المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    مراكش... توقيف مواطن أجنبي مبحوث عنه بموجب أمر دولي بإلقاء القبض    حرائق لوس أنجلوس .. الأكثر تدميرا والأكثر تكلفة في تاريخ أمريكا (فيديو)    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    الملك يصدر عفوه السامي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير الأنشطة الملكية    الصويرة تعزز ربطها الجوي بثلاث وجهات فرنسية جديدة    توقيف شخصين في مراكش بتهمة النصب والاحتيال وتزوير وثائق السيارات    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    "الباطرونا" تتمسك بإخراج قانون إضراب متوازن بين الحقوق والواجبات    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    الملك يعزي أسرة الفنان بنعبد السلام    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    أحوال الطقس يوم السبت.. أجواء باردة وصقيع بمرتفعات الريف    الملك محمد السادس يوجه برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنان الراحل محمد بن عبد السلام    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    من هو جوزيف عون الرئيس الجديد للبنان؟    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    ملفات ساخنة لعام 2025    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    تحذير رسمي من "الإعلانات المضللة" المتعلقة بمطارات المغرب    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد:الأصوليون استولوا على الدين والإسلام الرسمي إسلام عظيم
نشر في المساء يوم 11 - 04 - 2008

بكل تأكيد تكتسي آراء المفكر الإسلامي الدكتور رضوان السيد طابعا خلافيا، فهو من جهة لا يوفر أحدا من آلته النقدية الحادة، يجهز على الماركسيين والتقدميين ويتهمهم بالانعزالية وبفشل برنامجهم، كما يحاصر الإسلاميين وبالأخص الصلاحيين منهم الذين يرفعون شعارات تلتهم الإسلام الرسمي ومقومات الدولة، كما يولي وجهه شطر من يشتغل معه في نفس الحقل، مكيلا لأركون نقدا لاذعا، متعاطفا مع حسن حنفي، محللا المشغل الفكري الأخير للدكتور محمد عابد الجابري. . وفي كل هذا يرى أن الإسلام الطهراني إذا وصل إلى تدبير الشأن العام واستلم السلطة فإنه لن يكون أرحم من ديكتاتورية النظام العسكري العربي.
حوار يقرأ على تخوم متعددة، وربما يكون فاتحة سجال فكري هنا في المغرب وفي غيره من أقطار «الصحوة الإسلامية».
} التقيت مؤخرا طلبة مغاربة من الجامعة المغربية، كيف وجدت النقاش معهم؟
- بالفعل، ألقيت محاضرة في جامعة المحمدية، والتقيت طلبة مغاربة من جامعتي المحمدية والدار البيضاء، في تخصصات علم الاجتماع والدراسات الإسلامية وفلسفة وآداب، وقد كان النقاش معهم حادا حول الكثير من القضايا الراهنة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي، أغلبية هؤلاء الطلبة كانوا أصوليين. لقد كان النقاش معهم في غاية الجرأة والصراحة.
} أنت نفسك تقول إنك أخطأت الطريق، وبدل أن تدرس الفسلفة، ذهبت في الاتجاه الآخر، وتخصصت في الدراسات الإسلامية، ما هي دوافعك في ذلك؟
- في الحقيقة، كانت رغبتي الدفينة أن أدرس التاريخ أو العلوم الاجتماعية، ولكني تحت وطأة إحساسي بأن هناك مشكلة كبرى في الإسلام، فضلت أن أذهب في اتجاه البحث في كل ما يحيط بهذه المجرة.
} كنت دائما تشدد على أن المثقف العربي هو مثقف هش ولا يمتلك مشروعا، إلى أي حد أنت متشبث بهذا الرأي؟ وهل مازالت هذه المقولة هي التي تؤطر رؤيتك لأداء المثقف في العالم العربي؟
- المسألة الآن من وجهة نظري مختلفة، نعم كنت أقول ذلك، وكنت أقصد بذلك المثقف اليساري في الستينات والسبعينات، ثم تبين لي في الحقيقة أن هذا المثقف أقل تأثيرا مما اعتقدت. كنت أظن أن المثقف هو المسؤول عن انقسام الوعي، والآن صرت أعتبر أن المثقف لا يؤثر لا سلبا ولا إيجابا، والذي أثر هو السلطة السياسية ثم بعد ذلك النهوض الإسلامي أو ما يسمى الصحوة الإسلامية، وهما اللذان أثرا بعمق في الحياة العربية.
