شكلت الشهور الأولى من سنة 2008 الجارية تحولا نوعيا غير منتظر على صعيد نسب النمو الاقتصادي والمالي المرتبط بقطاع العقار بمدينة مراكش ونواحيها، حيث بدأت أصوات مهنيين على ارتباط وثيق بالقطاع تسجل بعين متوجسة التراجع والركود الذي أضحى يميز النشاط التجاري العقاري. واستنادا إلى مصادر بنكية قابلتها «المساء»، لم تخف هذه الأخيرة أنها بدأت تسجل في تقاريرها المرفوعة إلى مقراتها المركزية تخوفها من التراجع الكبير المسجل على مستوى نسب منح القروض العقارية، وأن هذه النسب تراجعت بشكل كبير خصوصا لدى الفئات متوسطة الدخل التي كانت تشكل لوحدها أزيد من 80 في المائة من مجموع المستفيدين من القروض العقارية الممنوحة. وارتباطا بالحدث، أكد موثقون ل«المساء» أيضا أن عملية تسجيل عقود الشراء المرتبطة بالعقار قد تراجعت خلال الستة أشهر الأخيرة على مستوى مدينة مراكش ونواحيها، وأن الازدحام الذي كان يعم مكاتب الموثقين كعلامة على الانتعاشة العقارية التي عرفتها المدينة الحمراء منذ سنة 2000 قد تراجع بشكل كبير في الشهور الأخيرة، «إلى درجة أنه تأتي أيام متتالية من دون أن نسجل أدنى عملية بيع أو شراء، وهو الأمر الذي كان مستحيلا وقوعه قبل ستة أشهر»، يضيف محدثنا. هذا، ويسجل متدخلون في قطاع العقار بمدينة مراكش أن العرض العقاري فاق بكثير مستوى الطلب، وأن عمليات البناء كانت ولازالت تتم وفق عقلية الرغبة في الاغتناء، وليس استجابة لضرورات اجتماعية أو تنموية، كما أن ارتفاع الأسعار بنسبة 500 درهم إلى 1000 درهم في الشهر للمتر المربع، جعل أثمان الشقق والفيلات والبقع الأرضية ترتفع بشكل غير عادي وغير مضبوط، حتى أضحت الأسعار تفوق بكثير مستويات عيش الأسر المغربية. وحسب معطيات مرتبطة بواقع السوق العقاري، فقد ارتفع سعر المتر المربع في منطقة كًيليز من 4000 درهم أواسط التسعينيات إلى 25 ألف درهم حاليا بالنسبة إلى الشقق الفاخرة، فيما المتوسطة تباع حاليا بسعر متوسط يقارب 18 ألف درهم، أما الشقق التي شيدت على أساس أنها اقتصادية فأضحت تباع حاليا بما يفوق 500 ألف درهم للشقة، كما أن المضاربات العقارية أفرغتها من الغاية الاجتماعية التي وجدت من أجلها. هذا، ويلاحظ مهنيو القطاع أن العائلات والأسر المغربية متوسطة الدخل التي كانت في السابق تتجه إلى شراء الشقق متوسطة الكلفة أو الفاخرة، من خلال قروض بنكية تصل أحيانا إلى 15 حتى 25 سنة، أصبحت بحكم الواقع الجديد للأسعار تتجه إلى الشقق الاقتصادية، في وقت يسجل فيه ركود غير مسبوق على مستوى الفيلات التي تفوق أسعارها 3 ملايين درهم، والتي شيدت بضواحي مدينة مراكش. هذا، وتسجل الوكالات العقارية بمراكش نفس حالة الركود العقاري، وأن الشقق بالإقامات السكنية التي كانت تباع قبل سنة فوق طاولة المقاول قبل حتى أن يباشر أشغال البناء، أضحت منذ شهور معروضة للبيع من غير أدنى طلب من قبل المواطنين، في حين تتعرض الفيلات الفخمة حاليا إلى أكبر عملية انتكاسة على مستوى أثمان البيع. إلى ذلك، قال محمد عادل بوحاجة، رئيس جمعية المجزئين والمنعشين العقاريين بجهة مراكش، إن حوالي 90 في المائة من المقاولين يعيشون منذ مدة في شبه عطالة بمراكش، مشيرا إلى أن المدينة الحمراء تعيش في الشهور الأخيرة ما أسماه ب«أزمة مفتعلة وغير حقيقية للقطاع». واعتبر بوحاجة في حديث مع «المساء»، أن الطلب العقاري لازال موجودا على مستوى مدينة مراكش، فيما أثمان العرض هي العائق الحقيقي والوحيد الذي افتعل انتكاسة عقارية أشبه ما تكون بأزمة عابرة قد تكون لها انعكاسات سلبية على المدى البعيد. وبخصوص طبيعة العرض الذي يميز السوق العقاري بمراكش، أشار بوحاجة إلى أن 90 بالمائة من طلبات اقتناء الشقق تبقى من نصيب الأسر والعائلات متوسطة الدخل التي تتجه عموما إلى الشقق الاقتصادية أو متوسطة الكلفة، فيما الباقي يبقى موزعا على الشقق الفاخرة. وعن التراجع المسجل منذ شهور في نسب منح القروض البنكية ذات الصبغة العقارية على صعيد جهة مراكش، اعتبر محمد عادل بوحاجة أن العائلات المغربية لم تعد تجد في أثمنة الشقق ما يتلاءم مع وضعها وإمكانياتها المالية، نافيا في الآن نفسه أن تكون هناك حاليا بمراكش شقق اقتصادية كما هو متعارف عليه من حيث كلفتها المالية المنخفضة. هذا، وأكد ذات المتحدث أن المضاربات العقارية وتكلفة الأرض واختناق الوعاء العقاري، عوامل تساهم جميعها في الأزمة الحالية التي يمر منها القطاع بمدينة مراكش , مشيرا إلى أن الأسر التي تتوفر على مبلغ 70 مليون سنتيم لن تجد حاليا شققا قد تتناسب مع هذا الثمن. و استنادا إلى معطيات أدلى لنا بها عادل بوحاجة، فإن سلطات التعمير بمراكش تساهم بشكل مستتر في إعلاء أثمان العقار من خلال امتناعها عن تهيئة وعاءات عقارية لازالت عذراء، ضاربا مثالا بمنطقة دوار العسكر التي تتوفر على المئات من الهكتارات الصالحة للبناء الاقتصادي، «لكن السلطات لازالت تبقي هذه المنطقة نائمة بالرغم من أنها وعدتنا بأنها ستصبح صالحة للبناء خلال ستة أشهر، والآن لازلنا ننتظر بعد مرور 26 شهرا»، على حد قوله. واعتبر ذات المتحدث أن الأزمة الحالية التي يمر منها قطاع العقار بمراكش تمس بشكل أولي الشقق الفاخرة التي وصلت أثمانها إلى أرقام قياسية، وتتصل بشكل ثانوي بالشقق الاقتصادية والمتوسطة التي أضحت هي الأخرى تباع بأثمان لا تتلاءم والامكانيات المالية للأسر المغربية متوسطة الدخل، وهو ما دفع مؤخرا إلى بروز شكل جديد من أشكال التراجع في نسب عقود الشراء وطلبات القروض البنكية على صعيد جهة مراكش.