حضر إلى ديربي الرجاء والوداد جمهور ثلاثة أندية، فإضافة إلى البيضاويين أتى أيضا مشجعو فريق الجيش الملكي، ليقطعوا الطريق ويسرقوا الرجاويين والوداديين ويعتدوا عليهم خارج الملعب، انتقاما منهم لثأر قديم. لقد خلف هذا اللقاء الكروي أكثر من ضحية وعاد البعض إلى الدارالبيضاء معطوبا وهناك من عجز عن العودة وبقي في مخافر الشرطة بالرباط قاطع طريق اسمه الفار ماذا أتى يفعل جمهور الجيش الملكي في مقابلة تجمع بين الرجاء والوداد البيضاويين؟ المدينة التي ستجري فيها المباراة هي مدينة الرباط والملعب هو المركب الرياضي مولاي عبد الله، لكن الفريقين من الدارالبيضاء ولا دخل لجمهور «الفار» في أمر هذا الماتش الخطير لأن فريقه المفضل لن يلعب هذا اليوم ضد الرجاء والوداد مجتمعين. شخص غبي مثلي انتظر كثيرا كي يفهم لماذا يقتسم جمهور ثلاثة أندية بالتساوي مدرجات الملعب، وأجريت تحليلا رياضيا بسيطا كي أستوعب هذه الإشكالية، قبل أن أتوصل بذكاء وعبقرية خارقة إلى أن مشجعي الجيش جاؤوا ليقطعوا الطريق؟ كيف؟ في الوقت الذي كان البيضاويون يتقاطرون على مدينة الرباط من كل حدب وصوب، مستغلين كل وسائل النقل المتاحة من حافلات وقطارات وشاحنات وهوندات، كان جمهور الجيش الملكي يتربص بهم، وينتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليهم، إلا أنه كان يختار بين القادمين من الدارالبيضاء، مفضلا الجماعات الصغيرة التي لا تتعدى ثلاثة أشخاص كي يسهل عليه الاعتداء عليها، ويغض الطرف عن جحافل المشجعين الذين يأتون زرافات يمثلون أحياء بكاملها. لم يكن مشجعو الجيش الملكي يميزون بين جمهور الوداد والرجاء، كانوا جميعا لقمة سائغة، ينتظرونهم في مفترقات الطرق وخلف الأشجار ويعرفونهم من خلال ألوانهم الحمراء والخضراء، والأعلام التي يحملونها معهم، ولذلك لم يكن هناك فرق ولا تنافس في هذه الناحية على الأقل، حيث انتهت هذه المباراة الأولى بالتعادل في عدد الضحايا من كلا الطرفين. قبل مباراة كرة القدم وبعدها إذن قام جمهور الجيش الملكي بإخراج شفرات حلاقة وسكاكين كانت معهم وأسالوا دم أكثر من ودادي ورجاوي، كما انتزعوا منهم هواتفهم النقالة والأموال القليلة التي كانت معهم، في مشاهد عنف مخيفة كانت أحداث بعضها تجري أمام عيون رجال القوات المساعدة الذين عجزوا عن الحد منها، وبدل ذلك كانوا يضربون الصغار بهراواتهم دون سبب يذكر، إلا أنهم يرغبون في الدخول إلى الملعب أو الخروج منه. بالقرب من الملعب اعترضت مجموعة من مشجعي الجيش الملكي وداديا وطرحوه أرضا ثم أخذوا يتناوبون على ضربه، وبعد ذلك قطعوا ملابسه وتركوه عاريا بلا سروال، والدم ينزف بغزارة من أذنيه، المسكين رجع إلى الدارالبيضاء بلا أسنان بعد أن ترك نصف فمه في العاصمة. الوقت وحده يسمح لك بأن تفهم لماذا يوجد في الملعب جمهور يمثل ثلاثة أندية، ويقول أحد الحاضرين إن المسألة تتعلق بثأر قديم، وأن مشجعي «الفار» تعرضوا لنفس الشيء في الدارالبيضاء، وهم يحاولون الآن إعادة الاعتبار لكرامتهم الممرغة في التراب، أما جمهور الوداد والرجاء فقد كانوا منشغلين بلاعبي الفريقين الذين جاؤوا من