على مدار ثلاثة أيام، نُظِّمت بقاعة بلدية مدينة اكادير ندوة دولية في موضوع "الأمازيغ فاعلين أو مواضيع لتاريخهم" بتنسيق بين بيت علوم الإنسان بباريس ومشروع إي أس بي مغرب وجمعية أسايس أن إمال للفن والثقافة باكادير وجامعة ابن زهر. وفي افتتاح أشغال هذا الملتقى ذكّر أحمد صابر عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية باكادير بأهمية الموضوع الذي يتماشى واهتمامات الكلية التي شرعت في فتح مجال الدراسات الأمازيغية أمام طلبة الماجستير، في سياق محطات أساسية وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وشددت مديرة المركز الثقافي الفرنسي آن بوتييه على "القيمة المضافة التي تحظى بها الثقافة الأمازيغية داخل فسيفساء الثقافة المغربية عموما" كما نوهت بالمقاربة المغربية في هذا المجال. وفي سياق قراءة فاحصة للإدريسي وابن خلدون وجان ليون الإفريقي، قدمت الباحثة تَسْعديت ياسين مراجعة لمفهوم الهيمنة الثقافية. واوضحت ياسين كيف أن إعادة قراءة المصادر القديمة "تفصح عن وعي بالثقافة الأمازيغية باعتبارها ثقافة مهيمَن عليها. ونجد هذا الوعي حاضرا حتى لدى المؤلفين العرب. ومن الأهمية بمكان مساءلة هذه المصادر ذات المشروعية في ربط الذات بالآخر". واضافت "ان كُلاًّ من الإدريسي في القرن الثاني عشر وابن خلدون في القرن الرابع عشر وجان ليون الإفريقي في القرن السادس عشر نقل تجارب وتحليلات، يتوجب على الهيسطوريوغرافيا الأمازيغية أخذها بعين الاعتبار". أما الباحثة ليتيسيا كرافيتو، التي كانت مداخلتها حول "المخطوطات البربرية للأب شارل دو فوكو" فحاولت الإجابة عن أسئلة من قبيل "هل كان العمل اللغوي للأب دو فوكو محكوما بروح استعمارية؟ أم بروح تبشيرية؟ أم بفيض عشق للآخر؟". وفي دراسة عميقة للطوارق الموزعين اليوم بين خمس دول، كشفت الباحثة هيلين كلودو عن "صيغ وإحراجات الأرض الملغمة التي يمكن أن يقف عليها من يروم المقاربة الإثنولوجية والتاريخية للثيمات المترددة في عالم الطوارق" من قبيل "الفوضى البربرية وفوضى البداوة والتشتت العشائري والفتور الإسلامي وسلطة النساء". واضافت كلودو "مما لاشك فيه أن هذه النظرات إلى الآخر تفضي إلى بعض الإحراجات التي تقتضي إعادة طرح الأسئلة والعودة بطريقة نقدية إلى سياق إنتاجها. ومن الوجهة الحفرية عمد الباحث امْحَمد بوعجاجة إلى استكشاف أصول البربر. وفي السياق التاريخي نفسه، قدم عبد المجيد أمريرح مداخلة تتبَّع فيها الإنسان الأمازيغي من خلال المصادر القديمة. أما الباحثة ماريا أنخيل روك، فتناولت بالدراسة القبائل البربرية باعتبارها مفتاحا للمقاومة والحداثة، من خلال بعض آراء ابن خلدون وبعض رحالي وأنثروبّولوجيي القرنين التاسع عشر والعشرين. واشارت انخيل روك الى أن علماء الاجتماع والأنثروبّولوجيا، بدءاً من دوركايم وانتهاءً بغِيلنِر "سخّروا نظريات ابن خلدون لإنجاز أعمالهم". واليوم ما تزال تلك النظريات محط اهتمام متجدد بتجدد مصالح ورؤى سوسيو سياسية أقل حتمية". وكانت الباحثة اجرت بحثا ميدانيا في جنوب المغرب، وعلى الأخص في منطقة سوس، اذ أعطت العلاقات القرويةالحضرية والقدرة على التسيير والتنظيم، قراءة جديدة للعصبية لدى البربر. وتحت عنوان "خطابات الفقهاء الأمازيغ"، أضاء علي أمهان زوايا من تاريخ المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، وذلك من خلال رصد هؤلاء الفقهاء وعلى رأسهم أوزال لبدع المجتمع. وتناول أبو القاسم الخطير موضوع "النشاط الأدبي بالأمازيغية" وإنتاج المعارف حول المجتمع الأمازيغي ابتداءً من القرن السادس عشر إلى حدود القرن التاسع عشر. وركزت مداخلة سعيد أوبجّا على "ابن خلدون والتاريخانية من خلال مثال البربر"، في حين تناولت كلمة مصطفى جلوق "أنثروبّولوجيا الذات وإنتاج معرفة جديدة" من خلال نموذج