أبريل ليس كغيره من الأشهر، فهو الشهر المفروض فيه أن ينفتح على فصل رائع، فصل الربيع، لطالما انتظره المزارعون والعشاق والشعراء ومحبو الطبيعة. لكنه لا يريد إلا أن يكون شهر الأكاذيب بامتياز. مشكلة أبريل تتحدد في كونه شهرا تعوزه أصالة الانتماء مثل زميله غير المحظوظ شهر فبراير، فهذا الأخير يشكو دائما من النقص مثل عانس مجبرة على حذف سنوات ضوئية من عمرها أملا في مستقبل ما. ولا نفهم بالضبط لماذا استفرد الفلكيون بهذا الشهر المسكين ليحذفوا منه، دون غيره، الأيام الضرورية ليستقيم التقويم السنوي... يبدو -بشكل يقيني- كل فبراير، حين يمر بنا مستكينا كأنه لا يرغب في الإعلان عن نفسه، شهرا يحمل قدرا هائلا بالإحساس بالمهانة من جراء هذا التصرف الأهوج الذي قام به هؤلاء الفلكيون. أما أبريل، فرغم أيامه الثلاثين التي قد تشعره بنوع من الاكتمال، فقد ألصقت به تهمة الأكاذيب وتلفيق المقالب. فعند الإنجليز هو يوم جميع المغفلين والحمقى، وعند الفرنسيين يصبح سمكة أبريل... وكثيرة هي حكايات أبريل ومقالبه، لكن أشهرها -ولا شك- حكاية معرض الحمير في فاتح أبريل من سنة 1846، حيث عمد أحد الصحافيين الماكرين إلى نشر إعلان في إحدى الجرائد اللندنية الرصينة، ونحن نعلم مدى احتفاء الشعب الإنجليزي بجرائده الوطنية والتي كانت المدرسة الأولى للصحافة عبر العالم، والإنجليزي يقرأ جريدته وكأنه يمارس طقسا دينيا مع مؤثثاته الخاصة من شرب كأس شاي سيريلانكي أو هندي أسود ممزوج بحليب وبهارات شرقية، وتدخين غليون تبغ تركي أو أفغاني... خاصة في ذلك العهد الفيكتوري يوم كانت بريطانيا العظمى إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس... في هذه الأجواء المهيبة، والتي يغلب عليها الوقار الإنجليزي البارد، قرأ القراء في فاتح أبريل من تلك السنة، وفي الصفحة الأولى، أن معرضا مهما هو الأول من نوعه في العالم للحمير سيقام في إحدى الساحات الشهيرة بالمدينة، كل فصائل الحمير ستعرض ذلك اليوم، وسيتمتع الزائرون برؤية حمير إفريقية وأسيوية وأوروبية جلبت خصيصا لهذه المناسبة الاستثنائية، وأن المعرض مفتوح للجميع... وكما نقول نحن هنا في المغرب «الدعوة عامة». جاء الجميع متأبطا جريدته إلى الساحة المذكورة، من كل الطبقات... من المجتمع المخملي، من الطبقة الإنجليزية الشهيرة بعاداتها بالغة التعقيد، ومن عمال وبسطاء. الجميع يمني نفسه برؤية الطلعة البهية لأول حمار سيفتتح هذا المعرض العجيب، لكن لا شيء يحدث. الساحة تمتلئ بالمزيد من الزوار المتشوقين لبداية العرض... بعض الثرثارين وجدها فرصة لاستعراض معلوماته الحميرية، فاستفاض في الحديث عن الفروق الجوهرية بين الحمار الإفريقي والأسيوي، منتصرا للحمار الأوروبي لأسباب فيزيولوجية بصفة عامة، ولأسباب حضارية على الخصوص. وبين هذا النقاش وذاك، أخذ الوقت يمر ولا حمار في الأفق، عفوا، في الساحة. وبعد تململ وضيق يفهم في هذه الحالة، بدأت الأسئلة تطرح، والشكوك تخامر الكثيرين، خاصة الأذكياء منهم الذين فهموا المقصود، لقد كانوا حمير هذا المعرض، لذلك تسللوا تاركين المنتظرين المغفلين ينتظرون ما يشبههم. لكن، أبريل ليس شهر المقالب فقط، بل هو شهر المآسي والحروب.. الحرب العالمية، ولادة أدولف هتلر، غرق التيتانيك. وإذا كان لابد من الحديث عن المقالب حتى بين الشهور نفسها، لن نجد أكثر مما حدث لشهر فبراير، والذي كان من الممكن اليوم أن نطلق على فاتحة هذا الشهر الحالي كذبة فبراير، ففي عهد يوليوس قيصر في عام 45 قبل الميلاد، كانت وضعية الشهرين أبريل وفبراير غير ما هي عليه اليوم، فأبريل كان هو الشهر الثاني بعد يناير، وفبراير الشهر الرابع بعد مارس، لكن شيطانا رجيما وسوس ليوليوس قيصر أن يضع فبراير موضع أبريل، وأبريل مكان فبراير. بسبب هذا المقلب على الأرجح، نحس بفبراير مهانا بين الشهور، وأبريل مكتظا بالأكاذيب والغبار المتطاير في الأجواء كلما هم الربيع أن يدخل فصله دون أن تكون له الخصال الضرورية لكي يسمى فصل الربيع. لذلك، قال الشاعر ألإنجليزي/الأمريكي إليوت في مفتتح قصيدته التحفة «الأرض اليباب»: أبريل أقسى الشهور يخرج الليلك من الأموات...