انتقد إدريس بن علي، المحلل الاقتصادي، الطريقة التي تشتغل بها النقابات المغربية للدفاع عن الطبقة العاملة. وقال بنعلي في هذا السياق إن البعد السياسي هو المتحكم في حركتها. فحسب بنعلي، عندما تجد النقابات نفسها بين المد والجزر، تنخرط في المزايدات لأنها لم تستطع أن تخرج من ثقافة النضال في الخمسينات والستينات - أين يمكن أن يصل اليوم الحوار الاجتماعي ما بين المركزيات النقابية والحكومة؟ < لن يختلف الأمر كثيرا عن الماضي، لأن منطق الحوار الاجتماعي لم يختلف كثيرا عن الماضي: الحكومة تنطلق في فهمها للأمور من موقع سياسي وشيئا ما اقتصادي، والمهم بالنسبة إليها هو «السلم الاجتماعي»، أما النقابات فهي تشتغل بمنطق اجتماعي، يرصد غلاء المعيشة، ارتفاع الأسعار، عدم تطور الأجور..إلخ. ثم هناك منطق آخر، والمتمثل في رؤية أرباب العمل للأمور، وهو منطق اقتصادي يستعمل لغة العولمة وسياسة الانفتاح، التي «ستفرض علينا تقوية التنافسية». كل واحد من هؤلاء ينطلق من وجهة نظره للأمور ويقف فيها. وفهم هذه الأمور يفسر نوعا ما رجوع النقابات إلى ثقافة الصراع والاصطدام. - هل ما يحدث اليوم يدفعنا إلى التفكير من جديد في دور النقابات في المغرب؟ < بالتأكيد يجب اليوم التفكير في دور جديد للنقابات في المغرب، إذ صار من اللازم أن تخرج النقابات من ثقافة الخمسينات والستينات، التي ورثناها عن فرنسا، وفي المغرب لم نصل بعد إلى ثقافة نقابية عصرية كما في الدول المتقدمة، التي تبني نضالاتها على حوار معقول، وحوار له نتائج، لأن منطق الاشتغال في العالم اليوم ما بين المركزيات النقابية وأرباب العمل والحكومات يقوم على أساس شراكة، وليس على أساس عداوة. وما يحدث اليوم في المغرب تتحكم فيه أشياء سياسية أكثر منها نقابية، إذ عندما تجد النقابات نفسها تعيش الجزر والتراجع، تبدأ في المزايدات، مع العلم أن الظرف الحالي هو جد مختلف عما كان عليه في السابق. من جانبها فالحكومة يجب أن تفهم أن «الحوار الاجتماعي» ليس مجرد عملية لربح الوقت، ولكن يجب أن تعمل على إقامة حوار معقول يخرج بنتائج، وهنا أعود إلى ادريس جطو الذي قدم هدية «قانون الشغل» للنقابات واعتقد الجميع أن ذلك هو الحل الأساسي، ودخلت النقابات في هدنة، وما يقوم به الأموي اليوم هو فقط رغبة في العودة إلى الساحة سياسيا. - في تقديرك ماذا يمكن أن تجني النقابات من الإضراب العام؟ < الإضراب العام بطبيعة الحال هو ورقة دائمة في يد النقابات للضغط على الدولة والحكومة، كما أن الإضراب العام في هذه المرحلة يمكن أن ينخرط فيه المجتمع بكثرة، بحكم غلاء المعيشة، لكن في نفس الوقت فالإضراب العام ليس هو الحل، لأنه ربما يكون هناك اصطدام مع الدولة، والذي قد يرجع بنا إلى سنوات الماضي، ولكن يبقى أيضا احتمال تراجع الدولة عن مخططاتها وسيكون ذلك على حساب اقتصاد البلد، بصفة عامة. لأنه لا ينبغي أن ننسى أن الأجور لا يمكن رفعها إذا لم يتطور الاقتصاد، بالنظر إلى الإنتاجية. هذا لا يعني أن النقابات ليس لها الحق بالمطالبة برفع الأجور، ولكن ينبغي على النقابات أن تقوم بعصرنة مطالبها، ويجب أن تطالب اليوم بالتكوين، لكي يتطور العامل المغربي، وهو ما سيسمح في المستقبل بأن تكون لمطلب الرفع من الأجور قيمة، وإلا سيحدث لنا ما حدث للأنظمة الاشتراكية. - بخصوص الإضراب العام، هل بالفعل أن القواعد النقابية المغربية هي في النهاية صاحبة قرار هذا الإضراب؟ < ما يثبته تاريخ الصراع بين المركزيات النقابية المغربية والحكومة هو أنه كل ما قررت النقابات خوض الإضراب العام فذلك ينتهي باصطدامات في الشارع العام، وهنا أحيل إلى إضرابات 1981، واليوم الوضع هو أسوأ وأصعب، لأن المجتمع يعاني بصفة عامة من غلاء الأسعار، وما تقوم به الدولة الآن من أجل «شراء» السلم الاجتماعي عبر صندوق المقاصة هو غير ممكن لأن الدولة ليست لها الوسائل الكافية للقيام بهذا الأمر، وليس لها مداخيل غير أموال المهاجرين والسياحة والاستثمارات الخارجية، وهذا كله لا يساوي سوى 10 ملايين دولار، الورش الذي ينبغي أن يتم الآن هو تضافر جهود الجميع من أجل الخروج من هذا المأزق دون أن نرهن مستقبل الأجيال المقبلة. - في نفس الصدد هل هناك فعلا إمكانية تحقيق السلم الاجتماعي؟ < كما سبق وقلت لك، المعطيات الحالية تؤكد أن الوضع خطير جدا وقد يؤدي إلى انفجار، لأن الشعب يعاني كثيرا، واليوم هناك نوع من الغليان الشعبي الذي قد يؤدي إلى أشياء أخرى، لأن نقطة الضعف المغربية لا زالت قائمة ومستمرة، والمتمثلة في الهوة الاجتماعية العميقة جدا، والإضراب العام يمكن أن يؤدي إلى انفجار الوضع في أية لحظة، والدولة خائفة من هذا الأمر. هناك الآن إمكانية قريبة لانفجار الوضع. والنقابات تعرف أن استعمال ورقة الإضراب العام يخيف الدولة. - بالنظر إلى النقد الذي وجهته للعمل النقابي في البداية هل تظن فعلا أن الدولة خائفة من النقابات؟ < في نظرك من عبأ لإضرابات 81؟ بطبيعة الحال النقابات، وعلى رأسها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. والإضراب العام هو الذي كان السبب في انطلاق كل تلك الاحتجاجات وألقي القبض على العديد من نقابيي الكونفدرالية. الفرق في واقع الحال هو أن النقابات تعيش الانقسام والتجزيء، ولم تعد لها نفس القوة كما في الماضي، لذلك يعود نوبير الأموي اليوم من خلال هذا الخيار التكتيكي ليستعيد موقعه السياسي.