لم تجد الجالية الإسلامية بإيطاليا إلا لغة التنديد والاحتجاج، للتعبير عن غضبها من استغلال كاتب وصحفي مصري بجريدة «إلكوريري ديلا سيرا» الإسلام والمسيحية لتحقيق أهداف خاصة. فبعد أن انتقد وهاجم الإسلام كمسلم معتدل يدافع عن القيم الإنسانية وعن الحرية حسب رأيه، قرر نزع قناعه بعد تعميده من طرف البابا بنيديكتوس السادس عشر في قداس بسان بييترو بالفاتيكان ليصبح مسيحيا كاثوليكيا. وتزامنا مع هذا الحدث الذي أحدث زلزالا إعلاميا بإيطاليا، طالبت الجمعيات المغربية بهذا البلد الأوربي بتوضيحات رسمية من السلطات المغربية بخصوص قيام مغربي يدعى حميد بيشري بجولة بشمال إيطاليا يدعي فيها أنه المبعوث الخاص لصاحب الجلالة محمد السادس جاء لتفقد رعايا جلالته هناك. موضة الهجوم على الإسلام أصبح الهجوم على الإسلام في نظر بعض الفاشلين، من مثقفي وسياسيي العالم، موضة جديدة أو موضوعا دسما، لتحقيق شهرة سريعة والوصول إلى أهداف خاصة وضيقة. فبعد سلمان رشدي، صاحب الآيات الشيطانية، والراحلة الإيطالية أوريانا فلاتشي بكتابها «قوة المنطق» والهولندي المغتال فان كوخ مخرج فيلم «الخضوع» ومواطنته الأثيوبية الأصل أيان حيريس ومعها الإيطالي روبيرتو كالديرولي صاحب القميص المسيء إلى الرسول الكريم وكذلك الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي هزت العالم الإسلامي، يأتي الدور على عربي ومسلم (سابقا) قادم من القاهرة يدعى مجدي علام، لمهاجمة الإسلام والمسلمين مستغلا فلسفة صامويل هينتينتون الأمريكي في صراع الحضارات، ليحدث مزيدا من الشرخ بين الجالية الإسلامية المقيمة بإيطاليا والمجتمع الإيطالي مسيحيا كان أم لائكيا. مجدي علام هذا الذي وصل إلى إيطاليا قبل 35 سنة، ودرس بمدارسها وثانوياتها، تمكن من الحصول على الإجازة في علم الاجتماع من جامعة لاسبينيسا بروما، قبل أن يتعاون مع جريدة «إلمنيفيستو» اليسارية وجريدة «لا ريبوبليكا» التي لمع اسمه معها كخبير وصحفي مختص بشؤون الشرق الأوسط والإسلام. كان حينها مجدي يتحسس طريقه ويحاول خلق هوية جديدة له وبأي ثمن للوصول إلى المجد ولو على حساب دين أمه التي خدمت ولسنوات في بيوت أحد الأغنياء الإيطاليين بالقاهرة، وحين فشل في تحقيق هذا الهدف وجد في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفي مهاجمة الإسلام والمسلمين ضالته للتملق إلى الإيطاليين ولتقديم الشكر إلى العائلة الغنية الإيطالية التي كانت تخدمها أمه ومكنته من ولوج مدرسة كاثوليكية بالقاهرة ومن الهجرة إلى روما لإتمام دراسته هناك. انطلاقة مجدي علام في تحقيق هويته الجديدة بدأت مع جريدة «إلكورييري ديلا سيرا» التي أصبح نائب مديرها وأحد الصحفيين البارزين فيها، ليتمكن معها من إصدار كتب عدة هاجم فيها الإسلام بشكل غير منطقي ومجد فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل بشكل متملق ليحصل منهما على جوائز وعلى ضوء أخضر بمواصلة مسيرته وتحامله على الإسلام وبدون هوادة. جرأة علام الذي وصف نفسه بالمسلم المعتدل وانتقاده المبالغ فيه