-لا يستغل المغرب سوى 10 في المائة فقط من بذور الحبوب المختارة، علما بأنه بلد فلاحي، حيث يساهم القطاع الفلاحي بما يتراوح بين 15 و20 في المائة في الناتج الداخلي الخام. ما هو تعليقكم على ضعف استعمال البذور المختارة؟ < إن الصعوبة التي يصادفها استعمال البذور المختارة ترتبط بالظروف الطبيعية، ولاسيما التقلبات التي تميز التساقطات المطرية والتي تعتبر جد مكرهة في المغرب. ففي قطاع فلاحي يعتمد على الأمطار، يتردد الفلاحون في الاستثمار في البذور المختارة، لأنهم يفترضون أنهم إذا رصدوا الأموال من أجل الحصول على أصناف جيدة، ولم تكن السنة ماطرة، فإنهم سيمنون بخسارة كبيرة، تلك هي الصعوبة الأولى التي يجدها الفلاحون. هذه هي الإشكالية الأساسية التي تواجهها السلطات العمومية في المغرب، خاصة في سنة جد ماطرة، إذ كيف يمكن للمغرب الاستفادة من ذلك عبر توفير أصناف من البذور الجيدة والحصول على مردودية مهمة. لكن، يجب أن نلفت الانتباه إلى عاملين إيجابيين برزا خلال السنتين الأخيرتين في قطاع البذور بالمغرب، ففي السابق لم يكن هناك سوى البحث العلمي العمومي، والآن نرى بعض المقاولات الخاصة، المغربية أو الأجنبية، التي أصبحت تعمل من أجل البحث عن أصناف جديدة من البذور، وهذا سيتيح للفلاحة المغربية التوفر على إمكانية أفضل للحصول على مردودية أحسن. ويتجلى العامل الثاني في اقتراب الدولة من المنظمات المهنية، مما سيساعدها على عقلنة الدعم الذي تخصصه للقطاع والفلاحين، بحيث يساعد ذلك على ذهاب الأموال إلى الهدف الذي من أجله رصدت. ومن وجهة النظر هاته، يبدو تشكيل المنظمات المهنية وتجميعها والتعاون الذي أصبح قائما بينها وبين الإدارة، إشارة جيدة. - يرى بعض المهنيين أن الوضعية القانونية للشركة الوطنية لتسويق البذور (سوناكوس) والدعم الذي تحظى به من قبل الدولة لا يساعدان على الاستثمار في شركات خاصة متخصصة في البذور المختارة؟ < بصراحة، أعتقد أن الوضعية القانونية للشركة الوطنية لتسويق البذور (سوناكوس) تطرح في علاقتها بالمهام التي تضطلع بها. يجب الفصل بين أمرين. في وقت من الأوقات، كانت (سوناكوس) وحدها تستفيد من الدعم الموجه لنقل البذور، بحيث لم يكن لديك الحق -إذا أردت، كمقاولة خاصة، القيام بنفس العمل - الحق في الاستفادة من هذا الدعم. كان هذا وضعا غير طبيعيا لا يشجع الاستثمار في القطاع. والآن، هذا الوضع تم تصحيحه. وهناك مسألة أخرى، تتمثل في القول إنه، باعتباري دولة، قررت فتح مجال الدعم أمام الجميع، هل يفترض فيّ أن أحتفظ بمقاولة عمومية، تتدخل في مجال البذور إسوة بالآخرين أم لا؟ قد تفترض الدولة أنه في حالة انسحاب المقاولات الخاصة الأخرى العاملة في مجال البذور من السوق، يمكن أن أحتفظ بمقاولة عمومية تؤمن تزويد السوق بالبذور. في فرنسا، هناك 220 مقاولة متخصصة في البذور، من بينها شركة عمومية واحدة، هي فرع للمعهد الوطني للبحث الزراعي الفرنسي. هذه المقاولة تخضع لنفس القواعد التي تسري على الآخرين، ومن ثمة لا تجد أية منافسة غير مشروعة. - (سوناكوس) هي من بين الشركات التي وردت في قائمة الشركات القابلة للخوصصة في المغرب، ما هي، في تقديركم، الاعتبارات التي جعلت هذه الشركة لا تثير اهتمام المستثمرين الخواص؟ < عندما نقترح على مقاول خاص شراء (سوناكوس) يطرح السؤال التالي: هل ستؤول إلي (سوناكوس) بكل الإكراهات التي تفرض على هذا الفاعل العمومي؟ إذا كنا سنفرض نفس الإكراهات على مقاول خاص، فإنه لن يبدي اهتمامه بالشركة. - يعتبر البعض أن عدم اهتمام المستثمرين الخواص ب(سوناكوس) يعود إلى عدم تطويرها لبنية متخصصة في البحث؟ < بطبيعة الحال لا توجد بنية متخصصة في البحث، لكن هناك في (سوناكوس) قدرة على إنتاج أصناف متنوعة، ولا ينحصر اهتمامها في تلك التي يوفرها المعهد الوطني للبحث الزراعي فقط. إذن، لديها القدرة على توفير أصناف ذات جودة عالية. إنها وسيلة للإنتاج والتسويق ذات قيمة عالية. أعتقد أنه يمكن أن يفضي تطور شروط القطاع إلى بروز تجمع من الشركات الخاصة التي تعبر عن رغبتها في شراء (سوناكوس). ومن أجل القيام باستثمار كبير من هذا القبيل يفترض أن يكون المحيط القانوني واضحا ومستقرا. أعتقد أن ما قامت به السلطات العمومية في السنوات الأخيرة يسير في هذا الاتجاه. وأنا أذكر أنه قبل عشر سنوات، عندما وضعت (سوناكوس) في قائمة الشركات القابلة للخوصصة، لم يكن أحد يعرف كيف ستكون قواعد اللعب. - قبل سنة، حاولت وزارة الفلاحة تقليص المساحة التي تحتلها الحبوب في السياسة الفلاحية المغربية، واليوم، بعد الجفاف الذي ضرب المغرب وارتفاع أسعار الحبوب في السوق الدولية، يبدو أن أصحاب القرار يحاولون إعادة الاعتبار إلى الحبوب.. < ما يمكن أن أقوله هو أن ما يعيشه المغرب هو ظاهرة عالمية. لا شك أن أسعار الحبوب لن تتراجع إلى المستوى الذي كانت عليه في السنوات السابقة. فظاهرة الارتفاع ستدوم. والمسألة الثانية هي أننا نتوقع أنه، في ظل تطور استعمال الحبوب في الصين والهند في السنوات الأخيرة من أجل ضمان علف الحيوانات والتوجه نحو استخراج الطاقة من الحبوب، سيحتدم الصراع بين مختلف هذه الاستعمالات، كلما أثر الجفاف على المحاصيل. وأعتقد أنه يجب حماية الفلاحين من تقلبات أسعار الحبوب، بتوفير إمكانيات التخزين وعدم ترك الفلاح وحيدا أمام أسعار قد تتراجع إلى 100 دولار للطن ثم ترتفع إلى 400 دولار في ظرف وجيز. يجب مساعدة الفلاح عبر التوفر على سياسات تخول له الحصول على ضمانات حول الأسعار الدنيا أو الأسعار القصوى، في إطار نوع من التعاقد الذي يتيح لمنتجي الحبوب الاستثمار في هذا القطاع.