكاتب العام الحالي للجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، يرى أن تلقي الدولة لتقارير مغلوطة حول أحوال أسواق الجملة وأنشطة المتحكمين الكبار في الأسعار(المصدرين) في سوق الخضر والفواكه، جعل «مخططات الحكومة لمواجهة أزمة الأمن الغذائي في واد وواقع محنة المغاربة مع قفة العيش في واد آخر». فالمتحكمون الكبار في سوق الخضر والفواكه، بالنسبة للنوالي، «يسدون حاجيات الأسواق الخارجية كالاتحاد الأوربي على الخصوص بحثا عن العملة الصعبة على حساب ضمان الأمن الغذائي الوطني». ويرى النوالي أن هؤلاء هم «المسؤولون الأوائل عن موجات التهاب الأسعار التي تجتاح بلدا فلاحيا- بحريا والتي دفعت الطبقات المسحوقة من الشعب لمواجهة السلطات دفاعا عن لقمة العيش». النوالي يطالب الدولة بضرورة التدخل «لقلب معادلة تعاطي «كبار المتحكمين» مع سوق الخضر والفواكه الداخلية والخارجية»، وقد اعترفت مصالح الداخلية بالرباط في تقرير لها حول أنشطة إدارة أسواق الجملة والمجازر بالرباط لعام 2007 بتهديد صنف آخر من «كبار المتحكمين» بطرق أبواب « عليا قصد إرغام الإدارة على تبني طروحاتهم وغض الطرف عن تصرفاتهم المنافية للقانون»، مما يدل على أن هذا الصنف من كبار المتحكمين يمثلون شخصيات ذاتية وأخرى معنوية تحظى بحماية جهات نافذة في هرم الدولة، يعلق نفس المصدر. التقرير المذكور الذي أشار إلى حجز لجن المراقبة ل 9.049.50 كلغ من الخضر والفواكه بمختلف أنواعها خلال سنة 2007، لمخالفة أصحابها للقانون، قال إن «عملية المراقبة... تتم وسط أجواء تطغى عليها المصلحة المادية والاحتكارية لبعض المؤسسات التجارية كالأسواق الممتازة، التي تحاول عن طريق وسطائها، الانفراد بالترويج المباشر للمواد الاستهلاكية الطازجة دون المرور عبر أسواق الجملة». فالأسواق الممتازة التي باتت تنتشر إلى جانب وسطائها وممونيها كالفطر، بمختلف المدن المغربية، دخلت نادي «كبار المتحكمين في الأسعار» عندما تمردت على القوانين المنظمة لأسواق الجملة، حيث اتهمهم تقرير الداخلية المشار إليه، بسعي تصرفاتهم، كأشخاص ذاتيين ومعنويين، إلى «محاولة تحجيم دور أسواق الجملة بغرض إفلاسها وبسط تحكمها على دواليب تحديد الأسعار والمسالك التجارية». السوق السايب إذا كان المثل المغربي يقول «المال السايب كيعلم السرقة»، فإن «السوق السايب كيقتل الحرفة» يقول المكناسي وهو تاجر بالجملة متجول بين الأسواق، ويقصد المكناسي ب«السوق السايب» المستودعات السرية التي تتناسل بالرباط وتمارة وسلا والقنيطرة وكل المدن التي تتوفر على أسواق الجملة للخضر. من خلال جولة قصيرة بأسواق البيع بالتقسيط بالمدن المذكورة، يقف المرء على بعض الأنواع من الفواكه وخاصة الموز والتفاح والأفوكا وفواكه أخرى معروضة بكثرة لدى تجار التقسيط، لكنها واقعيا مفقودة بسوق الجملة. ويرى المكناسي أنه بالرغم من تأثير تلك المنتجات على المداخيل الجبائية لأسواق الخضر والفواكه، فإنها تلعب دورا كبيرا في التلاعب في الأسعار بسبب تموينها للسوق الداخلي من «السوق السايب» الذي يكون متواريا عن مراقبة رجال السلطة وأعوانها. ولا تشكل خروقات لوبيات «بورصة سوق الخضر»، لقانون حرية الأسعار والمنافسة -ولا تنافي أنشطة أصحاب «السوق السايب» مع هذا التشريع- إلا جزءا يسيرا من خروقات كبار المتحكمين في أسعار سوق الخضر لهذا القانون، الذي ينص في الفصل 68 منه على أنه «يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من افتعل أو حاول افتعال رفع أو تخفيض سعر سلع، باستعمال أية وسيلة كانت لنشر معلومات كاذبة أو افتراءات أو بتقديم عروض في السوق قصد الإخلال بسير الأسعار أو بعروض المزايدة على الأسعار التي طلبها الباعة أو باستخدام أية وسيلة أخرى من وسائل التدليس». فإذا كان نادرا ما يتم اقتياد المتلاعبين في أسعار السلع بأسواق الجملة إلى غرف التحقيق، بسبب «احترافية هؤلاء المتلاعبين أو بسبب تواطؤ ممثلين عن السلطة المحلية والمجلس البلدي والوكلاء الفاسدين مع تلك اللوبيات»، يقول أحد أفراد لجن المراقبة بالرباط، فإن المشرع خص «المتلاعبين الكبار أو المتحكمين الكبار في أسعار المواد الغذائية» بعقوبات مشددة عندما قال في ذات الفصل القانوني إنه «عندما يتعلق رفع أو تخفيض الأسعار المفتعل بالمواد الغذائية، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا يزيد مبلغها على 800.000 درهم». هذا ما استهلكته العاصمة خلال 2007 رغم لهيب الأسعار بلغ حجم الكميات المتداولة بأسواق الجملة والمجازر بالرباط خلال عام 2007 ما مجموعه، 41 418 844 كلغ من الخضر و46 168 636 كلغ من الفواكه، حيث عرفت أثمنتها وفق تقرير للداخلية تقلبات وفق العرض والطلب وتأثر كمها وكيفها بفعل الجفاف. وبلغ حجم الذبائح من اللحوم الحمراء 10 081 510 كلغ، مسجلة انخفاضا طفيفا، عكس أثمنتها التي شهدت ارتفاعا كبيرا مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية نتيجة الجفاف دائما. وسجل التقرير خلال العام الماضي انخفاضا في استهلاك الأسماك مقارنة بسنة 2006 بالموازاة مع ارتفاع أثمانها بالنسبة إلى عموم المستهلكين، حيث بلغت الكميات المسوقة من الأسماك وفواكه البحر بالرباط وحدها ما وزنه 2.929.976 كلغ و49.200 وحدة من المحار. وشهدت أثمان الحبوب والقطاني المتداولة بسوق الجملة ارتفاعا في بعض الأصناف المستهلكة، كالقمح الصلب والعدس واللوبية...، وقد بلغ وزن الكميات المسوقة من الحبوب 24.000 قنطار و بالنسبة إلى القطاني 9.000 قنطار. وبلغت كميات الدجاج المروجة بسوق الجملة 5.003.850 طيرا بوزن عادل 10.007.700 كلغ، حيث حافظ نسبيا على أثمنته بالمقارنة مع سنة 2006. وقد ضخ هذا الرواج التجاري بخزينة بلدية الرباط ما مجموعه 491.240.137.50 درهما، بالرغم من إلغاء رسوم التعشير عن الطماطم والبصل والبطاطس خلال شهر رمضان2007 الذي عرف ارتفاعا مهولا في أثمان هذه المواد الاستهلاكية، كما يشهد بذلك هذا التقرير المنجز من قبل وزارة الداخلية.