قضى محامو المعتقلين الستة من قيادات حزب البديل الحضاري وحزب الأمة ومراسل قناة المنار وعضو الاشتراكي الموحد، المتهمين في إطار خلية بلعيرج، زهاء أربع ساعات يستمعون إليهم في أول لقاء لهم مع المحيط الخارجي بعد قضائهم 7 أيام داخل مخفر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمعاريف بالدار البيضاء. وسمح المحققون، بعد إذن من الوكيل العام للملك، لكل من عبد الرحيم الجامعي والنقيب عبد الرحمان بنعمرو وخالد السفياني ومصطفى الرميد، بالمخابرة مع موكليهم كل واحد على حدة مدة نصف ساعة لكل واحد من المعتقلين. وحسب هيئة الدفاع، فإن المعتقلين الستة بدوا في صحة ومعنويات جيدة، ولم تبد عليهم أي إمارات الإجهاد والتأثر بما أعلن عنه وزير الداخلية بأنهم أعضاء مؤسسون لخلية بلعيرج منذ سنة 1992. وبينما رفض هؤلاء المحامون الإدلاء بأية توضيحات بخصوص ما راج بينهم وبين المعتقلين، بدعوى سرية التحقيق وأن القانون يمنع عليهم الكشف عن ملابسات الملف، كشفت مصادر مطلعة ل«المساء» أن المعتقلين الستة قضوا مدة خضوعهم للحراسة النظرية معزولين عن باقي أعضاء الخلية البالغ عددهم 32 شخصا. واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإنه بخلاف ما يمكن أن يقع لباقي المعتقلين، الذين تعرضت غالبيتهم للاختطاف على أيدي عناصر أمن مجهولة الهوية، وتم سوقهم إلى أماكن احتجاز غير رسمية، فإنهم حظوا بمعاملة خاصة كما لم يتعرضوا لأي تعذيب. وأضافت المصادر ذاتها أن قياديي البديل الحضاري المصطفى المعتصم ومحمد أمين الركالة وأمين عام حزب الأمة وباقي المعتقلين تمسكوا، طيلة مدة التحقيق، بإنكار ما ورد على لسان عبد القادر بلعيرج، والتي قال فيها إن هؤلاء الموقوفين حضروا اللقاء التأسيسي الخاص بهذه الخلية، وإنه تم توزيع الأدوار ما بين هذه الأطراف على أساس أن يتكفلوا هم بالعمل السياسي والتغلغل داخل المجتمع المدني، ويتكفل هو بالجناح العسكري للتنظيم، في إطار مخطط طويل الأمد. إلى ذلك، قال محمد ظريف، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن الرواية التي قدمتها وزارة الداخلية بخصوص تأسيس النواة الأولى لخلية بلعيرج لا تنسجم وتاريخ نشأة حزبي البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، مشيرا في تصريح ل«المساء» إلى أن البدايات الأولى التي خطها هذان القياديان للدخول إلى المعترك السياسي كانت سنة 1990 وليس 1992، كما ورد على لسان وزير الداخلية، وإنه تم سنة 1992 وضع طلب للحصول على ترخيص لحزب سياسي يحمل اسم حزب الوحدة والتنمية بالتزامن مع الطلب الذي وضعه رفاق بنكيران، وإن من كان مرشحا ليكون أمينا عاما لذلك الحزب هو لحسن الداودي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، مضيفا، في السياق ذاته، أن مسار العمل الجماعي الذي انخرط فيه هذان القياديان مر من عدة مراحل بعد خروجهما من تنظيم الشبيبة الإسلامية المنحل، حيث عمدا إلى تأسيس تنظيم سري أطلق عليه اسم جند الإسلام سنة 1981، تأثروا فيه بالثورة الإيرانية بقيادة الخميني سنة 1979، وأن جانب هذا التأثر، يوضح ضريف، اقتصر فقط على جانب استراتيجية التغيير القائم على مبدأ الثورة والعصيان المدني، ولم تكن له أية علاقة بالجانب العقدي أو المذهبي، وأنهم سعوا، من خلال هذا التنظيم، الذي كان عبارة عن حلقة تتكون من بضعة أشخاص يعدون على رؤوس الأصابع، إلى تقليد هذه الثورة، كما لم يكونوا وحدهم في تلك الفترة ممن كانوا معجبين بالثورة الخمينية. وحسب ظريف، فإنه في سنة 1984 سيتشكل تنظيم سري آخر بقيادة المسؤول عن الجناح العسكري في حركة الشبيبة الإسلامية، عبد العزيز النعماني، أطلق عليه منظمة المجاهدين بالمغرب، وذلك بعد انفصاله عن عبد الكريم مطيع، ولم يكن هذا التنظيم متأثرا بالثورة الإيرانية. وحسب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، فقد تشكل في نفس الفترة عدد من التنظيمات الصغيرة ذات الطابع السري، لكنها لم تكن حينها تثير أجهزة الأمن. لكن بعد التطورات التي ستحدث في المغرب وتبدل الأحوال التي كانت مهيمنة على المغرب في الثمانينيات، وتبرئة الرجل الثاني في تنظيم الشبيبة الإسلامية، إبراهيم كمال، من تهمة مقتل عمر بنجلون، ستدفع كل هذه المتغيرات كلا من المعتصم والمرواني والركالة إلى تغيير قناعاتهم السابقة والقطع مع العمل السري، وتأسيس تنظيم آخر أطلق عليه اسم جماعة الاختيار الإسلامي سنة 1992، حيث تم عقد أول مؤتمر لهذا التنظيم سنة 1990 بمدينة طنجة، وهذا التنظيم هو الذي كان له الفضل في دفع هؤلاء إلى التوجه نحو العمل العلني والقطع مع مرحلة السرية، وبدأ التنسيق مع فعاليات إسلامية أخرى، سيتوج سنة 1992 بالتقدم لدى السلطات المحلية بفاس من أجل الحصول على ترخيص لإقامة حزب سياسي أطلق عليه حزب الوحدة والتنمية، كان من المفروض أن يكون أمينه العام لحسن الداودي ومن أعضائه محمد الأمين الركالة، ولم يكن ضمن تركيبة المكتب المصطفى المعتصم، كما قال بيان وزارة الداخلية.