منذ تولي محمد اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي المستقيل، لحقيبة وزارة الماء والبيئة في حكومة إدريس جطو، برزت إشكالية من يملك القرار في تدبير سياسة الماء في المغرب، فرغم أن اليازغي كان هو الوزير الوصي على قطاع الماء إلا أن الاستقلالي عبد الكبير زاهود، المقرب من مزيان بلفقيه مستشار الملك، هو الذي أنيطت به مهمة كتابة الدولة في الماء. وقد برزت المشاكل بين الرجلين في عدد من القضايا التي تخص استراتيجية تدبير الماء، فاليازغي الذي حاول الاستعانة بخبراء لوضع خطة جديدة تستحضر التغيرات المناخية، ولكن وجد نفسه في مواجهة زاهود الذي يدافع بشدة عن سياسة بناء السدود. وكان من أبرز محطات الخلاف بين الطرفين أن اليازغي عارض بشدة مشروع بناء سد وادي الرمل قرب ميناء طنجة المتوسط، لكنه فوجئ فيما بعد بالملك يظهر على شاشة التلفزة وهو يدشن السد المذكور. كما أن تعيين المهدي بنزكري، المدير العام السابق لإدارة هندسة المياه، الذي سبق أن أحيل على التقاعد من منصب كاتب عام لكتابة الدولة في الماء دون علم اليازغي وبدون إخباره، أثار حفيظة هذا الأخير. ولمواجهة «الانفلات» الذي شعر به اليازغي في وزارته، لجأ إلى إطلاق مبادرة «الحوار الوطني حول الماء»، وهي المبادرة التي صرفت فيها أموال طائلة، وكان الهدف من ورائها، حسب أطر سابقة في وزارة الماء، هو إشراك جميع المتدخلين في تدبير سياسة جديدة للماء بناء على دراسات ساهم فيها الاتحاد الأوربي والبنك الدولي، وكانت هذه السياسة ترفع شعار «كفى من السدود» ويجب بالمقابل الاتجاه نحو تحلية ماء البحر، وتصفية المياه العادمة، وترشيد استهلاك الماء. لكن قبل أن تظهر نتائج الحوار الوطني جاءت الانتخابات، وتقررت بعدها إزاحة اليازغي من منصبه، وتم الإبقاء على زاهود كاتبا للدولة لكن تحت مسؤولية أمينة بنخضراء المقربة بدورها من مزيان بلفقيه. وأصبح زاهود عمليا هو الوصي المباشر على الماء بعدما فوضت له بنخضراء كل التوقيعات. خلال لقاءات الحوار الوطني حول الماء الذي نظمته وزارة البيئة في بداية 2007، كان اليازغي، وزير إعداد التراب الوطني والماء والبيئة، يدعو إلى نهج أسلوب جديد لمواجهة تحدي الخصاص المائي «باعتماد المنحى الاجتماعي والسياسي فضلا عن الجانب التقني»، مشيرا إلى اعتماد «حكامة جيدة في الماء، وسياسة اقتصاد الماء، ثم نهج خطة لمحاربة التلوث والتوجه نحو المياه غير التقليدية لإيجاد وسائل استعمالها، من خلال إعادة استعمال المياه العادمة وتحلية مياه البحر، خصوصا وأن تكلفة التحلية أصبحت تساوي كلفة تخزين المياه». ولوحظ أن زاهود، الذي يعد صديقا حميما لبنزكري الذي تربطه علاقة عائلية بمزيان بلفقيه، لم يكن يحضر لقاءات الحوار الوطني حول الماء، وكان عمليا ينفذ سياسة مختلفة عن تلك التي يدعو لها اليازغي، وحسب المطلعين على خلفيات هذا الصراع، فإن سياسة السدود بقدر ما حققت أهدافا مهمة في مجال تعبئة المياه إلا أنها أيضا شجعت على خلق عدد لا يستهان به من الشركات المختصة في ميدان الهندسة المائية وعدد من شركات الأشغال في شتى التخصصات والمجالات، وبفعل ذلك تداخلت المصالح، حيث إن صفقات بناء السدود تتجاوز أحيانا 500 مليون درهم، ولا يعرف أحد كيف يتم تمرير الصفقات، ويجري الحديث عن وجود تقرير للمفتشية العامة لوزارة المالية يكشف طرق صرف الأموال المرصودة لبناء السدود. كما يجري الحديث عن أن الملك محمد السادس طلب من مستشاره مزيان بلفقيه إعداد دراسة حول قطاع الماء، وأنه جرى التعامل مع مكتب دراسات أجنبي لوضع تقرير مفصل حول سياسة الدولة في هذا المجال.