فهناك واقع الدولة الحديثة القومية والعسكريين العرب، وبعدهما النهضويين الإسلاميين والصحويين الإسلاميين الذين أسميهم بالإيحيائيين، هؤلاء هم الذين تركوا أبلغ تأثير في الخمسين سنة الأخيرة في الأوساط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وعلى أساس من وجهة نظرهم تكون لدينا وعي معين بالعالم، ولذلك ما عدت أحمل المثقف اليساري الأنتلجنسي إلا مسؤولية هامشية تتعلق بالخطأ في وعيه، لقد كان هؤلاء لا يتجاوزن خمسين أو ستين واحدا في العالم العربي، أخطأوا في تشخيص الوعي الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي للأمة وللدول العربية، وكتبوا دراسات على أساس هذا الوعي وهذا التشخيص سواء كانت دراسات انجلوساكسونية حديثة أو دراسات اجتماعية واقتصادية، وهي دراسات مخطئة، لكن قراءها قليلون، ولا أظن أنهم تركوا تأثيرا سلبيا كبيرا.
تصور كم كانت هامشيتهم، إنك لا تجد، وهم شيوعيون في أغلبيتهم، دراسة واحدة في مسألة الدين في العالم العربي.
} لكن هذا يرتبط بحال ووضع مؤسسات البحث العلمي ولا يرتبط آليا باليساريين؟
_ أنا أقصد اليساريين الجامعيين، وهم اشتغلوا في الجامعة وفي السياسة وفي الرأي العام وفي الأحزاب، وأكثرهم ليسوا مثقفين كبارا، حتى وإن كانوا قد تخرجوا من جامعات أوروبا الشرقية ومن الاتحاد السوفياتي سابقا، هم ليسوا مثقفين كبارا، وتجد المثقفين الكبار منهم ليسوا خريجي الجامعات الشيوعية.
وفي كل الأحوال ليست هناك رؤية حقيقية لمسألة الإسلام لدى هذا المثقف المعارض والمعترض على التراث، وعلى الحاضر وعلى الوعي وما شابه.
} لكن نفس السلوك الشوفيني ينتجه الطرف الآخر، أو ما يسمى بالإسلام الجديد؟
- الإسلام الجديد له تأثير سلبي لسوء الحظ. الإسلام الجديد شكل وعيا سلبيا.. لقد شكلوا نظرة الشباب حول العالم، صورة العالم الآن في الوعي الإسلامي العام أتت من هؤلاء التجديديين الإسلاميين في الخمسينات، وبالتالي تأثرت رؤيتنا للعالم ورؤيتنا لقضايا المرأة وتأثرت رؤيتنا لقضايا الحكم السياسي، وتأثرت رؤيتنا لمسألة الدولة، وكل الملفات الكبرى استلموها، إن لم يستلموا الأجوبة فقد استلموا الأسئلة على الأقل.
الآن السؤال الرئيسي، هو ما مدى تلاؤم الإسلام مع الدولة.
} لكن الإسلاميين في العالم العربي يسعون مثل اليساريين إلى امتلاك الدولة، أي امتلاك السلطة؟
- بالفعل، فهذا هو برنامجهم الحقيقي، وفي أقل الأحوال يسعون إلى المشاركة في السلطة وفي تدبير شؤون الدولة.
وأول خطوة قاموا بها هي السيطرة على الجامعات، لقد أصبحت الجامعات العربية الآن تحت إدارتهم من خلال الطلاب والأساتذة وكل المرافق التابعة لها، وتلك هي الخطوة الأولى لامتلاك الشارع.
