خلال جلسة غداء كادت تكون «سرية»، دعي إليها بعض «ذوي الحظوة»، أولئك الذين كانوا أصلا ينعمون بهذا الوضع في عهد فؤاد عالي الهمة عندما كان وزيرا منتدبا في الداخلية، كرر السيد بنموسى على مسامع الحاضرين ما كان قد أعلن عنه خلال ندوته الصحفية الشهيرة المدوية، والتي كشف خلالها النقاب عن وجود مخطط حقيقي يهدف إلى زعزعة النظام، سطره أشخاص ينقسمون إلى مجموعتين: الأولى تتكون من جناح عسكري يقوده شخص يدعى بلعيرج، والثانية عبارة عن جناح سياسي مكون من حزبين: حزب البديل الحضاري وحزب الحركة من أجل الأمة. وسنعود إلى تصريحات السيد بنموسى، أو السيد «إكس»، أقول «إكس»، توضيحا لغير العارفين، لأنه خريج مدرسة البوليتيكنيك. وأبين هنا، من باب الطرافة، أن «إكس» عندما تتخذ مكانا داخل معادلة فهي تعني «العنصر المجهول». خلال جلسة «الغداء» تلك، أصر السيد وزير الاتصال، خالد الناصري، عضو المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية -أو الحزب الشيوعي المغربي سابقا، والذي انضوى اليوم تحت لواء المخزن وغدا من أكبر مهاجمي الصحافة المستقلة والمتمسكين بالخطوط الحمراء، الرجل الذي تنطبق عليه مقولة بومارشي الشهيرة: «رغم أنني لا أتناول في كتاباتي لا السلطة ولا الدين ولا السياسة ولا الأخلاق ولا الشخصيات البارزة، ولا الأوبرا ولا العروض الفرجوية الأخرى، ولا أي شخص متمسك بأي شيء، فإنني استطعت دائما أن أطبع بحرية، تحت مراقبة اثنين أو ثلاثة رقباء»- أصر على التحذير من أنه لن يكون هناك مجال للتشكيك في رواية وزير الداخلية والحقائق التي أعلنها بخصوص المخطط المذكور. ومنذ ذلك الحين أصبح الشك محظورا. وسنجزم مبدئيا بأن السيد الناصري، وهو الذي يجيد اللغة الفرنسية إجادة تامة، قد انكب في الماضي على مطالعة مؤلفات ديكارت، وخاصة كتابه «خطاب حول المنهج»، ديكارت الذي لم يكن الأمر، بالنسبة إليه، يعني الشك لمجرد الشك، بل كان يعني الوسيلة الوحيدة من أجل الوصول إلى اليقين، ولن نسأله عما إذا كان قد ألقى نظرة على كتابات شخص يدعى الجاحظ عاش في العصر العباسي، كان يجعل من الشك سبيلا إلى اليقين ولم يكن الشك عنده لمجرد الشك بل كان طريقا إلى المعرفة. وفي هذا المجال، وجب تذكير وزيرنا الضليع في الحقوق ب:- أن الشك محرم شرعا في وجود الخالق فقط، - أن الشك غير محرم في أية شريعة، -أن الشك سبيل إلى العدالة وإلى القضاء، لتبرئة مظلوم أو حتى متهم يصعب الإثبات ضده، فإذا حرمنا الشك فمعناه أنه لا فائدة ولا مصلحة في القضاء ولا في المحاكمة ولا في الدفاع. إن خالد الناصري وبنموسى يريداننا أن نشك في أنفسنا، وأن نتساءل هل لنا عقل؟ وهل نحن قادرون على التفكير واستعمال المنطق؟ يريدوننا ألا نشك وكأن ما يقوله بنموسى هو وحي يوحي، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه معصوم وأنه عالم بكل شيء. فلم يبق له إلا أن يدعي أنه نبي يوحى إليه والذي يوحي إليه هو الأجهزة الأمنية. إن هذه العقلية ترجعنا إلى ما مارسته الأحزاب الشيوعية في عهد ستالين ومن شابهه والتي أدت إلى معتقلات الكولدك، حيث تمت إبادة ملايين «المعارضين». وأمام هذا الإرهاب الفكري نقول إن لنا الحق في أن نشك في ما جزم به بنموسى وفي تحرياته وفي المؤسسة التي يديرها إلى أن يقر بذلك قضاء عادل. إننا نذكّر بأن وزير الداخلية ينتمي إلى الجهاز التنفيذي الذي ليس مؤهلا لإنجاز التحقيقات القضائية التي تناسى خالد الناصري، أستاذ القانون، أنها من اختصاص النيابة العامة