قضت المحكمة الابتدائية في الرباط بالحكم على جريدة «المساء» ب600 مليون سنتيم كغرامة لفائدة 4 وكلاء عامين للملك في مدينة القصر الكبير بتهمة القذف. وارتأى السيد القاضي محمد العلوي الذي سبق أن أصدر حكما على علي المرابط بعدم مزاولة المهنة لمدة 10 سنوات وعلى أبو بكر الجامعي بالغرامة لفائدة مركز أوربي وصلت إلى 350 مليونا... ارتأى السيد العلوي، المتخصص في هذا النوع من القضايا، أن كل وكيل عام للملك يستحق 150 مليون سنتيم، مع العلم أنه سبق للجريدة أن نشرت توضيحا واعتذارا لهم عن خطأ قد يكون أضر بهم. إن حكم السيد العلوي يحتاج إلى مناقشة عميقة في الشكل وفي الجوهر. كيف يحكم العلوي لأربعة وكلاء عامين للملك، ونحن لم نتحدث سوى عن واحد دون ذكر اسمه وقدمنا اعتذارا له؟ ثم ما هي المعايير التي ارتكز عليها القاضي المذكور للحكم لكل واحد من زملائه ب150 مليون سنتيم؟ ثم لا حاجة للتساؤل عن لماذا العلوي، صاحب «سوابق الأحكام ضد الصحافة»، هو الذي كلف بالنظر في القضية وليس غيره؟ ولماذا حمل القضاة القضية من القصر الكبير محل سكناهم إلى الرباط؟ ماذا خلف هذه المحاكمة؟ إن الأمر برمته لا صلة له بنشر قصة القصر الكبير، إن موضوع الشكاية أكبر من المشتكين وأكبر من موضوع القذف، إن الأمر يتصل بمحاولة لإسكات صوت «المساء» المزعج لأكثر من جهة. ولأن بعض الجهات في القضاء في بلادنا تحولت منذ مدة إلى أداء وظيفة وزارة الداخلية على عهد إدريس البصري، ووظيفة الأجهزة الأمنية على أيام العهد القديم، فقد عهد إليها بإعدام جريدة المغاربة الأولى. إن حكم السيد العلوي قابل لعدة قراءات، فهو من جهة رفع قيمة الغرامة والتعويض إلى مستوى يعرف أنه يهدد بإقفال الجريدة، وهو من جهة أخرى يريد أن يبعث رسالة واضحة من بعض اللوبيات في القضاء تقول إن «القضاء» محرم على التناول الإعلامي وعلى النقد، وأنه أضحى منذ مدة «مقدسا» لا يجوز الاقتراب منه. لقد توصلنا بعدة رسائل تهديد مباشرة وغير مباشرة من أوساط قضائية منذ أن بدأنا ننشر ملف قاضي مكناس ضد رقية أبو عالي، ومنذ نشر اتهامات ضحايا إيزو للقاضي المستاري في مراكش، ومنذ أن بدأنا نعطي الكلمة لأصحاب رسالة إلى التاريخ، وإبان نشر خبر عن تظاهرة المحامين في كلميم ضد فساد بعض القضاة... ولما رفضنا التخلي عن جوهر مهنتنا الذي هو الإخبار بكل نزاهة وجرأة وموضوعية. جاءت قضية القصر الكبير لتكون رسالة ردعية من نوع آخر. وهنا نطمئن من يهمهم الأمر إلى أننا لا نعرف صحافة مسيجة بالمقدسات، صحافة تخاف من مراكز القوى ولوبيات الفساد، فما عليكم إلا أن تراجعوا نظرتكم الاحتقارية إلى الصحافة الوطنية، أو تستعدوا لإسكات كل الأصوات الحرة في هذه البلاد، حتى يبقى صوت واحد يسمع في أرجاء المملكة.. صوت يُرجع الصدى لأن الفراغ المميت لم يترك مكانا لأحد.