بسجن سوق الأربعاء الغرب، الذي لا تعلو به سلطة فوق سلطة “الفتوة” “و”المال”، وجد محمد الأطراسي أو “حيمض” (25 عاما) نفسه محكوما بأن يقضي بين جدرانه ثلاثين سنة سجنا نافذا في جريمة قتل قيل إنه بريء من دمائها. كان لثقل الجرائم التي أدين من أجلها الأطراسي دور كبير، في منحه هيبة داخل سجن سوق الأربعاء الغرب، إذ كان أعتى السجناء وأشدهم بطشا لا يعصون له أمرا. زاد هذا الوضع، الذي أضحى الأطراسي يتمتع به داخل سجنه، من حماسه في التخطيط لتنفيذ عملية فرار ناجحة، ليس من أجل البحث عن الحرية أو الهروب خارج الوطن، ولكن من أجل الانتقام ممن لفقوا له تهمة القتل، إنهم درك الغرب يقول الأطراسي في محاضر موثقة. ظلت فكرة الهروب تسيطر على تفكير الأطراسي في كل زمان ومكان من أمكنة السجن الباردة وأزمنته الثقيلة والرتيبة، وكان يتردد في البوح بها إلى زملائه الثلاثة في زنزانة عريضة واسعة كانت تحت إمرته. فزع الأطراسي ذات ليلة في منامه، يقول “احمد الراس” أحد السجناء السابقين بسجن سوق الأربعاء الغرب، وصاح وهو يقول: “خرجوني، خرجوني بغيت مي” وهو يرتعش، مما جعل الموالين له بزنزانته يغطونه ببطانية فاخرة حتى طلع النهار وعاد إليه هدوؤه دون أن تعود به الذاكرة ليتذكر ما حدث له ليلا. ساهم هذا الحادث في إكسابه هيبة مضاعفة في هذا السجن الذي أضحى يحكم قبضته عليه بدون منازع، خاصة عندما سرت إشاعة بين السجانين والسجناء تفيد بأن الأطراسي مصاب بمس جني. لم يكن الأطراسي يدرك أن دخوله في تحد مع أحد السجناء حول قدرته على طي قضبان ثانوية في سقف باحة فسحة الاستراحة، سيتكون ذريعة يستغفل من خلالها الحراس والسجناء للهروب بعدما وجد نفسه فوق سطح السجن. وبينما كان أحد الحراس المكلفين بحراسة الساحة يأخذ سيجارة من أحد السجناء بمنقطة تدعى بلغة السجون “روند شمال”، وهو حائط دائري يفصل الزنازين عن ساحة الاستراحة، كان الأطراسي قد تجاوز السور الخارجي للسجن. فرار الأطراسي روع منطقة الغرب، بعدما شكل دخوله السجن تحولا بارزا في حياته، حيث كان دهاؤه قويا وبدون حدود، ويحسن الاختباء والمراوغة، ولا يستثني في عملياته الإجرامية رفقة أفراد عصابته أية منطقة بجهة الغرب. فقد ظلت المناطق المجاورة لمدينة سيدي سليمان، مرتعا لغاراته على مستعملي الطرق، حيث لم يقتصر في تنفيذ اعتداءاته على الأسلحة البيضاء، بل تعداها إلى الأسلحة النارية التي تمكن عبرها من سرقة السيارات والهجوم على حقول الأغنياء بالمنطقة، وسلبهم أموالهم. كان الأطراسي يستهدف رجال الدرك الملكي بجهة الغرب، حيث كاد أن ينهي حياة قائد للدرك يدعى أوطلحة بطلقة نارية خلال إحدى المواجهات التي أسفرت عن مقتل دركي وإصابة آخرين، قبل أن يسقط الأطراسي أسيرا بعدما قضى ليلة ماجنة بوكر إحدى العاهرات بسيدي سليمان. وبذلك يكون الأطراسي قد هرب من السجن على طريقة الخنفوري ابن الغرب الذي ذاع صيته في عالم الإجرام، حيث جمع بين قصصهما ومسارهما بين عالمي الحرية والأسر أكثر من قاسم.