الواقع أننا في «المساء» لم نكن مرتاحين منذ اليوم الأول الذي علمنا فيه أن محامي دفاع نواب وكلاء الملك الأربعة بالقصر الكبير (بلال بورباب، عبد الهادي فتحي، محمد الحافيظي، سعيد فكري ) ليس شخصا آخر سوى محمد زيان. وهاهو سعادة النقيب يطل علينا من نشرة المغرب العربي لقناة الجزيرة ليلة الاثنين الماضي لكي يعلق على مبلغ 600 مليون سنتيم الذي طالب به لموكليه الأربعة واستجاب له القاضي العلوي. وقال سعادة النقيب أن الحكم ليس مبالغا فيه وإنما هو حكم عادي، ف«المساء» لديها الإمكانيات المادية لكي تدفع المبلغ المطلوب. واستشهد النقيب زيان بما قالته محاميته المبتدئة التي تتدرب هذه الأيام على إعطاء التصريحات للقنوات التلفزيونية بمناسبة الحكم على المساء، من أن الحكم لم يتضمن عقوبة سالبة للحرية ضدي، وأن هذا في حد ذاته شيء إيجابي. يعني حسب زيان ومتدربته المبتدئة كان يجب أن نقيم حفلة نحمله فيها فوق الطيفور بمناسبة صدور هذا الحكم، لا أن نقوم بمثل ما قام به كل الصحافيين المغاربة على اختلاف منابرهم وخطوطهم التحريرية من تنديد بالحكم وإدانة له. والمضحك في تصريح زيان أنه يطلب منا أن نراجع موقفنا من حكم الإعدام الذي طالب به في حقنا، وأن نسلك طريق التهدئة وضبط النفس، لأن أسلوب التصعيد الذي اخترناه بعد قرار القاضي العلوي ليس في مصلحة أحد. فيجب انتظار حكم الاستئناف وربما تكون هناك تسوية حبية لهذا النزاع. ليسمح لنا النقيب زيان أن نقول له أننا فعلا أصحاب نيات حسنة، لكننا قطعا لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة التي يتصورها هو ومن يشتغل لصالحهم. لقد صدقنا خرافة الصلح والتسوية الحبية الذي جاء زيان إلى الدارالبيضاء ليبشرنا بها منذ انطلاق محاكمة «المساء». وبناء على هذه «البشارة»، التي اتضح فيما بعد أنها تشبه بشارة مسيلمة الكذاب، نشرنا توضيحا يتضمن اعتذارا لكل من يعتقد أن كرامته مست بسبب ما كتبناه حول فضيحة عرس الشواذ بالقصر الكبير. وأعدنا التذكير لمن في حاجة إلى تذكير بأننا لم نذكر أي نائب لوكيل الملك بالاسم، ولم نقصد الإساءة إلى أي واحد من نواب وكلاء الملك الأربعة. وذهبنا إلى المحاكمة بهذه القناعة، وطيلة المدة الفاصلة بين النطق بالحكم والمرافعات بقينا على اتصال بزيان نسأله أين وصلت مسطرة الصلح، وظل يراوغ ويماطل ويقدم الأعذار المبطنة. فمرة يقول بأن بعض نواب وكلاء الملك يدفعون باتجاه الصلح ومرة يقول بأن جهة خارجية دخلت على الخط وأصبحت توجه السادة نواب وكلاء الملك، ومرة يقفل هاتفه ويتخلف عن المواعيد التي يحددها معه المحامي المكلف بالدفاع عن «المساء». وبقي زيان يماطل إلى آخر غذاء جمعني به أسبوعا قبل صدور الحكم رفقة محامي الجريدة في أحد مطاعم الرباط، تحدث فيه زيان حول افتقاده في الآونة الأخيرة لمخاطب في وزارة الداخلية وفي دواليب الأجهزة السرية ومعلوماته شبه الأكيدة حول قرب اعتقال نادية ياسين أكثر مما تحدث فيه حول موضوع مسطرة الصلح