ومساعديها والشرطة والدرك وقضاة التحقيق. لقد قام بنموسى بممارسة اختصاصات سلطة لا حق له فيها، فالاتهام من اختصاص النيابة العامة وقضاء التحقيق. لقد كشف معالي الوزير أسرار تحقيقات لازالت سرية ومستمرة ولم تحل على الجهة المختصة، غير أنه لم يكتف بذلك بل أدان واتهم أشخاصا ونسب إليهم وقائع وجرائم لا يثبتها بالدليل القاطع ولا يمكن أن يُتهم بها أشخاص إلا من لدن القضاء، كما أنه ضرب عرض الحائط بقرينة البراءة. قد نكون أطلنا، ولكن كان لزاما علينا أن نبين كيف تعمل الديمقراطية المغربية وكيف تهدر حقوق المواطنين من طرف مسؤولين كبار. والحالة هذه، فإن ما «كشف» عنه الوزير قد فككه وفنده المتخصصون المغاربة في الحركات الإسلامية، مثل ظريف (أنظر تصريحاته في جريدة «المساء» بتاريخ 27 فبراير 2008)، عندما عارض كرونولوجيا الأحداث كما أدلى بها وزير الداخلية، وهو التشكيك الذي أكده التحقيق الذي نشرته أسبوعية «لوجورنال»، ومصطفى الخفي، وهو أيضا باحث مخضرم في الحركات الإسلامية المغربية. الصحافة البلجيكية متشككة أما بالنسبة إلى الصحافة البلجيكية، فقد عبرت عن شكها وارتيابها، حيث كتب بيتر دي بيكر في «نيوزبلاد» عن بلعيرج، وذهب إلى حد التشكيك الصريح في حقيقة الخلاصات التي توصل إليها المحققون المغاربة. « من المحير، مثلا، أن نعرف أنه، وفي غضون أسابيع ودون طلب ولا حصول على أدنى معلومات من البوليس الفيدرالي أو أمن الدولة، توصلت الأجهزة المغربية إلى حل كل هذه الألغاز- في إشارة إلى الجرائم الست التي حفظت ما بين عامي 1986 و 1989- دفعة واحدة، في حين توصلت السلطات البلجيكية إلى خلاصات أخرى أو لم تتوصل إلى حل هذه الألغاز خلال سنوات وسنوات. هذا عجيب». «هل يعقل أن تكون بلدة إيفيرجيم، دورنزيل، حيث يثير أدنى شجار بين الجيران رجة كبيرة، المعقل الرئيسي لإرهابي من العيار الثقيل؟ هذا هو ما يثير التساؤلات. عبر سنوات، تمكن إرهابي إسلاموي من التجول بدون قلق إلا من مخالفات صغيرة. هل حقا لم يكن أحد يعرف ما كان بلعيرج يخطط له؟ يتساءل بيتر دو بيكر مرة أخرى، ويختم: «إذا أردنا أن نبعد القلق عن إيفيرجيم ونواحيها، علينا أن نوضح حقيقة هذا الخلل». أما بالنسبة إلى لوك فانديركيلين، من «لاتست نيوز»، فإنه سيكون أمرا سيئا، إذا صح، أن الإرهابي المفترض الذي تم القبض عليه في المغرب قد ارتكب بالفعل ست جرائم قتل، وبقي يذهب ويجيء بجوازي سفره، المغربي والبلجيكي، دون أي قلق، فإن من حقنا أن نتساءل: ما جدوى كل هذه الأجهزة والقوات الخاصة والدرك سابقا أو الشرطة حاليا، وأجهزة الاستعلامات، والعدالة. ويضيف لوك فانديركيلين:«ألا يشجع الحصول على جنسيتين مثل هذه الأشياء: ارتكاب جريمة في بلجيكا واللجوء المغرب بجواز سفر مغربي للاختباء فيه؟». وبخصوص الأوساط القضائية البلجيكية، فقد ذكرت «لوسوار» في عددها ليوم 26 فبراير: «أما الأوساط القضائية البلجيكية (كما ذكرت بعض اليوميات المحلية) فلا تتردد في التشكيك بشكل صريح في صحة الخلاصات التي توصل إليها المحققون المغاربة». أما جريدة «لاليبر بيلجيك» فقد كتبت: «من المحير، مثلا، أن نعرف أنه، وفي غضون أسابيع ودون طلب ولا حصول على أدنى معلومات من البوليس الفيدرالي أو أمن الدولة، توصلت الأجهزة المغربية إلى حل كل هذه الألغاز دفعة واحدة، في حين توصلت السلطات البلجيكية إلى خلاصات أخرى أو لم تتوصل إلى حل هذه الألغاز خلال سنوات وسنوات. عجيب. هكذا يعتقد الملاحظون المقربون من أوساط التحقيق، هذا عجيب». يتبع