للإسلام ولمعتنقيه، جعلا من جهة وسائل الإعلام الإيطالية، خصوصا القنوات التلفزية تسلط الضوء عليه وتستضيفه كخبير مختص في الشؤون الإسلامية ليستغل وضعه كصحفي مسلم من أجل النيل من الإسلام والمسلمين، ومن جهة أخرى جعلا عددا من الجماعات الإسلامية المتطرفة تطالب بإهدار دمه كخائن وكعميل للغرب وللمسيحيين، لهذا فهو يعيش منذ أكثر من أربع سنوات تحت حراسة خاصة لرجال الأمن الإيطاليين. تنصير مجدي علام بطبيعة الحال فمجدي علام بهجومه على الإسلام أصبح شخصية غير مرغوب فيها داخل المجتمع الإيطالي وحتى خارجه ليس فقط من الجالية الإسلامية هناك بل كذلك حتى من سياسيين ومثقفين وأناس عاديين إيطاليين الذين وصفوه ب«المتملق». فقد كان رئيس حزب النهضة الشيوعية الإيطالية قد انتقده في لقاء تلفزي مباشر دٌعيا إليه معا مؤكدا أن مبالغته في الهجوم على الإسلام وتمجيده الكبير لإيطاليا وللغرب فيه نوع من الشك والريبة. في حين أن عددا من الصحفيين اليساريين الإيطاليين اعتبروه شخصية صنعت نفسها باللعب على أوتار الصراع، مؤكدين أن ذلك لا يخدم مصالح الإيطاليين وكذا المسلمين. وفي هذا الإطار تذكرت ما قاله لي الصحفي الإيطالي لوكا لوتشولي عن علام الذي اتهمه بالتآمر على الإسلام وعلى الإيطاليين، مبرزا أن مثل علام لا يخدمون اندماج مسلمي ومسيحيي ولائكيي المجتمع الإيطالي في ما بينهم. وقال: «نحن بحاجة إلى مثقفين وسياسيين يوحدون الصف ويبعدون المجتمع الإيطالي عن الخلافات والانشقاقات، ولا حاجة لنا بمتملقين يستفيدون من لغة الصراع وبما يجري في العالم لتحقيق مآرب شخصية محضة». الجالية الإسلامية المقيمة بإيطاليا حاولت جاهدة أن توصل رسالة إلى المجتمع الإيطالي، لإبراز أن مجدي يشكل خطرا عليها وأنه يستغل الإسلام فقط لتحقيق الشهرة بإيطاليا وأن له القدرة على استغلال أي شيء آخر للوصول إلى هذا الغرض لأنه وكما قال فيه إمام أحد مساجد مدينة ميلانو: «علام شخصية لا دين ولا ملة لها». نداءات الجالية الإسلامية وغضبها من مجدي علام تضاعفت بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة الماضية بعد اعتناق هذا الأخير للمسيحية الكاثوليكية وليقوم البابا بينيديكتوس السادس عشر بتعميده في قداس مهيب بسان بييترو بالفاتيكان أمام أعين عدسات كاميرات قنوات عالمية كبرى. فقد أحدث اعتناق هذا الكاتب الصحفي المصري الأصل، الديانة المسيحية غضبا كبيرا لدى أبناء الجالية الإسلامية المقيمة بإيطاليا، إلى حد مطالبة أحدهم بإصدار فتوى ضده لوقوفه وفي مناسبات عديدة وراء مؤامرات كانت تحاك ضد الإسلام. واتهم عدد من أئمة المساجد الإيطالية علام بالتآمر على الإسلام وعلى المسلمين وتشويه صورته بكل الوسائل، مؤكدين أنه شخصية منافقة، تلعب على القضايا الإسلامية، لتحقيق أغراض شخصية محضة. وقال محمد دانوفا، وهو رئيس الجمعية الإسلامية بميلانو ومؤسس بادرة الحوار بين الديانات بإيطاليا، إن مجدي علام باعتناقه المسيحية إنما قام بالكشف عما كان يضمره ويتخفى وراءه، مؤكدا أن مهاجمته للإسلام من منبره كصحفي وكاتب