القبائل الأمازيغية للجنوب الشرقي المغربي، وعلى الأخص قبيلة آيت مرغاد. وبخصوص تاريخ وتمثُّل المرأة في الوسط القبائلي الجزائري، قدمت كلثومة حنّاشي مداخلة بسطت فيها وضع المرأة في العُرف القبائلي قبل الفترة الاستعمارية وخلالها. كما كشفت حنّاشي عن الأوجه الصارمة في هذا القانون العرفي الذي "لا يعطي المرأة أي حق داخل مؤسسة الأسرة، إن لم نقل إنه يقلل من شأنها ويبخسها حقوقها، لتُختزل حياتها في الإنجاب وأعباء البيت رازحة تحت سلطة الزوج والأب والابن". ورأت حنّاشي ان "الاستعمار حافظ على هذه الإكراهات الزوجية سواء في الطلاق أو الترمّل أو الميراث الذي لا تحظى به في كل الأحوال. ومع ذلك هناك استثناءات نادرة سمحت لها ظروف ذاتية كعدم الإنجاب، أو شروط موضوعية كالاحتلال أو الإرهاب للوصول إلى مراتب ذات شأن في الوسط الاجتماعي". وسردت حنّاشي أمثلة على هذا الصعيد "لالاَّ خديجة التي أصبحت بعد وفاة زوجها مقدمة الزاوية الرحمانية، ولالاَّ فاطْمة ان سومر التي قادت فلول المقاومة، وغيرهما من النساء اللواتي برزن في ساحة المقاومة خلال أيام العنف العصيبة". وطرحت الباحثة سؤالا مفتوحا: أيةُ آلية اجتماعية وأيةُ استراتيجيةِ تحايلٍ سمحتا لهذه العينة من النساء بفرض أنفسهن وإعطاء المشروعية لهن في مجالات ذكورية بحتة؟ ولوضع الموضوع الديني تحت اختبار تمثلات الهوية، وقف الباحث ابراهيم الصالحي عند شخصية مقدم الطريقة الرحمانية الشاعر الصوفي القبائلي امْحَنْد أُوالحُسين (المتوفى في 1903)، الذي سيصبح نموذجا لما سمي بتديُّن الأمازيغ (القبائليين منهم على وجه الخصوص). وهذا التمثُّل لعلاقة الدين بالمجتمع، وصيغ إنتاجه واستعمالاته، هو ما حاول الباحث بسطه من خلال مناقشة طروحات مولود المعمري وغِيلنِر. وبالعودة إلى العصر الروماني، حاولت الباحثة وردة حيمر التنقيب عن تاريخ البربر في المصادر الغربية، من منطلق الإسهام في إعادة بناء الذاكرة الجزائرية اعتمادا على الوثائق المكتوبة قبل سنة 1830 (سنة الاحتلال الفرنسي للجزائر). وهي بذلك تدفع الوثوقيات المتوارثة ضمن مشروع تصحيحي بدأ منذ بضع سنوات في مجالات العلوم الاجتماعية المختلفة. و"الهدف من هذه المراجعة الضرورية هو التصدي لوجهات نظر الديماغوجيين غير المحترسين وحتى الطروحات المجحفة لبعض الباحثين المرموقين الذين اختزلوا الذاكرة الجزائرية في أشياء بسيطة لا تغني ولا تسمن". وتحت عنوان "وضعية الأهالي في روما أمام الغزو القوطي والبيزنطي حسب الشاعر كوريبّ"، وقف الباحث بّاولو أُودوريكو عند أهمية طريقة تقديم البربر في قصيدة شاعر ينتمي إلى شمال إفريقيا يدعى كوريبّ. وقال اودوريكو ان "قصيدة كوريب المطوّلة هذه التي كتبها في بحر القرن السادس بعد الميلاد، خلد فيها انتصار القائد البيزنطي جان طروغليتا الذي وضع حدا لثورات القبائل البربرية على السلطة القسطنطينية". "القصيدة التي كتبت على النمط الكلاسيكي مقِّلدة بذلك إنياذة فيرجيل، قدمت وصفا بالغ الأهمية للقبائل التي استوطنت شمال إفريقيا، وعلى الأخص في المنطقة التي تشكل اليوم دولة تونس". واضاف الباحث "ولم يكتفِ كوريبّ بالحديث عن طريقة عيش البربر وطرق حروبهم، وإنما بالاسترسال في وصف كل ما من شأنه أن يظهر غيرية البربر مقارنة بالبيزنطيين، دون أن يسِمهم بالبربرية (التوحش)، لأن هؤلاء المحاربين أنفسهم هم من ساعدهم على استرجاع المناطق التي احتلها الوندال". وختم اودوريكو "إذا علمنا أن كوريبّ ينتمي إلى الأرِستوقراطية الرومانية القديمة التي استوطنت شمال إفريقيا وأنه يرغب في استعادة الحظوة والممتلكات، أدركنا أن الصورة التي يقدمها عن البربر تستبطن خطابا سياسيا يوجهه الشاعر إلى الأعيان وإلى حكومة القسطنطينية، وهو في الآن نفسه يخلق متخَيّلا غيريا لهذه الشعوب سيبقى أثره واضحا طوال قرون".