في الوقت الذي كانت فيه بعض المغربيات بتلقين الورود بمناسبة حلول اليوم العالمي للمرأة، أول أمس السبت، أمام البنك المغربي للتجارة الخارجية بوسط الدارالبيضاء، والابتسامة تملأ وجوههن، في الوقت الذي خصصت فيه القناة المغربية الثانية «دوزيم» يوم السبت ل«إعادة الاعتبار إلى المرأة»، رغم الفوضى الداخلية في قناة بن علي، وفي الوقت الذي سمح فيه لأول مرة لبعض الصحفيات المغربيات بكتابة أعمدة رأي نسوية تحمل صورهن المبتسمة على صفحات الجرائد التي يشتغلن بها، وفي الوقت الذي عادت فيه سيمون دبوفوار للظهور على صفحات الجرائد العالمية كرمز «لتحرر نساء العالم من الجنس الآخر»، كانت فتاة أخرى تدعى سيمون أيضا تملأ موقع «الفيس بوك» بالضجيج احتجاجا على اعتقال فؤاد المغربي، وكانت طريقة احتجاجها «الغريبة» هي أنها رفضت الاحتفال باليوم العالمي للمرأة تضامنا مع «معتقل الفيس بوك» وكتبت للعديد من أصدقائها قائلة: «لا أريد ورودا هذه السنة لأنني حين طالعت الأخبار اليوم وجدت أنهم لم يفرجوا عن فؤاد بعد»، وأضافت: «هل تتخيلون حالة أمه المسكينة»، وختمت رسالتها متوسلة النظام المغربي: «أرجوكم أطلقوا سراح فؤاد مرتضى». سيمون لم تقدم أية معلومات عن هويتها ماعدا كونها فرنسية وتبلغ من العمر 24 سنة. إنها المرأة الوحيدة التي قررت أن تتخلى عن قضية المرأة في 8 مارس لصالح قضية رجل. وهي عكس سيمون دوبوفوار، الفرنسية الأخرى، التي أمضت عمرها تدافع عن حقوق النساء في العالم، وتبحث لهن عن مكان تحت ظل الرجل «البتريكي». سيمون الأولى تذكرت امرأة واحدة في 8 مارس وهي والدة فؤاد مرتضى وقررت أن تجعل منها قضيتها الأولى والأخيرة في يوم المرأة لعام 2008، دون عقدة رجل ودون نرجسية نسوية «بسكر زيادة». كما رفضت أن تتلقى الورود الحمراء والصفراء، التي تحبها، من أجل امرأة لا تعرفها في بلد بعيد اسمه المغرب لا شك أنها لازالت تبكي ابنها الذي تحول من مهندس دولة يتلقى 20000 درهم شهريا إلى معتقل بسجن عكاشة بالدارالبيضاء في نفس الزنزانة مع اللصوص والمجرمين. الأكيد أن والدة فؤاد مرتضى لا تعرف ما هي تهمة ابنها، لأنها ببساطة لا تعرف ما هو «الفيس بوك»، الأكيد أنها ذرفت دموعا كثيرة طيلة الأيام السابقة حزنا على ولدها، وقد تبكي لثلاث سنوات قادمة إن اقتضى الأمر، وربما تفقد بصرها كالخنساء جراء دموع حزنها التي لن تتوقف. إنها تتذكر اليوم عقيقة فؤاد حين كان وليدا في أول عهده بالدنيا، تتذكر أولى قطرات الحليب التي امتصها فؤاد الرضيع من ثدييها. تتذكر طفلها الصغير يحبو على حصيرة البيت القديم ويتعلق بطاولة الأكل محاولا الوقوف، قبل أن يكسر بيديه البريئتين كأس الشاي الزجاجي، تتذكر أيامه بروض الأطفال وهو يتعلم الحروف الهجائية وجدول الضرب، تتذكر سقطته الأولى من على الدراجة الهوائية ومباريات كرة القدم التي كان يخوضها مع أطفال الحي، تتذكر ابنها الشاب وهو يدرس ليلا بصوت خافت في الصالون العائلي استعدادا لامتحان الباكلوريا وكل كؤوس القهوة السوداء التي أعدتها له ليبقى مستيقظا، ثم تعود إليها لحظات الفخر القديمة وهي تتلقى خبر تخرج ابنها مهندسا وكل التهاني التي تلقتها في ذلك اليوم، وفي النهاية تذرف دموعا جديدة حين تصفعها صورة فلذة كبدها وهو وراء قضبان سجن عكاشة. هكذا هن الأمهات: ذاكرتهن لا يمسها النسيان، وكل شيء يفهمنه بقلوبهن قبل عقولهن. إنهن شديدات المراس وفي نفس الوقت يبكين في لحظة غير متوقعة. يعطين كل شيء ولا يخفن الموت، ويضحين بالغالي والنفيس من أجل فلذات أكبادهن. والدة فؤاد مرتضى اليوم تبكي كل نصف ساعة وكلما وقعت عيناها على صورة فؤاد المعلقة بوسط الدار، كما أنها مستعدة للتوسل إلى أي شخص وتقبيل يد أي مسؤول من أجل إطلاق سراح ابنها، ولا يهمها ما سيقوله الناس عن ابنها «الخائن الذي مس المقدسات»، ولا يهمها إن وجد عملا بعد مغادرته سجن عكاشة أو لم يجده. المهم هو أن يعود طفلها الصغير إلى بيت العائلة. هكذا هن الأمهات جميعا. سيمون الفرنسية هي المرأة الوحيدة في العالم التي تضامنت مع والدة فؤاد مرتضى، وتخلت عن ورود 8 مارس الحمراء لصالح التضامن مع «أول معتقل للفيس بوك في العالم»، وتوسلت إلى المسؤولين المغاربة قائلة: «أرجوكم أطلقوا سراح فؤاد». وفي انتظار أن يحن قلب النظام، لا عيب أن يتوسل صحفي رجل بعد مرور عيد النساء: «أرجوكم أطلقوا سراح فؤاد مرتضى من أجل والدته».