} هل تعتقد أن تدبيرهم للفضاء العام يمكن أن يقدم شيئا؟
- لا يمكن لهذا التدبير أن يقدم شيئا على الإطلاق. لقد استولوا مثلا على السلطة في السودان، واستولوا على الكثير من الجامعات العربية، وبقيت سمعتهم نظيفة، أي أنهم لا يسرقون ولا يفسدون، ولكن هذا ليس هو المؤهل الوحيد. الواحد منهم مستعد أن أزوجه ابتني لكنني لست مستعدا لتوليته إدارة الشأن العام، لأنه ليست له رؤية لأي شيء، فلذلك ليسوا مؤهلين لإدارة الشأن العام.
ثم إن أطروحتهم هي دمج الدين في الدولة، أي إعادة الإسلام إلى المجتمع عن طريق الدولة، ومن ثمة الاستيلاء على الدولة من أجل فرض الشريعة.. ما هذا الكلام؟ أصلا هذا إضرار كبير بالإسلام، وأي مكان تقوم فيه الدولة الدينية فإن أول ما يضر ذلك بالدين، مثل نموذج طالبان وإيران.
ومن رأيي أن أي صيغة لدولة دينية ستنتج في نفس الوقت قوى أخرى دينية معارضة لها أيضا الرغبة في السيطرة على الدولة باسم الدين، والسلطة السياسية كانت دائما تشتغل على الإسلام وتقسمه، وتقوم دول باسم الدين وتنهدم باسم الدين، والنظرية الخلدونية تقوم على هذا الأساس، دولة قبلية ودولة دينية، فالدولة الدينية مستحيلة، وكان هناك مصالحة بين الدين والدولة في تاريخنا القديم، لأنه لم يكن هناك صراع حول السلطة بينهما، هناك سلطة دينية وهناك سلطة سياسية، المرجعية فيها للإسلام والإمرة للسلطة السياسية، إنما السلطة الدينية لها مجال تعمل فيه وتؤثر طبعا في المجال العام، لكنها لا تحاول الاستيلاء عليه، كما أن صاحب السلطة السياسية لا يستطيع الاستيلاء على الدين.
الذي يحدث الآن أنه تحاول فئة اجتماعية عريضة أن تستولي على الدولة المدنية، وفي رأيي أنها لم تستول على الدولة لكنها زعزعت الوعي بالدولة المدنية، وأنتجت حالة من الفوضى وعدم الإيمان بالنظام السياسي وبالدولة، طبعا لا تنفرد هي بذلك، بل هي حصيلة عامة للتجربة السياسية العربية.
} لكن أين هي مفاهيم المجتمع المدني وحقوق الإنسان وما يستتبع ذلك في كل هذا؟
- هناك درجات من التلاؤم ومحاولات التلاؤم بين الحركات الإسلامية أو حركات الصحوة وبين هذه القيم العالمية، ومن رأيي أن التلاؤم أحيانا مقبول. ويحاول المتحررون منهم نسبيا إعادة قراءة هذه المفاهيم ويحاولون إعادة التلاؤم معها، لكن أكثر المقاربات، حتى الإيجابي منها، هي مقاربات سطحية، لأنهم عندما يصلون إلى شيء من السلطة يتنكرون لتلك المبادئ.
ويعادلهم في السوء، سوء التجربة السياسية العربية، فالأنظمة السياسية العربية أنظمة ضباط بالذات لم تضرب مثلا صالحا، بل أساءت إلى كل شيء، حتى في العلاقات الإنسانية.
أساؤوا إلى كل شيء، واعتمدوا على أجهزة مخابراتية خلال أربعين سنة في بلدان عربية رئيسية، لقد أفسدوا كل شيء، وجاء الإسلاميون فحصدوا نتيجة هذه الشكوك، ليس لأنهم أفضل، بل لأن هناك فراغا، وأنهم بالفعل ليسوا فاسدين. . فالأنظمة العسكرية العربية ليست ديكتاتورية فقط، بل إنها سارقة وفاسدة وهادرة للحقوق الوطنية وللحقوق القومية وللأخلاق الإنسانية.
