يصف عبد الهادي بوطالب علاقات الحسن الثاني بالهواري بومدين بأنها «كانت علاقات ودية أخوية لا تشوبها شائبة بعد توصلهما إلى اتفاق تلمسان حول الحدود الشرقية المغربية التي كان الاستعمار الفرنسي قد ضمها للجزائر التي كانت فرنسا تعتبرها جزءا منها وتسميها المقاطعات الفرنسية الثلاث. وكانت فترة ما بعد قمة تلمسان فترة شهور العسل التي تميزت بتقارب الملك المغربي والرئيس الجزائري وحسن تفاهمهما بل كانت فترة تفاهم وتعاون غير مشروط. حيث كانت مشكلة مغربية الصحراء قد انتهت بين البلدين الشقيقين بتصريح الرئيس الجزائري في القمة العربية بالرباط بأن الصحراء مغربية وليس للجزائر فيها مطمع. بل ذهب الرئيس الجزائري إلى القول إن الجزائر مستعدة لمساندة المغرب عسكريا على تحريرها هي وسبتة ومليلية من يد إسبانيا». مما حذا بالحسن الثاني إلى تشديد لهجته في حوار مع قناة فرنسية قائلا: «لم أرى تناقضا مثل الذي يوجد لدى الرئيس بومدين. ففي 1974 وبمناسبة انعقاد القمة العربية بالرباط، أعلن أمام نظرائه بأن ملف الصحراء بالنسبة إليه قد انتهى بمجرد اتفاق كل من المغرب وموريتانيا... بينما كان في نفس الوقت يعمل رفقة إسبانيا على تأسيس البوليساريو، فمع رئيس مثل هذا أتساءل كيف يستطيع أن يكسب مصداقية لتصريحه بالتزامات أمام نظرائه الزعماء العرب؟». رغم ذلك كان الحسن الثاني أكثر «ارتياحا» لصراعه مع الجزائر في عهد بومدين مما كان عليه على عهد بنبلة، برأي مصطفى السحيمي، فالرجل يعتنق أيضا مذهب الواقعية السياسية، ويحسن إدارة الصراع بمستوى أكثر رقيا. وكان الملك الراحل كمن يستمتع بلعبة الشطرنج فيربح قطعة ليخسر أخرى. وكانت المعركة دائرة بين نموذج دولة الحزب الوحيد والمرجعية الاشتراكية، ونظام ليبرالي تعددي، يراه الجزائريون ملكية فيودالية رجعية، حسب السحيمي، الذي يعتبر أن ذلك النموذج الجزائري انتهى إلى مافيا جنرالات. كان الحسن الثاني وهو يوالي لقاءاته ببومين، يعلم أنه يجلس إلى رجل متأثر حتى النخاع بهزيمة الحرب الحدودية ل1963، وكان في قرارة نفسه يؤمن أنه لا يجالس رجلا من الطبقة الرفيعة haute classe، بتعبير مصطفى السحيمي. لكنه لعب اللعبة مع الرجل لأنه كان «متأكدا أن الرئيس بومدين يريد الخروج من هذه الورطة، لأنه كان يتوفر على حدس اكتسبه من السنوات التي قضاها في السلطة. تعلمون أن ممارسة السلطة تعني أن تكون مثل إرصادي (الذي يرصد المناخ)، لكن الإرصاديين يخطئون أحيانا. لكن عليك أن تكون مثل الصياد، لأنه يستشعر من خلال الآثار ما إن كان سيغنم طريدة أم لا. حاسته السادسة كان يجب أن تقوده إلى استنتاج أنه لن يربح شيئا من مواصلة الصراع» كما قال في تصريح صحفي سنة 1979. بينما كان الحسن الثاني برأي بومدين رجلا «لم يستيقظ إلا مؤخرا، لكنه استطاع في بضع سنوات أن يفكك البلاد ويعيد تركيبها على مقاسه»، ليعلن بومدين في مناسبة أخرى أنه «لم يخطر ببالي ولو للحظة أن أثير العواصف داخل هذا البلد الشقيق، لكن العاهل المغربي لم يستمع إلي كما ينبغي، ويخيل إلي أنه كان يتكلم لغة غير سياسية». ونتيجة هذا «التقدير» المتبادل بين الرجلين كانت حربا طاحنة، وإن كانت بالنيابة، فوق رمال الصحراء، ومغربا عربيا مشلولا وحدودا مغلقة تفصل بين أبناء العائلة الواحدة.