بين «المساء» ونواب وكلاء الملك الذي كان الدافع الأساسي لهذا الغذاء. وفي الأخير خرجنا بخفي حنين من هذا اللقاء، وأوصلني زيان مشكورا بسيارته إلى بيتي. لذلك فزيان آخر شخص يمكن له أن يتحدث عن التسوية الحبية والصلح بخصوص هذا الملف. وآخر شخص يحق له أن ينتقد التصعيد، لأن التصعيد جاء من جانبه ومن جانب موكليه الأربعة الذين لم يقيموا وزنا لتوضيح الجريدة واعتذارها لكل من يعتقد أن كرامته قد مست. ويظهر من خلال كلامه في الجزيرة أنه يطلب منا أن نراه يذبحنا من الوريد إلى الوريد ومع ذلك يردنا أن نكون متفائلين وسعداء، فقط لأن الذي يقوم بعملية الذبح هو النقيب زيان المبشر بالصلح والحلول الحبية. ولعل من أكبر الأكاذيب التي أطلقها زيان في نشرة المغرب العربي بالجزيرة هي ادعاؤه أنني صديقه. وربما يعتقد زيان أننا بمجرد ما تناولنا طعام الغذاء وأوصلني بسيارته إلى بيتي فقد أصبحنا صديقين. وهذه مناسبة لكي أوضح أنه لا علاقة صداقة تجمعني بزيان، وهذا طبعا لا ينقص من الاحترام الواجب له كمواطن مغربي قبل أن يكون شيئا آخر. لكن أحب أن أوضح أنني لا أملك أصدقاء من فصيلة زيان. ثاني المغالطات التي روجها عني زيان في نشرة الأخبار بالجزيرة لكي يبرر بها المبلغ الخيالي الذي طالبنا به هو أنني سبق لي أن رفعت دعوى قضائية بسبب القذف ضد إحدى الجرائد وطالبتها بثلاثة مائة مليون كتعويض. وهذا مجرد كذب، وأتحدى أي شخص يستطيع أن يثبت أنني طالبت يوما بهذا المبلغ المالي الكبير. وإذا كان زيان على علم بأنني رفعت قبل سنتين دعوى ضد إحدى الجرائد بسبب وصفها لي بالمرتشي والكذاب والمحتال، فإنه أيضا يعلم أن القاضي الذي رفض قبول شكايتي لاسترجاع كرامتي ليس شخصا آخر سوى القاضي العلوي. فهل يستطيع زيان أن يشرح لنا كيف يقرر قاضيه المفضل في مثل هذه النزاعات أن يقبل شكايات زملاءه نواب وكلاء الملك الأربعة ضدي من أجل القذف ويرفض قبول شكايتي ضد الجريدة التي أهانت كرامتي بالقذف. هل هناك مقياس خاص لدى القاضي العلوي يقيس به مستوى كرامة المواطنين، بحيث تكون كرامة القاضي أهم وأشرف من كرامة الصحافي. وثالث المغالطات التي روجها زيان في نشرة أخبار الجزيرة، واستغل فيها عدم معرفة مذيع النشرة الأجنبي بالملف، هو ادعاؤه بأن «المساء» ادعت وجود نواب وكلاء الملك الأربعة في عرس الشواذ، فيما الجميع يعرف، بما في ذلك زيان، أن «المساء» تحدثت عن نائب واحد لوكيل الملك وليس أربعة نواب. ويبدو واضحا اليوم أن مهندس الشكايات الأربع ليس سوى زيان نفسه، وهناك مصادر أكدت لنا بأن زيان هو الذي دفع مبلغ تسعة ملايين سنتيم لصندوق المحكمة مقابل قبول رفع الدعاوى الأربع المباشرة ضد «المساء». والمسألة في غاية البساطة، خصوصا إذا عرفنا أن الرابح الأكبر في هذا الحكم الذي حطم كل الأرقام القياسية للتعويضات عن الضرر هو زيان نفسه. لأنه سيأخذ عن كل تعويض من التعويضات الأربعة نسبة تصل إلى خمسة وعشرين بالمائة كأتعاب من المبالغ المحكوم