أجلهم، ولذلك اكتفوا بشعار يشتمون به جمهور الجيش الملكي ويعتبرون فيه أن لهم الفضل كل الفضل في تعليمهم أصول التشجيع وكرة القدم، لكن التلاميذ تنكروا للأسف لأساتذتهم. أما أنا فقعدت أنتظر ظهور لاعبي الجيش الملكي في رقعة الملعب الخضراء إلى جانب لاعبي الوداد والرجاء، لكن ذلك لم يحصل، إلى أن فهمت طبعا أن «الفار» هم قاطعو طرق يصطادون طرائد من الدارالبيضاء ويعتدون عليها في عنف مفزع ويصيب بالهلع. جمهور سلا البيضاوي لم يأت الرجاويون والوداديون من الدارالبيضاء فقط، بل كانوا يأتون من أماكن أخرى، إذ تبدو مدينة سلا على سبيل المثال مقاطعة بيضاوية تشبه إلى حد كبير أحياء البيضاء الشعبية، والسبب هو الأعداد الكبيرة التي توجهت إلى المركب الرياضي مولاي عبد الله لتشجيع الرجاء والوداد، ونفس الأمر بالنسبة إلى مدن أخرى حضر جمهور منها إلى الملعب، وكما يقول مراهق كان يركب الحافلة رقم 17: «لا يمكنك أن تجد سلاويا يحب فريق الجيش الملكي، وعكس ذلك فإن معظم السلاويين يحبون إما الرجاء أو الوداد»، ويضيف صديق له أن أغلب الرباطيين يشجعون الجيش الملكي، مع أن هناك بعض شباب العاصمة الذين يفضلون أندية البيضاء الكبرى. جمهور «المكانا» لقد انطلقت المقابلة بين الوداد والرجاء وأنا الآن في مكان خطير خلف السبورة الإلكترونية، تماما مع جمهور الرجاء البيضاوي، في موقع مقدس يسمى «المكانا» أي الساعة، ولا يقترب منه إلا الضالعون في عشق الفريق الأخضر والمتعصبون له، كما يوجد فيه أشخاص معروفون لدى الجميع بحضورهم كل المباريات والذهاب مع الرجاء إلى كل المدن. علي إذن أن أنضبط وأن أكون رجاويا حقيقيا وإلا افتضح أمري. كنت أتحاشى أن يشك أحد في نواياي وفي درجة ولائي، فأخذت أفرح وأصرخ مع كل مراوغة يقوم بها متولي أو غيره من اللاعبين الرجاويين، وأشتم مثل الجمهور تماما الفريق الخصم، وأجعل دقات قلبي تتسارع كلما أهدر الوداد محاولة، وألوم اللاعبين الرجاويين الذين لا يدافعون بشكل جيد أو الذين يضيعون الأهداف. رغم أني لم أكن أحفظ الشعارات التي ينشدها الجمهور الرجاوي بشكل جميل، فقد كنت أحرك شفتي مثل تلميذ كسول وأتظاهر بأني أستظهرها عن ظهر قلب، كما كنت أشارك في رفع يدي لإنجاح حركة الموجة التي تتم بشكل جماعي في منظر أخاذ، وكنت أيضا أخبط بقدمي لإحداث زلزال في المدرجات كما يفعل جمهور الرجاء تماما، كل هذا كي لا يشك أحد في انتمائي ويقول إنه ودادي أو من الجيش الملكي وينقضوا علي وأتلقى منهم علقة قد تقضي علي. لكني رغم ذلك كنت في ورطة، أنا الذي لم أعد أعرف الشيء الكثير عن فريقي الرجاء والوداد، وحين شاهدت المدرب الأرجنتيني أوسكار في كرسي احتياط الوداد اختلط علي الحابل بالنابل، وظننت أنني مصاب بالحول، فآخر مباراة شاهدتها للرجاء البيضاوي كان فيها أوسكار هذا يدرب الرجاء، وكنت أسمع الصحافة تقول عنه الداهية وألقابا أخرى، لأجده الآن مع الوداد يدربهم دون أن يرف له جفن، فاقتنعت أنه داهية حقا وأشياء أخرى، وأنه علي أن أجلس وأتفرج دون تفلسف في أمور لا أفهم فيها كثيرا. شيء آخر أثار دهشتي وظننت معه أني أحلم وأن هذا الديربي غير حقيقي، وتمثل