على العالم أن يستمتع بهذه السنوات التي سيبقاها نيكولا ساركوزي في الحكم لأنه سيأتي يوم ويقول الناس لبعضهم البعض «يا حسرة على تلك الأيام الممتعة التي عشناها مع رئيس فرنسا». ومنذ أن تولى ساركوزي رئاسة واحدة من أقوى وأغنى بلدان العالم، فإنه لم يتوقف عن إدهاش الناس بطبيعته الخاصة جدا وأسلوبه الذي يشبه أسلوب متمردين أو بوهيميين. هذه صفات لا يجب أن تزعج الناس العاديين، بل يجب أن يكونوا فخورين بهذا الرجل الذي خرج عن التقاليد الرئاسية وأصبح يشتم الناس في الشوارع أو يتوقف في الشارع العام وهو محاط بعشرات الصحافيين والمرافقين ويهدد بعض الصيادين الذين شتموه عن بعد ويقول لهم: «إلا كنتو رجال آجيو..». رجل مثل ساركوزي لن يتكرر كثيرا في تاريخ العالم، لذلك على الناس أن يعطوا هذا الرجل حقه وأن يقدروه ويحترموه لأنه رئيس دولة نووية كبرى يريد أن يتشاجر مع صيادي الحوت في الشارع. أين سيجد الناس متعة أكثر من هذه؟ الناس في مختلف بقاع العالم تعودوا على سياسيين يحسبون كلماتهم ويصمون آذانهم ويتحدثون قليلا ويتظاهرون بأنهم لم يسمعوا الانتقادات، وهذه خصلة لا تليق بالرجال الأشاوس. الرجل هو الذي تحمر أذناه غضبا في ثانيتين وينقض على خصمه أو يرد إليه الشتيمة بأسوأ منها. هذا ما يفعله ساركوزي والحمد لله. حكاية ساركو، وهو اسم الدلع، مع الشغب بدأت منذ مدة طويلة، لكنها ظهرت بجلاء اليوم بعد أن أصبح رئيسا لفرنسا. وقبل بضعة أيام رأى الناس مواطنا فرنسيا رفض مصافحة رئيس فرنسا قائلا: «ابتعد عني لكي لا توسخني»، لم يحتمل ساركو هذه العبارة ورد بسرعة بديهة يحسد عليها «كاس توا بوف كون».. ومعناها، والله أعلم، درّك عليّا زلافتك يا هاد لحماق. أين سيجد الفرنسيون رئيسا مثل هذا؟ هل يريدون رئيسا مثل جاك شيراك ظل طوال ثماني سنوات من حكمه يشبه تمثال الفرعون أخناتون؟ بعد أيام من شتمه لذلك المواطن، كان ساركوزي في جولة رسمية محاطا بحشد من الصحافيين فسمع عبارات ضده من صيادي سمك، فتوقف وأشار إليهم بيده لينزلوا عنده كأنه أحد مراهقي الشوارع يريد تصفية حساباته مع منافسين في مثل سنه. والغريب أن الذين كانوا يشتمونه توقفوا عن ذلك وكأنهم اعتقدوا أن الرئيس سيضربهم بالفعل. وقبل هذا، كان ساركو في زيارة للولايات المتحدةالأمريكية. فاستضافته قناة تلفزيونية أمريكية، وفي بداية الحوار، نزع ساركو الميكروفون ورماه بعيدا وهو يشتم الصحافية الأمريكية المذهولة قائلا: «يا لك من غبية». لم يعجبه السؤال فوصف الصحافية بالغبية، والحقيقة أن أسئلة الأمريكيين تكون غبية في كثير من الأحيان. وفي اجتماع لساركوزي مع الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين في مؤتمر لمجموعة الثمانية، خرج ساركو من مقر الاجتماع ليدلي بتصريح أمام الصحافيين، وهو يتمايل بشكل غريب، وقال مذيع في التلفزيون الفرنسي «انظروا إلى ساركوزي.. يبدو أنه شرب الماء فقط»، فذهب تفكير الفرنسيين مباشرة إلى الفودكا الروسية القوية. المحللون السياسيون يقولون إن ساركوزي رئيس بلا كوابح يحتاج إلى مستشار عاقل. هؤلاء يريدون أن يستمر النفاق السياسي كما كان دائما. يريدون أن تبقى صورة رئيس الدولة مغلوطة لدى الناس العاديين الذين يعتقدون أن رؤساء الدول والملوك ورؤساء الحكومات مهذبون جدا ومتزنون جدا، بينما هم في الواقع يسبون ويشتمون ويغضبون ويفرحون ويصرخون ويضحكون ويبكون. الفرق بينهم وبين ساركو هو أنه يفعل ذلك علانية، وهم يفعلونها خفية. لكن هذا الوجه النزق لساركوزي، الذي يجعله لا يخفي مشاعره، يخفي وجها آخر أكثر خطورة. إنه وبعد مضي بضعة أيام على وصوله إلى السلطة، جلب لبلاده ملايير الدولارات في صفقات من المغرب وليبيا والجزائر وتونس ومصر والسعودية وبلدان الخليج وبلدان أخرى. إن ساركو الذي يريد أن يمارس الفتوة في الشوارع هو في الحقيقة سياسي على درجة كبيرة من الذكاء. إنه الذي صرح بأنه لن يتسامح مطلقا مع احتجاجات المهاجرين في الشوارع، وهو الذي أطلق يد البوليس ليفعل ما يشاء، وهو الذي يوصف في المظاهرات المعادية له بكونه يمينيا فاشيا وشعبويا وديماغوجيا ومتطرفا وليبراليا راديكاليا وسوقيا ومبتذلا. إنه ساركو الذكي... ساركو النزق.