دافع أسقف كانتربوري روان وليامز الاثنين الماضي، أمام تجمع عام للكنيسة الأنغليكانية، عن تصريحاته بشأن إدماج بعض مقتضيات الشريعة الإسلامية في الترسانة القانونية البريطانية. وأوضح زعيم الأساقفة في كلمة خلال هذا التجمع أنه لا يدافع عن أنظمة قانونية موازية، مشيرا إلى أن ملاحظاته تهدف إلى فتح نقاش حول إسهام الشريعة الإسلامية. وكان الدكتور ويليامز، الزعيم الروحي للكنيسة الإنجليزية، قد اعتبر في الأسبوع الماضي أن تطبيق بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمر»لا يمكن تجنبه». كما اقترح أيضا أن يتم تمكين المسلمين من الاختيار بين محكمة إسلامية ومحكمة مدنية لحل بعض القضايا مثل الطلاق والإرث. وكانت تصريحات ويليامز قد تعرضت لموجة من الانتقادات من قبل مجموعة من السياسيين ورجال الدين وبعض الأوساط، ولاسيما اليمين المتطرف، التي وصفت تصريحاته «انتصارا للإرهابيين». وأعربت أوساط أخرى عن تخوفها في أن تدعم هذه التصريحات الانقسامات الثقافية والدينية التي يسعى المجتمع البريطاني إلى تجاوزها منذ الأحداث الإرهابية التي عرفتها لندن في7 يوليوز2005. وشدد الدكتور ويليامز خلال مداخلته، التي قوبلت بتصفيقات من قبل مسانديه، على أن الشريعة الإسلامية تمنح «خيارات إضافية للمسلمين لتسوية بعض المنازعات وإبرام بعض المعاملات». وكان الزعيم الروحي للكنيسة الإنجليزية قد دافع أيضا عن حقه في التعليق حول القضايا التي تمس مختلف الطوائف الدينية ببريطانيا. يواجه رئيس أساقفة كانتربوري ضغوطات شديدة ودعوات تطالبه بالاستقالة على خلفية تصريحاته. ودافع الدكتور وليامز، في بيان أصدره في لندن اليوم السبت، عن تصريحاته، وقال إنه لم يدع قط من خلالها إلى تطبيق بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بريطانيا كما يزعم البعض. وأوضح أن ما أدلى به من تصريحات سابقة كان بهدف إثارة بعض القضايا التي تتعلق بحقوق الجماعات الدينية، من بينها المسلمون، ووضعها في دولة تتبنى قوانين علمانية. وأثارت تصريحات رئيس الأساقفة انتقادات واسعة ودعوات تطالبه بالاستقالة من منصبه، من بينهم مسؤولون حكوميون وجماعات علمانية وزعماء دينيون. وفي هذا الإطار قال عضو المجمع الكنسي في ويلز إدوارد أرميستيد في تصريح لصحيفة ال»ديلي تلغراف» إنه لا يعتقد أن الدكتور وليامز مناسب لشغل المنصب الذي يتولاه حاليا. وأضاف: «أعتقد أنه سيكون أكثر سعادة بعودته إلى وظيفته السابقة كأستاذ في الجامعة، حيث يستطيع أن يتطرق إلى مثل هذه الأفكار كما يحلو له». أما عضو المجمع الكنسي في لندن أليسون راوف فقال للصحيفة: «إنها كارثة لكنيسة إنجلترا، إذ بدا متأرجحا وهو زعيم ضعيف لا يدافع عن الكنيسة، ولذا أطالبه بتقديم استقالته والعودة إلى وظيفته السابقة كأستاذ في الجامعة». وفي المقابل، وقف بعض المدافعين عن رئيس الأساقفة، من بينهم الأسقف ستيف لوي، الذي أعرب عن فزعه الشديد إزاء ردود الفعل التي تفجرت بسبب تصريحات الدكتور وليامز. وقال الأسقف لوي في تصريح صحفي إن الدكتور وليامز يعتبر من «أعظم وألمع» رؤساء الأساقفة الذين مروا على البلاد منذ مدة طويلة. وأضاف أن الطريقة التي انتقد وعومل بها الدكتور وليامز من قبل بعض وسائل الإعلام والشخصيات أمر «معيب تماما». من جانبه، أعرب المجلس الإسلامي في بريطانيا عن امتنانه لما جاء في تصريحات رئيس الأساقفة بشأن بحث وضع الإسلام والمسلمين في بريطانيا، لكنه قال «إن المجلس لاحظ وبكل أسف الأسلوب الهستيري الذي تناول به البعض هذه التعليقات، وهو الأسلوب الذي لن يؤدي إلا إلى دق إسفين بين الشعب البريطاني». ونقل بيان صادر عن المجلس عن أمينه العام الدكتور محمد عبد الباري القول إن «رئيس الأساقفة لا يدعو إلى تطبيق أحكام الجزاء الإسلامية في بريطانيا، وإنما تنحصر توصيته في النظام المدني لأحكام الشريعة الإسلامية التي تتوافق مع القوانين البريطانية ومبادئ حقوق الإنسان». وفي إطار ردود الفعل على تصريحات الأسقف البريطاني، أصدر المرجع الشيعي الأعلى في لبنان العلامة محمد حسين فضل الله، بيانا أعرب فيه عن تقديره لتلك التصريحات. وقال فضل الله في البيان: «إننا لانزال نشدد على ضرورة أن تنفتح الأديان والشعوب على بعضها البعض، ونقدر ما صرح به كبير أساقفة كانتربوري، الدكتور روان وليامز، للإفادة من بعض جوانب الشريعة الإسلامية من أجل تحقيق الانسجام المجتمعي بين المسلمين وسائر الشعب البريطاني، والذي نرى فيه تصريحا يدل على ذهنية عقلانية منفتحة، وهي الذهنية التي تشكل أساسا لتلاقي الأديان وتحاورهم على مستوى الفكر والقيم في سبيل تحقيق الغنى الروحي والفكري للإنسانية، ولاسيما بين المسلمين والمسيحيين الذين قال عنهم القرآن الكريم إنهم أقرب إلى المسلمين من غيرهم». وأعرب فضل الله عن أسفه من بعض ردود الأفعال على تصريحات الأسقف البريطاني، والتي عكست الجهل بالإسلام كدين، والخلط بينه وبين ما يمارسه بعض المسلمين باسم الإسلام من عنف تجاه الأبرياء، والجهل بطبيعة الالتزام الديني في بعض الأحيان، كما في بعض شؤون الأحوال الشخصية، وأشار إلى ضرورة اندماج المسلمين في مجتمعاتهم التي ينتمون إليها، سواء أكانت غربية أم شرقية، والتي تتشكل من غالبية غير إسلامية وتقوم على أنظمة علمانية تتسم بالحرية، من خلال الاهتمام بالقضايا الحيوية في بلادهم كما هو شأن أي مواطن، واحترام القوانين المتبعة، وحماية المصالح العامة، وأن ينطلقوا ليكونوا مواطنين صالحين، من موقع إسلامهم الذي يدعو إلى التسامح والانفتاح والأخلاق وعدم الظلم والاعتداء.