هؤلاء الأشخاص ليسوا فاسدين لكنهم ليسوا في نفس الآن أقل استبدادا، وبالأخص أنهم يتكلمون هذه المرة باسم الدين، ولو أنهم وصلوا في أي بلد عربي إلى السلطة لكان ذلك أكبر إساءة لهم لأنهم حينذاك سينكشفون. فليس لهم إلا هذه الطهورية، فالضباط السودانيون عندما وصلوا إلى السلطة سنة 1988 لم يكونوا سارقين ولا نصابين، لكنهم بسبب استبدادهم وهيمنتهم على السلطة كاد السودان يزول.
} هل يبني الإسلاميون قوتهم ونفوذهم على ضعف الإسلام الرسمي؟
- أعتبر الإسلام الرسمي إسلاما عظيما، والمذاهب الفقهية الأربعة التي أرست هذا الإسلام التاريخي تعرضت للإساءة من طرف النظم السياسية والحداثة، ولم تصلح نفسها ولم تطورها واجتمعت لها عشرات الأسباب، ومن بينها ظهور الأصولية الإسلامية وتدخل في هذا الإطار الدول الاستبدادية، باسم التحديث أزالت تلك المذاهب، كل هذه الأسباب جعلت المؤسسة في حالة تخثر وزوال، وليس هناك دين يقوم بدون مؤسسة، ولو لحفظ شؤون العبادات.
المؤسسة الدينية ليست مقدسة ولا ضرورية، وليست هناك كهانة في الدين، لكن للمؤسسة الدينية وظائف، وهذه الوظائف يحاول أن يتبناها الآن الأصوليون، ولذلك عندنا مخاض عظيم، وأعتقد أن هذه المذاهب الفقهية في طريقها إلى الزوال، لكن الأصوليين ليسوا بديلا لها، لأن الأصوليين انقساميون والمؤسسة المالكية أو المؤسسة الحنفية أو المؤسسة الشافعية، هذه المؤسسات هي مؤسسات توحيدية، أما الإسلاميون اليوم فهم انقساميون، لا يستطيعون توحيد الناس حتى في طريقة أداء الفرائض. . السلفيون لا يصلون مع الآخرين، والإخوان المسلمون يصلون وحدهم. .
} هل ينطبق الأمر على المؤسسة الدينية الشيعية؟
- المؤسسة الدينية الشيعية أقوى من المؤسسة الدينية السنية، لأنها تملك سلطات مؤصلة بالدين، فالشيعي لا يستطيع أن يمارس دينه إلا من خلال فقيه مقلد، لا يستطيع أن يصوم أو يحج أو يصلي إلا من خلال فقيه حي يتزعمه دينيا وأيضا سياسيا.
ورأيي أنه لو كانت ولاية الفقيه مقصورة على الجانب السياسي، لكان ذلك قوة للمؤسسة وقوة للمذهب الشيعي، الآن عندما استولت الدولة على الدين حدثت انقسامات هائلة تحطم المؤسسة، حيث تستولي القومية الإيرانية عليه أو الباكستانية، وحين يسيطر أي مذهب ديني على الدولة ففورا سينقسمون عليه باسم المذهب الشافعي أو الحنبلي أو غيره، وبالتالي سيضعف الدين أو سيتشرذم. والمذهب الشيعي الظاهر القوة الآن معرض كثيرا لخطر كبير من خلال هذا الجمع بين الدين والدولة، فالمصالح القومية والوطنية تتوزع من جهة والمصالح الدينية الشيعية من جهة أخرى، ومن رأيي فإن الذي سينتصر هو المصالح الوطنية والقومية طبعا، والمذهب الشيعي سينقسم حول من هو في السلطة ومن هو خارج السلطة ويحاول الدخول إليها.
التجربة الإيرانية تعطينا الدليل على الانقسام الحاصل في المجتمع الإيراني من خلال الصراع القائم بين المحافظين والإصلاحيين. لقد كان بالإمكان تفادي ذلك لكنهما لم يفلحا في ردم الهوة.
لقد أصبح حلم الشباب الإيراني اليوم هو الهجرة إلى الخارج، في ظل الحصار الممارس من قبل الأنظمة السياسية، وأيضا الحصار الداخلي الممارس من قبل الأصوليين المحافظين.
