قبل سنوات قال محمد اليازغي في برنامج تلفزيوني إن المخزن مات، وتحمل مشقة نقل هذا النبأ الحزين ليسمعه كل المغاربة، لكن لا أحد صدقه حينها واعتبر كلامه مجرد مزحة من زعيم سياسي أراد أن يخفف عن الناس ويمنحهم موضوعا يتسلون به. الذين صدقوا الخبر الذي جاء به اليازعي انتظروا مرور جنازة المخزن أمامهم، كي يحسموا في أمر الوفاة، لكن لا شيء من هذا حدث، ولم تنقل وسائل الإعلام صور المشيعين وهم يمشون خلف الجنازة الحاشدة، ولا نواح نساء من عائلة الراحل السيد المخزن رحمه الله وهن يضربن خدودهن ويشققن جيوبهن. أما بعض الذين لم يسمعوا بالمخزن من قبل وشاهدوا اليازغي في التلفزيون يعلن خبر رحيله، فقد تساءلوا عمن يكون المخزن هذا، وهل هو رجل أم امرأة، وكم عاش وأي وظيفة كان يمارس عندما كان حيا يرزق، وهناك من شرع يترحم عليه ويعدد مناقبه ويقول إنه كان رجلا طيبا. مر وقت طويل على هذا الخبر الذي لم يتأكد أحد من صحته، بل إن هناك من نفى الموت جملة وتفصيلا، وأعطى الدليل على أنه رأى المخزن في أماكن مختلفة يتجول ويفرض سلطته، وحين تمت تنحية محمد اليازغي عن زعامة حزب الاتحاد الاشتراكي تداولت بعض الألسن أن للمخزن يدا في ذلك، رغم أنه سبق للمعني بالأمر أن شيعه في التلفزيون. شخصيا وكلما جلست مع طلبة العلوم السياسية إلى طاولة في مقهى أو مع أشخاص مناضلين في أحزاب يجعلون من المخزن موضوع نقاشهم الأساس، ويجمعون على خطورته وعلى كونه متحكما في كل شيء في المغرب، وهناك من يبدو أكثر اندفاعا وحماسة في النقاش كلما دخن سيجارة وارتشف بعضا من قهوته السوداء مناديا بضرورة القضاء عليه، ولأني لا أعرف هذا الرجل جيدا، انسل من بينهم نافذا بجلدي خوفا من المشاركة في جريمة لا أعرف دوافعها، ومن جهة ثانية لعلاقتي الطيبة بزوجته الخزينة التي كانت تخبئ فيها الوالدة خردوات المنزل والأسمال التي تريد التخلص منها وتحتاج إليها في نفس الوقت. لقد صدرت كتب كثيرة لعلماء اجتماع وسياسيين وباحثين يتحدثون عن المخزن كرجل خطير يجب الحذر منه، ولم يؤكد أحد منهم ما قاله اليازغي حول مسألة موته، إلا أنهم ورغم الصفحات الكثيرة التي كتبوها لم يبذلوا جهدا في نشر صورة له كي نتعرف عليه، فبعض الأشخاص يمكن إصدار أحكام عليهم من وجوههم، التي قد تظهر الشر الذي يتطاير من العينين، أو الطيبة البادية من الابتسامة. من ناحية أخرى يبدو أن المغاربة الكبار في السن قد سبق لهم أن التقوا بالمخزن، لذلك يؤكدون على ضرورة الحذر منه ومن النار والماء، فهذا الأخير يغرق أما النار فهي حارقة، لكنهم لم يقولوا لنا ماذا فعل المخزن بهم ولماذا يخافون منه، بينما الواضح أن علاقتهم به قديمة ويعرفونه معرفة جيدة، كما أن حديثهم عنه يظهر أنه شخص طاعن في السن وعاش منذ قرون في هذا البلد السعيد، دون أن تؤثر عليه تقلبات الزمان وعوادي الأيام، وهناك من يقول إنه يتكيف مع الوقت ويلبس حسب الموضة، ويغير خطابه في كل مناسبة ويصبغ شعره ليبدو شابا، وفي بعض الأحيان يتظاهر بالموت، وهذا ربما ما حدث لليازغي حين انخدع وأعلن عن وفاته، ليستيقظ المخزن في الوقت المناسب ويحكم قبضته على الجميع. رغم أن أحدا لم يره، ولم تنشر الصحافة صورة للسيد المخزن، فإن المغاربة يتجنبون كل شيء له علاقة به ويحاولون الابتعاد عن طريقه قدر المستطاع، والدليل على ذلك أنهم يفضلون تسجيل أطفالهم في مدارس خاصة ويؤدون مقابل ذلك مبالغ مهمة من رواتبهم، على أن يغامروا بتسجيلهم في مدارس المخزن لأنه لا يضمن مستقبلهم، كما أن بعض الأساتذة والمعلمين الذين يشتغلون معه ينامون في أقسامه ويشتد نشاطهم في المؤسسات التعليمية الخاصة، المغاربة أنفسهم يحذرون جدا من رجاله الذين يطلقون عليهم المخازنية، ولم يجرؤ أحد منهم على سؤالهم يوما أين يوجد رئيسهم المخزن وما هو شكله وهل يزورهم بين الفينة والأخرى وكم عدد أولاده ومن هم، أما زوجته فهي موجودة في منازل كثيرة واسمها خزينة، لكنها خاضعة لبعلها المستبد ولا تبرح البيت وتتحمل لوحدها ثقل ما يرمى فيها.