لم يجد أحد المعلقين الظرفاء من جملة يقولها تعليقا على خبر رفض محكمة بني ملال قبول الدعوى التي تقدمت بها ضدي سرية الدرك بأزيلال، سوى قوله «يا حليلي، نيني غلب الجدارمية». قارئ آخر أطلق صرخة مكتوبة عبارة عن جملة واحدة يرددها المظلومون عادة عندما يتم إنصافهم هي «واك واك أ الحق». وثالث علق مندهشا لقرار المحكمة إلغاء الدعوى قائلا «لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث يربح صحفي ضد مؤسسة رسمية. شي حمار مات». ورابع انزعج من حكم المحكمة وعلق قائلا «إلى فلتي من هادي دابا تحصل فوحدة خرا، صياد النعام يلقاها يلقاها». والواقع أن كثيرين استقبلوا حكم المحكمة ببني ملال بارتياح مشوب بالاستغراب والدهشة. فلأول مرة ربما في تاريخ المغرب المعاصر نسمع أن الجنرال حسني بنسليمان هو المجبر هذه المرة على دفع الصائر. بعدما تعودنا على رؤية رجال الجنرال هم الذين يجمعون الصائر من المغاربة، سواء بالغرامات التي يفرضونها على مستعملي الطريق، أو تلك الرشاوى التي يجبر بعض المرتشين منهم المواطنين على دفعها مقابل التغاضي عن مخالفاتهم. وأنا هنا أريد أن أشكر هيئة الدفاع التي انضم إليها منذ اليوم الأول للمحاكمة أساتذة محامون ونقباء من بني ملال بشكل تطوعي وتضامني، وكانت مرافعاتهم دروسا حقيقية في القانون ومثالا مستنيرا للمحامي الملتزم بقضية حرية التعبير ومنظومة حقوق الإنسان. كما أشكر الزملاء الصحافيين ببني ملال الذين ساندوا «المساء» خلال جلسات محاكمتها بالحضور والدعم المعنوي. بعض المنابر الصحافية وجدت أن خبر خسران الجنرال حسني بنسليمان لدعواه ضد «المساء» لا يستحق أن ينشر. وهذا من حقها طبعا. وهو يكشف عن مدى «الحب» الذي يكنه بعض الزملاء لنا مشكورين. والبعض الآخر عوض أن يتحدث عن قضية الجنرال المغربي ضد الصحافي المغربي، فضل أن يتحدث عن قضية الجنرال اللبناني ميشيل عون الذي رفع هو الآخر قضية «قذف وتحقير» ضد الصحافي اللبناني بول شاوول. ومع أننا متضامنون مع مدير صحيفة «المستقبل» اللبنانية في محنته مع جنرالهم، إلا أننا نستغرب هذا الاهتمام الصحافي بقضية قذف يرفعها جنرال لبناني على صحافي لبناني مقابل الصمت عن قضية يخسرها جنرال مغربي ضد صحافي مغربي. يبدو أن قانون القرب في الصحافة يحتاج إلى تعريف جديد في المغرب بعد هذا الذي وقع. نتمنى أن يخسر الجنرال ميشيل عون دعواه ضد الصحافي بول شاوول كما خسرها عندنا الجنرال بنسليمان. كثيرون يستغلون اتصالهم بالجريدة وبي لتهنئتي على قرار المحكمة، للسؤال عن الجديد في ملف الاعتداء الذي تعرضت له قبل أسابيع. هل عثروا على المعتدين، هل هناك مؤشر على وجود جهة ما وراء الاعتداء، هل أعادوا إلي حاسوبي وهاتفي المحمولين. فأقول لهم أن آخر اتصال بالشرطة كنت أنا الذي أجريته، وليس لمعرفة الجديد في ملف الاعتداء، وإنما لتسجيل شكاية بالهاتف لسرقة راح ضحيتها معطفي من حبل الغسيل في باحة العمارة حيث أقطن. ويبدو أن اللصوص والمجرمين قد قرروا تعريتي هذه الأيام، ففي ظرف شهر أفقد معطفين وسروالا لم أسعد بارتدائهم. وبعضكم سيقول «اللهم تجي فالحوايج ولا تجي فيك»، وأنا متفق، لكن إذا سارت الأمور بهذه الوتيرة خوكم غادي يتعرى. وبالنسبة للشرطة فالهاتف الوحيد الذي سرق هذه الأيام وأفلحت الشرطة في إعادته إلى صاحبه قبل انتهاء ثمان وأربعين ساعة على سرقته هو هاتف وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري. فقد انتقلت عناصر الشرطة القضائية إلى سوق القريعة بدرب السلطان واعتقلت البائع الذي كان هاتف الوزير بحوزته، وقدمته إلى جانب متهم آخر إلى المحكمة يوم الخميس الماضي. وهذه السرعة والفعالية في اعتقال لصوص الهواتف تذكرنا بالسرعة التي تم بها إلقاء القبض على سارق هاتف والي الأمن بالدارالبيضاء عبروق الذي سرق منه هاتفه في الشارع العام، فأعلن حالة الطوارئ في كل تراب الدارالبيضاء أسفرت عن اعتقال اللص واسترجاع الوالي لهاتفه. والحقيقة أن الإنسان الذي يضع