بها ضد «المساء». وهذا هو السبب الحقيقي الذي يدفع زيان إلى مطالبتنا بالتعقل والبحث عن طرق حبية للصلح من أجل طي هذا الملف. فهدفه الأول من وراء إطلاق مثل هذه «البشارات» الخادعة هو ربح الوقت حتى يصدر الحكم النهائي لصالح موكليه ولصالحه. أما ما قاله سعادة النقيب بخصوص لجوئي إلى انتقاد الحكم ورفض استعمال القضاء لإرهاب الصحافيين وابتزازهم ماديا، وأن ذلك ليس سوى محاولة من جانبي لكي أصبح زعيما أو لكي أرفع من مبيعات الجريدة، فليسمح لي سعادة النقيب زيان أن أقول له بأن الذي يبحث عن الزعامة السياسية لست أنا وإنما سعادته. فلست أنا على كل حال من أسس حزبا سياسيا اسمه الحزب الليبرالي، ولست أنا من دخل مرتين غمار الانتخابات التشريعية وسمع رأي المغاربة قاطبة فيه بكل وضوح، بحيث لم ينجح أسده العجوز برغم كل الضجة البهلوانية التي قام بها في حملاته الانتخابية في الحصول ولو على مقعد واحد في البرلمان. ولو كنت مثله لقمت بحل الحزب وأرجعت أموال الدعم لصندوق الداخلية وطلبت المسامحة من المواطنين على اقتحام مجال أكبر مني. لكن بما أن الأمر يتعلق بزيان، المحامي الذي لم يترك مواطنا شريفا واحدا لم يترافع ضده، بداءا من الأموي الذي أرسله إلى السجن عندما انتقد الحكومة، ومرورا بأبو بكر الجامعي الذي وقف ضده لصالح الدفاع عن مركز أوربي مغمور، وحكم عليه بغرامة 350 مليونا تسببت في مغادرته للمغرب نهائيا. وانتهاء بوقوفه ضد جريدة المغاربة الأولى وتجرئه على محاولة اغتيالها بمساعدة القاضي العلوي الذي سماه المحامي الرميد بالجلاد في الندوة الصحافية التي نظمتها «المساء» مساء الاثنين الماضي. والواقع أن هذه المحاكمة المسخرة كشفت اللثام عن آلة جهنمية للإجهاز على الصحافة الحرة في المغرب. وهكذا صار واضحا أنه بمجرد ما ترى قضية ضد صحافي يجتمع فيها زيان والقاضي العلوي فاعلم أن القضية فيها إن، ولذلك عليك أن تتوقع الأسوأ. أما ادعاء زيان بأنني أسعى من وراء انتقاد حكم العلوي الرفع من مبيعات الجريدة فهذه مجرد مزايدات من مدير سابق لجريدة فاشلة كزيان، لم يستطع أن يبيع من أسبوعيته أكثر من عشرات النسخ كل أسبوع. أما «المساء» فمبيعاتها مرتفعة ولله الحمد منذ سنة، ولا تنتظر مثل هذه الأحكام الإرهابية لكي تنتشر. وعلى زيان الذي «خذله» رد فعلنا تجاه الحكم الجائر الذي طالب به في حقنا، أن يعلم أننا لا زلنا لم نشهر بعد كل أسلحتنا. فإذا كانت مهمته هي إخراس المعارضين والصحافيين وتحطيم مقاولاتهم الإعلامية، فمهمتنا هي أن نجعل مهمته مستحيلة ومكلفة. بمعنى آخر كما كان يقول المعارضون الإسبان للمد الفرانكاوي الفاشيستي «نو باساران» أي «لن يمروا». وزيان يعرف هذه المقولة الإسبانية جيدا بحكم والدته الإسبانية التي تكون ربما قد حكت له في طفولته بسبتة أجزاء من الحرب الأهلية الإسبانية. وإذا كان قد فاته هذا الدرس التاريخي يمكن أن نحيله على ترجمة لها يرددها أشقاؤنا المصريون وهي «لن تمروا إلا على جثتي».