مسلم كان فيه نوع من الشك والريبة. وأضاف قائلا: «مجدي علام هو شخصية صنعت اسمها بمهاجمة الإسلام والمسلمين واعتناقه للمسيحية يدخل كذلك في هذا الباب وسيحاول استغلال المسيحية كذلك لأهداف لا يعلمها إلا الله». وفي السياق نفسه قال المغربي عبد الله مشنون، رئيس جمعية الحوار بين الثقافات والديانات، إن أمر مجدي علام يجب أن ينظر ويفصل فيه العلماء المسلمون، مشيرا إلى أن الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه أو اختيار ديانات أخرى. وأضاف: «الإسلام دين التسامح والرحمة وأرى أن نزع مجدي علام لقناعه باعتناقه للإسلام أمر يخصه». الجمعيات المغربية بإيطاليا غاضبة عبرت الجمعيات المغربية بإيطاليا عن غضبها من مهاجر مغربي اتهمته باستغلال اسم الملك لتحقيق أهداف ضيقة على حساب مصالح الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا. فحسب جريدة «إلغازيتينو» بمدينة تريفيزو الإيطالية، فإن بيشري هذا الذي أدرج المجلس الأعلى لحقوق الإنسان اسمه ضمن لائحة الأعضاء الذين سيمثلون مغاربة إيطاليا بمجلس المهاجرين، قام بجولة بمدينة تريفيزو صحبة مسؤول بقنصلية مدينة بولونيا، التقى من خلالها بعدد من أبناء الجالية المغربية هناك على اعتباره مبعوثا من طرف ملك المغرب محمد السادس. وجاء في المقال الذي تصدر الصفحة الرئيسية للجريدة، وعنون ب: «ملك المغرب يقول إن مدينة تريفيزو ليست عنصرية، في إشارة إلى التصريحات التي أدلى بها من وصفته الجريدة بالمبعوث الخاص لجلالة الملك»، وأضافت أن: «ملك المغرب الشاب محمد السادس يسعى إلى معرفة أحوال 10 آلاف من رعاياه يقيمون بشمال إيطاليا، ولتحقيق هذا الغرض فقد قام بإرسال مبعوثه الخاص مباشرة إلى مدينة تريفيزو (شمال شرق إيطاليا). الخبر نزل كالصاعقة على رؤساء الجمعيات المغربية بشمال إيطاليا الذين يعرفون بتفاصيل الموضوع، والذين سارعوا إلى الاتصال بقنصليات المملكة بإيطاليا وبالسفير المغربي بروما، للتعبير عن استنكارهم واحتجاجهم على ما أسموه باستغلال اسم الملك لتحقيق مصالح شخصية. واتهم رئيس جمعية شباب الصحراء بميلانو، بالعمل على استغلال إدراج اسمه ضمن لائحة مجلس المهاجرين، ليصول ويجول بإيطاليا مدعيا أنه ممثل رسمي للجالية المغربية المقيمة بإيطاليا ولسلطات الرباط. وقال: «لا يجب أن نسكت عن هذا الأمر الذي لم تتحرك السلطات الدبلوماسية المغربية حتى الآن لإيقافه رغم خطورته على مصلحة البلاد وعلى الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا، أنا والجمعيات المغربية الأخرى الغاضبة من هذا الأمر لسنا ضد بيشري وغيره لكننا ضد الاستغلال وضد التسيب وعدم اكتراث سلطات الرباط لما يحدث بإيطاليا». سفير المملكة بروما تاج الدين بادو في اتصال هاتفي مع «المساء» أكد علم سفارته بالخبر دون إصداره أي تعليق عليه، مؤكدا أنه بعث رسالة إلى المسؤولين بالرباط لينظروا في الموضوع وأنه سيتصل بالمعني بالأمر وبالجريدة الإيطالية التي نشرت الخبر لمعرفة بعض التفاصيل التي تخص الجولة التي قام بها إلى مدينة تريفيزو.