شكاية لدى الأمن بعد الاعتداء عليه وسرقة هواتفه عندما يرى كيف يستعيد الوزراء وولاة الأمن وكبار الموظفين هواتفهم المسروقة في لمح البصر، يشك في مدى جدية البحث عن هواتفه. والمضحك في الأمر أن الصحف التي نشرت خبر سرقة هاتف وزير الاتصال ركزت على أن الهاتف توجد فيه أرقام لشخصيات مهمة، وكأن هواتفنا نحن لا توجد فيها سوى أرقام الشخصيات التافهة. لعل ما يلقي بظلال الشك على حادث الاعتداء الذي تعرضت له في وسط الرباط، هو هذا الصمت المطبق من جانب الدائرة الأمنية التي باشرت التحقيق. فإلى حدود اليوم لم يصدر عنها أي تقرير بخصوص الاعتداء ومدبريه. هل هم مجرد لصوص أم أشخاص مسخرون من جهة ما، وإذا صدقت الفرضية الثانية من هي هذه الجهة وأية رسالة أرادت إيصالها بهذا الاعتداء الجبان. نعرف أن الشرطة القضائية لديها وسائلها العلمية الدقيقة للوصول إلى مكان وجود أي هاتف مسروق مهما كان مطفأ، وحتى لو تم تغيير بطاقته ورقمه. مما يعني أن الشرطة لو أرادت أن تصل إلى مكان وجود هاتفي المحمولين لكانت وصلت إليه. وتفسير هذا الأمر برأيي يعود إلى أمرين، إما أن الشرطة لا تعير هذا الملف الاهتمام الذي يستحق ولا تكلف نفسها القيام بالبحث اللازم، وإما أنها قامت بتحرياتها العلمية ووصلت إلى الجهة التي نفذت الاعتداء وسرقت الهواتف والحاسوب ولا تريد النبش في القضية أكثر من اللازم. على العموم نهنئ وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة على استعادة هاتفه، ونتمنى أن نستعيد نحن أيضا هواتفنا. وأن تلقى كل شكايات المواطنين مصير شكاية وزير الاتصال، وأن تتحرك الشرطة القضائية مع المواطنين بالسرعة المثالية نفسها التي تحركت بها مع سعادة الوزير. ويبدو أن الشرطة القضائية في الدارالبيضاء لا تتوفر فقط على مواهب في اكتشاف لصوص هواتف الوزراء وكبار الأمنيين، وإنما لديها مواهب أيضا في اختبار الكذب عند الفائزين في مسابقات شركة البيرة. فقد اندهشت شركة البيرة الوطنية عندما اكتشفت أن عددا كبيرا من الفائزين في إحدى مسابقاتها الأخيرة يقطنون بنفس الحي. أكثر من ذلك، فبين هؤلاء الفائزين هناك محجبات وملتحون كثيرون. وهنا قرعت الشركة ناقوس الإنذار واستدعت الشرطة لكي تحقق مع هؤلاء الفائزين «المشبوهين». فقد استغربت شركة البيرة أن يفوز ملتحون ومحجبات في مسابقتهم التي تفرض على المشاركين إرسال «فيتشات» قراعي البيرة لعنوان المسابقة. مع أن قانون المسابقة التي نظمتها شركة البيرة لا ينص على منع الملتحين والمحجبات من المشاركة بإرسال «الفيتشات». فالمسابقة مفتوحة في وجه الجميع، دون اشتراط تعرية هذا الوجه أو حجبه. وبعد إخضاع «المشتبه» فيهم للتحقيق اعترف بعضهم بأنه التقط «الفيتشات» من الشارع، فيما اعترف البعض الآخر بكونه اشترى البيرة من السوق الممتاز لكنه استعمل فقط «الغلاقات» ليشارك في المسابقة ويفوز بجهاز دي في دي، ولم يشرب البيرات. وبعد تعميق البحث، توصلت الشرطة إلى أن مصدر «الفيتشات» التي شارك بها هؤلاء المواطنون الذين لا ينتمون إلى قبيلة «الشاربان» هو صناديق من البيرة تمت سرقتها من مقر شركة «براسري دي ماروك» (تلك التي كان رئيسها السابق هو وزير الداخلية الحالي شكيب بنموسى). وعندما نرى كيف تقتفي الشرطة أثر «فيتشات» بيرة شركة «براسري دي ماروك»، وتتمكن من استجواب كل هؤلاء المشتبه فيهم حرصا على هدايا الشركة التي لا تتعدى قيمة كل هدية منها 300 درهم، نستغرب كيف تتقاعس الشرطة عن القيام بنفس التحريات عندما يتعلق الأمر بسرقة هواتف وحواسيب نقالة تساوي عشرات الآلاف من الدراهم. وقبل أن أختم أريد أن أوصل نصيحة بعث بها أحد القراء إلى من سماه «الشيخ حسني بنسليمان» عندما اطلع على خبر إلغاء دعوى الدرك ضد «المساء» يقول له فيها: «أرجو أن تغير زيك العسكري بجلابية مغربية وأن تغير زرواطتك بسبحة تذكر بها الله وأنت في أواخر عمرك، وأن تترك للشبان مكانهم داخل مؤسستك، لعل الله يأتي بالفرج على أيديهم». آمين يا رب العالمين.