مالي وجه آخر من وجوه العالم. إنه البلد الذي يمثل الجنوب بطريقة مختلفة، ومجتمعه فسيفساء من القبائل المختلفة. عرب في الشمال وأفارقة في الجنوب وطوارق بينهما. هذا ما يصنع غنى هذا البلد بشريا وجغرافيا وطبيعيا. إنه البلد الذي أصبح يحظى في الآونة الأخيرة باهتمام ملحوظ من طرف السياح. التاريخ يمنح مالي سحرا خاصا، فهذا البلد كان في الماضي وطنا لثلاث إمبراطوريات إفريقية عظيمة: إمبراطورية غانا، وإمبراطورية مالي، وإمبراطورية سونغالي. وفي قلب مالي، هناك تومبوكتو التي ذاع صيتها في العالم. إنها المركز الحضاري الذي كان بمثابة جامعة إفريقية يشع صداها في باقي القارة السوداء. لكن هذا الصدى وملامح تلك الإمبراطوريات العظيمة، بدأ بالتلاشي بعد أن أصبحت البلاد خاضعة للاحتلال الفرنسي منذ سنة 1864، وظلت كذلك قرابة قرن كامل قبل أن تحصل على استقلالها، مع عدد من البلدان الإفريقية المحتلة سنة 1960. كانت مالي في الماضي تسمى بلاد السودان، ومنها كان الملوك المغاربة، الأقوياء منهم طبعا، يجلبون الذهب والبضائع الإفريقية المختلفة، ومنها أيضا جاء الكثير من الماليين إلى المغرب، واستقروا فيه إلى الأبد، حيث يشكلون اليوم نسيجا مهما من المجتمع المغربي. مالي بلد يوجد ما بين الصحراء الكبرى والسافانا الإفريقية، وما بين الشمال الإفريقي المطل على البحر الأبيض المتوسط وبين جنوب غرب إفريقيا المطل على المحيط الأطلسي، لذلك كان هذا الموقع امتيازا كبيرا لهذا البلد الذي يفخر باختلاط جغرافيته وأعراقه، بل وحتى دياناته، حيث إن الإسلام والمسيحية ينتشران بين السكان، فيمثل المسلمون أزيد من 90 في المائة، والمسيحيون أقل قليلا من 10 في المائة. الذين يعرفون قيمة الوصول إلى مالي غالبا ما يفعلون ذلك برا، أي يبدؤون مباشرة من الشمال الإفريقي، سواء انطلاقا من الجنوب المغربي أو الجنوب الجزائري، لأن كل الطرق تؤدي إلى مالي. الرحلة البرية إلى مالي تتطلب بعض الجرأة والمغامرة، ذلك أن الطريق الصحراوي لا يفتقر إلى مفاجآت، وليس ضروريا أن تكون مفاجآت سارة. وإذا حاول أحد أن يخوض المغامرة لوحده ويقصد مالي برا بسيارته، فإنه سيتعرض فعلا لمصاعب لن يكون التيه سوى أهونها، لذلك ينصح الخبراء من يريدون خوض هذه المغامرة بأن يفعلوا ذلك عبر قوافل تتشكل على الأقل من ثلاث سيارات، مع التوفر طبعا على دليل أو مجموعة أدلاء لهم من الخبرة ومعرفة الطريق ما يجعلهم يصلون إلى مالي دون مشاكل. وفي كل الأحوال، فإن الرحلة إلى مالي برا يمكن اعتبارها رحلة العمر، لأنها لا تشبه في شيء تلك الرحلات التي يقوم بها سياح مدللون عبر الطائرات أو القطارات. الذين قاموا بمثل هذه الرحلات المغامرة وصفوا رحلاتهم وكأنها تمت على كوكب المريخ. كانوا سعداء جدا بذلك، ويقولون إن مغامرتهم تستحق العناء، وأنهم التقوا وعايشوا أكثر الشعوب عزلة في العالم بين كثبان الرمال وصخور الصحراء. ويحكي الذين زاروا مالي، وعلى الأخص منطقتها الأكثر سهرة تمبكتو، أن شعوب هذه المنطقة تعيش بنفس الطريقة التي عاش بها الأجداد قبل قرون، وأنهم يعيشون في بطن الصحراء في عزلة تامة عن العالم. كان الرحالة المغربي ابن بطوطة هو أول من اكتشف قبائل مالي ووصف حالهم وأحوال عيشهم. بل إن هذا الرجل، الذي عشق السفر كما لم يعشقه أحد من قبل، عايش هؤلاء السكان لفترة غير هينة لأنه تعود، في كل منطقة يزورها، خصوصا إذا أحس بين جنباتها بالدهشة والغرابة، أن يبقى فيها ردحا من الزمن حتى يفهم تفاصيل عيشها. مالي من البلدان الإفريقية الأكثر شساعة جغرافيا، وأغلب مناطقها كثبان رملية منخفضة، مع سافانا (غابات إفريقية) في الجنوب، وجبال وتضاريس صخرية في مناطقه الأخرى. هذه الشساعة الجغرافية هي التي تصنع تنوع مالي وغناها. توصف مالي بأنها واحدة من البلدان الإفريقية الأكثر فقرا، وزاد من فقر هذا البلد كون ثلث أراضيه صحراء قاحلة، وأزيد من 10 في المائة من سكانه من الرحل، بينما 80 في المائة من اليد العاملة تقتات مما يوفره نهر النيجر من زراعة على ضفافه، أو الأسماك التي توفرها مياهه. مالي إذن ليست كتلة من الرومانسية، كما أنها ليست بلدا متناغما عرقيا وديمغرافيا إلى أقصى حد. ومنذ الاستقلال إلى الآن، عرف العالم عن مالي أنها تعاني من مشكل مؤرق، وهي قضية الطوارق في الشمال، الذين ظلوا دائما يطالبون بمنحهم حقوقا اقتصادية واجتماعية وسياسية، وخاضوا حربا ضد الدولة باعتبارها الوسيلة الأفضل لإسماع صوتهم للعالم، وفي النهاية عقدت معهم الحكومة اتفاقية سلام في تمبكتو سمتها اتفاقية «شعلة السلام». وفي كل الأحوال فإن مالي، أو أغلب مناطقها على الأقل، تمثل آخر المناطق المنعزلة في العالم، وهي عزلة ليست اختيارية في كل الأحوال، حيث إن بعض قبائلها تشبه تلك الجزر الصغيرة المعزولة وسط المحيط، الفرق الوحيد هو الفرق بين الرمل والماء.