في اختلاط الأمر علي بين اللاعبين والمدربين، فحين شاهدت لاعبا قديما ومن جيلي اسمه عمر النجاري في الملعب، انتظرت أن يدخل الداودي لينافسه ويساند بدوره اللاعبين الصغار، قبل أن أكتشف أنه مساعد مدرب وأنه لا يحق أن يبرح مكانه في دكة الاحتياط كما يقول معلق قناة «الرياضية» الذي أخذها بدوره عن زملائنا المشارقة. كلما ضرب لاعب رجاوي الكرة واصطدمت بالعارضة كنت أشد مثل الجمهور على رأسي وأجهد نفسي في إبداء الأسف وأتحدث معهم في أمور سوء الطالع الذي يقف ضدنا، كل هذا كي يطمئنوا إلي، أما عندما سجل اللاعب الإفريقي الذي لا أعرف اسمه الهدف فقد ارتميت في أحضان كل الرجاويين وتطايرت فرحا ونشوة، وداسوا على قدمي وكادوا يسقطونني أرضا في هستيريا جماعية أصابتني أنا بدوري دون أشعر، فمن الصعوبة بمكان ألا تعبر عن فرحتك بعد تسجيل الهدف، وإلا اتهموك بأنك مندس، لن يكفي أن تساند فريق الرجاء البيضاوي مساندة نقدية، لأنه في مثل هذه المباريات لا مجال للمشاعر المتضاربة والمواقف غير الواضحة، بل عليك أن تمنح روحك بالكامل. معتقلو الرجاء السياسيون لجمهور الرجاء البيضاوي مواقف سياسية واضحة يدافع عنها، كما أنه يلوم الصحافة في أمور كثيرة من بينها تطرقها لظاهرة الشغب بشكل سلبي وغير محايد، ولذلك دافع هذا الجمهور من خلال شعارات كان يرفعها عن نفسه وعن معتقليه القابعين في سجن عكاشة، مطالبا بإطلاق سراحهم، مثل أي تنظيم سياسي، باعتبارهم سجناء رأي، رغم أن خالد السفياني والرميد لم يتحملا عناء الدفاع عنهم، كما يفعلان عادة في مثل هذه القضايا. يقول الرجاويون إن جمهور الخضراء في عكاشة وإن «الصحافة باركا تغرق لينا» والتلفزيون يصور، متذكرين محنة أمهاتهم اللاتي يبكين ويذرفن الدموع الغزيرة على قبوع أبنائهن في السجون، أما الحكومة فيسخرون منها ومن تخوفها من الجمهور الرجاوي لأنها اعتبرتهم هوليغانز كما يقولون. من ناحية أخرى يفتخر الرجاويون ببطولاتهم وبنشرهم الفوضى في الشارع والملعب وبكونهم مبحوثا عنهم من طرف الأجهزة الأمنية، إذ يقول مقطع من شعار جميل كانوا يرددونه بين الفينة والأخرى: «روبالا فالشارع والتيران/جمهور الراجا كلو روشيرشي/لجراد بان واعر فالديربي/ حبسنا لماتش شحال من دقيقة/ لماكانا شعلات الحريقة/والماروك كلو عرف الحقيقة...». كان لاحتجاج الجمهور على الصحافة وقع الصدمة علي، وكدت أعترف من شدة الخوف وأسرب لهم أسماء زملائي في كل الصفحات الرياضية بالمغرب، كي أفر بجلدي وأخلص من هذه الورطة، وكنت سأنفي عني تهمة هذه المهنة إذا ما تعرضت لأي استنطاق. الحمد لله أن المباراة انتهت بفوز الرجاء البيضاوي، ولذلك اعتبرني المشجعون فأل خير عليهم، وأنني ساهمت في هذا الانتصار، وذهبت معهم بعد انتهاء الديربي مشيا على الأقدام إلى محطة القامرة للحافلات، وهناك طردنا رجال الأمن وأمرونا بالتوجه إلى محطة القطار، لكن أصدقائي الرجاويين قرروا الركوب في هوندا كان صاحبها ينادي على الراغبين في التوجه إلى الدارالبيضاء، وتركوني وحدي مع طفل صغير لا يعرف هل يذهب عند والدته في سلا أم يعود إلى بيت أبيه في سباتة، دون أن يكون معه أي ريال.