[email protected] يصعب على أي صحافي أو كاتب اقتباس شيء من كلام جورج بوش، لما عرف به الرجل من انغلاق فكري وميل إلى الحرب حتى على الأشباح، كما وقع بالنسبة إلى أسلحة الدمار الشامل التي قالت واشنطن إن حاكم بغداد كان على وشك إطلاقها لتدمير حضارة العالم الغربي، فاتضح، بعد الغزو وبعد تفتيش العراق بيتا بيتا، ألا وجود لأسلحة دمار شامل، وأن كل ما هناك أن عراق الاحتلال فتح الطريق للقاعدة لزرع خلاياها المتفجرة، وأن الاحتلال فتح صندوق الفتنة الطائفية والعرقية والدينية. عودة إلى كلام بوش، الذي نطق بالحكمة رغم أنه واحد من «مجانين» هذا العصر، حيث قال: «عندما يسيطر نظام دكتاتوري على الحياة السياسية في أحد البلدان، فلا يمكن أن تتطور معارضة مسؤولة، وهو ما يدفع بالمنشقين إلى العمل سرا والانزلاق إلى التطرف». وعن تصور ساكن البيت الأبيض للحل قال: «العلاج هو الديمقراطية... إذا سُمح للناس باختيار قدرهم، وبالتقدم مستعينين بطاقاتهم وبمشاركة فعالة كرجال ونساء أحرار، حينئذ سيتم تهميش المتطرفين، وسيتباطأ انتشار التطرف العنيف إلى بقية العالم، وفي النهاية سيتوقف كليا». التطرف الديني وغير الديني ظاهرة قديمة لازمت حياة البشر منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل غيرة على امرأة هي أختهما (أبناء آدم كانوا يتزوجون في ما بينهم)، وكل الدول والأمم عرفت التطرف والعنف والاقتتال، لكن الفرق بين حالة وأخرى كان مستوى التطرف ومداه وليس في وجوده أو عدمه... اختلال الأوضاع في بيئة معينة يزيد منسوب التطرف والعنف، واستقرار الأحوال في بيئة أخرى يقلل من التطرف ويحد من العنف وإن لم يلغه... بوش يقترح الديمقراطية كعلاج للتطرف، ويحمل الدكتاتورية العربية مسؤولية انتشار التطرف، وهذا صحيح رغم أنه يمثل نصف الحقيقة، أما النصف الآخر، والذي لا يذكره بوش، فهو أن الديمقراطية ليست آلية داخلية في البلدان المبتلاة بالتطرف والعنف، بل إن الديمقراطية آلية كذلك لتدبير الاختلاف والصراع والمصالح بين الدول والمجتمعات والأمم والقوى الكبرى والمتوسطة والصغرى. تطرف القاعدة اليوم وعنفها لا يرتبط بالأوضاع في السعودية أو مصر أو اليمن أو سوريا أو العراق... بل يرتبط بسياسة أمريكا تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي، وآثار غزو أمريكا للعراق، وعواقب دك بيوت الطين في أفغانستان، وعموم سياسة الغرب تجاه المسلمين والعرب... إن اختلال النظام الدولي ما بعد الحرب الباردة وتفرد أمريكا بقيادة العالم بالقوة العارية من شرعية القانون الدولي، ساهما، إلى جانب دكتاتوريات العالم العربي، في تغذية التطرف والعنف لدى الجماعات الدينية المختلفة، ولدى قطاعات واسعة من الرأي العام التي لا ترى من مخرج للإهانة التي تشعر بها في فلسطين والعراق وأفغانستان سوى فكر وعمل القاعدة والجماعات المتطرفة التي تشكل ردود فعل يائسة على أفعال ظالمة...