لذلك أرى أن الدولة الشيعية في إيران تواجه خطر الإنقسام الداخلي، بينما لا يواجه المذهب الشيعي خارج إيران نفس خطر الانقسام.
- أريد أن أفهم منك وجهة نظرك في بعض الإسلامولوجيين العرب من مثل محمد أركون، أنت تتحفظ عن الكثير من طروحاته وقراءاته؟
- محمد أركون ليس صحويا وليس زعيما شعبيا، هو ناقد للكلاسيكية الإسلامية وللنصوص التأسيسية في تلك الكلاسيكية والسنة النبوية، وهو أيضا ضد الظواهر الإسلامية الحديثة، وأنا أرى أن النصوص الكلاسيكية الإسلامية لا تقرأ بهذه الطريقة التي قرأها بها محمد أركون.
هناك مناهج غير صالحة للقراءة، وأنا لا أطلب من محمد أركون أن يكون مؤمنا بالوحي وأن القرآن موحى، أطلب أن ينظر إلى القرآن باعتباره نصا تاريخيا كما يقول، وينظر إليه أيضا من دوره في حياة المؤمنين.
يقول لك أركون: تكونت أرستودوكسية سنية وأرستودوكسية شيعية وأسرتا العقل الإسلامي وينبغي تحطيمهما عن طريق تفكيك القرآن لأنه هو الذي يمسك بتلافيف العقل الإسلامي.. هل هذا كلام.. إذا كان القرآن يمسك بتلافيف العقل الإسلامي فينبغي أن يقول لنا لماذا يمسك بتلافيف العقل الإسلامي وكيف، حتى تعرف ما موقع الدين في حياة الناس. لذلك أرى أنه لا يقرأها قراءة ناقدة ولا تاريخية، بل قراءة دوغمائية، مثلما يقرؤها قراءة معاكسة للمتدين المسلم.
فمحمد أركون يعتبر أنه لا يمكن أن ننهض وأن نتقدم إلا بالطريقة التي تقدم بها الغرب، والغربيون بدؤوا تقدمهم على مشارف العصور الحديثة بشرذمة النص وتفكيك نصوصهم المقدسة والخروج من المقدس إلى العالم الدنيوي بدون أوهام وبدون مرجعيات ميتافيزيقية، لذلك أول ما فعله العلماء البروتستانت ثم تبعهم الكاثوليك أن أثبتوا زيف وتراكب وتشابك وعدم إلهية نص العهد القديم، ثم نص العهد الجديد، وهذا لم يلغ الدين، بدليل أن البروتستانت لا يزالون بروتستانت، والكاثوليك لا يزالون كاثوليك، ولكنه حررهم من العقلية الميتافيزيقية، صاروا ينظرون إلى النص نظرة تاريخية، ومحمد أركون يرى أن أكبر عقبات حداثتنا هي هذه البنى الميتافيزيقية التي بناها القرآن أو التي بنتها - كما يقول - الكثرة الإسلامية.
} لكن لماذا تتحفظ مثلا من القراءة التي قام بها نصر حامد أبو زيد؟
- أنا لا أتحفظ على قراءة حامد أبو زيد، ولكني أقول إنها ليست القراءة الأكثر فهما لطبيعة الإسلام ولطبيعة النصر القرآني، وحامد أبو زيد هو في الأصل عالم لغة وعنده إلمام بالألسنية أيضا بالإضافة إلى معرفته بالإسلامية التقليدية اللغوية.
لقد اشتغل أبو زيد بنفس المنهجية التي اشتغل بها على النصوص الكلاسيكية وعلى الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، سواء كان خطاب الإخوان المسلمين أو حركة الجهاد..
أنا لا أرى أن هناك نصا إسلاميا أو نصا ماركسيا يمكن أن يقرأ قراءة بنيوية داخلية، وهو يقرأ كما يقرأ نصا للإمام الشافعي أو للإمام مالك، أنا آخذ عليه تجاوزه للمنهج الاجتماعي، الآن لم يعد يفعل ذلك، بل صار يراعي كل هذه الاعتبارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.