الكل يتحدث اليوم عن السياحة وعن دورها الفعال في اقتصاد وتنمية البلد، وعن الهدف الذي حددته لنفسها، ألا وهو جلب 10 ملايين سائح في أفق 2010. لكن، هل طرح المسؤولون في القطاع الأسئلة الواردة واللازمة، لكي يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف؟ هل اعتمدوا استراتيجية ممنهجة وقوية؟ هل إشهار: «المغرب أجمل بلد في العالم» وما يسايره من تقديم واجهة فولكلورية للمغرب في الخارج هو الكفيل بالقيام بهذا الدور الصعب؟ مهما كانت الاستراتيجية المعتمدة في هذا الاتجاه من طرف الوزارة الوصية ومهما كانت الخطط، فإنها لن توتي أكلها ولن تنجح دون اعتماد عنصرين رئيسين يجب على الدولة أن تأخذهما بعين الاعتبار والجدية، ألا وهما اكتساب ثقافة سياحية من جهة وتربية سياحية من جهة ثانية من طرف المجتمع المدني. وهما عنصران لن يتحققا دون خطة طويلة الأمد ذات برنامج وأهداف محددة بدقة، دون عبثية أو اعتباطية، من خلال شراكة حقيقية بين عدة وزارات وهيئات من المجتمع المدني بالاعتماد أساسا وقبلا على العنصر البشري قبل اعتمادها على البنية التحتية السياحية من بناء فنادق وطرق سيارة وتعزيز الأسطول الجوي الطرقي... لا أحد ينكر اليوم دور السياحة في كونها مصدرا واعدا من مصادر التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى كونها واجهة حضارية تطل علينا من خلالها الشعوب الأخرى للتعرف على أصالة مجتمعنا وتراثه الثقافي وتاريخه، وكيف يتفاعل لدينا الماضي بالحاضر في تناغم وانسجام. لكن، قبل أن نكثف حملاتنا الإشهارية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا بميزانيات خيالية لإقناع الآخر بالتكرم بزيارتنا لمعرفة من نحن وما سنقدمه له، هلا تساءلنا قبلا: هل المغربي، كمواطن لا كهيئة مختصة، قادر على تحمل مسؤوليته في استقبال السائح؟ كيف للمواطن العادي أن يسهم في تنمية هذه المنظومة إذا لم يكن طرفا فاعلا فيها، وإذا كان لا يحس بنفعها المباشر عليه؟ كيف له أن يجعل منها شعارا له، إذا كان لا يستوعبها حقا، بل على العكس يحس بأنها فرضت عليه فرضا دون أن تعود عليه بأدنى نفع؟ «المغرب أجمل بلد في العالم!» هلا تأملنا قليلا في الأمثلة التالية: لص يختلس محفظة سائح ويهرب، وفي طريقه يقع في مجرى لصرف المياه غير مغلق، فينقذه السائح الذي كان يتبعه لاسترجاع محفظته من موت محقق بمساعدته على الخروج من مجرى المياه. مرشد سياحي يبيع أحد السياح الإيطاليين آنية فخارية «خابية» على أنها قيمة تاريخية ترجع إلى عدة قرون، في حين أنها لم تتجاوز السنة. سائق تاكسي يفرض على وكيل شركة سياحية برازيلية كان قد جاء لاكتشاف الفنادق التي ستؤوي مجموعة سياحية من بلده، أن يدفع أجرة التوصلية بالعملة الصعبة، وحين ناقشه البرازيلي أخرج له ورقة بالعربية قائلا إنه نص قانوني يفرض على الأجانب أن يدفعوا بالعملة الصعبة، الدولار أو الأورو، وله الاختيار. سائحة أمريكية، من أصل مغربي، اشترت زربية مغربية ب6 أضعاف سعرها الحقيقي، وعدها البائع ببعثها لها في غضون أسبوع، لكنها بعد 6 أشهر لم تتوصل بشيء. سواح فرنسيون جاؤوا لقضاء العطلة، مات نصفهم والنصف الباقي رجع معطوبا ومرعوبا إثر حادثة سير. الأمثلة عديدة ولا تحصى، لكن، بعد كل هذا، هل يحق لنا أن نداوم على التغني بكون المغرب أجمل بلد في العالم؟!! أجمل بلد في نظر من؟ وعلى أية أسس قيمناه بهذه الطريقة؟ وأجمل من ناحية ماذا؟ ثم هل بإمكان أي أحد في العالم أن يجيب عن هذا السؤال: ما هو أجمل بلد في العالم، نستشف بوضوح من خلال ما سبق، أن المغربي عموما، إن كمضيف أو كضيف، يفتقد لأهم عنصرين، ألا وهما التربية السياحية والثقافة السياحية. المكسيك بلد فقير، تعتبر السياحة فيه من أهم الركائز، التي تعتمدها الدولة لاكتساب منافع اجتماعية، ثقافية واقتصادية لذلك، فهو يربي نشأه منذ الصفر على اكتساب هذين المفهومين وذلك بإدراج مادة «التربية السياحية» في مناهجه الدراسية ليرسخ أسسها لدى المتعلم منذ مرحلة الابتدائي. العنصر البشري منذ سنوات والمغرب، للتقدم بقطاعه السياحي، يستثمر في البنية التحتية السياحية من بناء فنادق فخمة، وتحديث قطاع المواصلات وتعزيز الشبكة الطرقية والاهتمام بواجهات المدن، في حين أن الأسبق من هذا وذاك، هو الاستثمار في العنصر البشري الذي يعتبر أهم ركيزة وأهم عامل للتقدم بهذا القطاع، وبدونه، مما عزز البلد من بنية تحتية أو دعاية، فإنه لن ينال مبتغاه. يبدو الأمر سهلا للوهلة الأولى، لكنه عكس ذلك تماما، ذلك أنه يتطلب منهجية واستراتيجية على المدى البعيد تمتد لعدة سنوات عن طريق تفاعل عدة وزارات وعدة هيئات، يمكنها أن تدخل في إطار التنمية البشرية المستدامة. الثقافة السياحية أذكر أني حينما قررت تنظيم أول رحلة ثقافية لمصر تحت لواء الجمعية التي أرأسها، اتصلت بالسيدة نادية العناني، المستشار الثقافي للجمهورية المصرية بالمغرب آنذاك، وشرحت لها محتوى الرحلة طلبا للمساعدة، إلا أنها بادرتني بسؤال لم أعره اهتماما كبيرا آنذاك حيث قالت: هل يجب علينا كعرب أن نبتدئ بالسياحة الثقافية أم بالثقافة السياحية؟ إلا أنني بعد ذلك، ومن خلال الممارسة والاحتكاك والاهتمام بميدان السياحة، أقررت أننا كمغاربة، عموما، نفتقد لهذه الثقافة بطريقة تبعث على الرعب. ذلك أن الثقافة السياحية هي عبارة عن سلوك مدني يجب أن نكتسبه ونتحلى به منذ الصغر. وكل ما هو اكتساب فهو معرفي، وكل معرفة لا تأتي عن طريق الصدفة، وإنما يجب أن تدرس أسسها وتدرّس تبعا لمنهجية وبرنامج محدودين بدقة من وكيف؟ الدولة، والمجتمع المدني من جهة، والمواطن من جهة ثانية وذلك عن طريق توثيق الشراكة وبناء التكامل بين وزارات السياحة، التربية والثقافة والشبيبة والرياضة، من أجل بناء ثقافة سياحية إيجابية مثمرة ومستدامة تمكن المواطن منذ صغره من اكتساب المهارات اللازمة، عن طريق توضيح المفاهيم والاتجاهات من خلال مواقف تربوية وتعليمية وأوراش للشباب تستثمر الأنشطة والمرافق السياحية لدعم الخبرات التعليمية، وهذا لن يكتمل إلا بإدراج مادة «التربية السياحية» في إطار البرامج التعليمية في سلك الابتدائي، ثم إدراج مادة «الثقافة السياحية» في سلكي الإعدادي والثانوي بعد ذلك، مثلما أدرجنا سابقا مادة «الثقافة الفنية» أو «التربية الفنية» في المنظومة التعليمية، بتخصيص حصة واحدة في الأسبوع للتلاميذ، ويمكن أن ندرجها في برنامج «التربية على المواطنة» التي تخصص لها حاليا حصتان أسبوعيا في سلك الثانوي. المجتمع المدرسي أولا؟ لعدة اعتبارات أهمها: كونه أكثر المجتمعات قابلية للتعليم نظرا لانضباطه داخل منظومة تعليمية وتربوية ذات أهداف وبرامج محددة تخول تلقي المعلومة ثم تقويمها من أجل تبنيها كلية. كون أهم أهدافه هو نقل المعرفة وتعزيزها وتوجيه السلوك لدى المتلقي. تداخله وتأثيره على باقي شرائح المجتمع ومؤسساته المختلفة. سهولة التطبيق والمرونة الزمنية. وجود الإطار العلمي والعملي المناسب للتنفيذ من خلال برامج نظرية وتطبيقية تعتمد أساسا على الأنشطة الموازية والرحلات المدرسية التعليمية التي تلاقي ترحيبا وإقبالا كبيرين من طرف التلاميذ وأوليائهم والتي يمكن أن تصمم وتنفذ بطريقة تخدم قطاعات السياحة والتعليم والثقافة على حد سواء. الأهداف المنشودة حينما نربي نشأنا على اكتساب الثقافة السياحية عن طريق التربية السياحية، نحن نغرس فيه مدى أهمية هذا القطاع بالنسبة للشعب والوطن والفرد. بالنسبة للوطن: فهي تعتبر حافزا قويا على البناء العمراني والاقتصادي، حيث إنها تدفع بالتنمية الإقليمية إلى الأمام من خلال تطوير مؤهلات المناطق المختلفة الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية، ومهنها التقليدية ومنتجاتها الزارعية والغذائية وتجارتها وخدماتها في مجال التنقل والاتصال، وتراثها الثقافي والديني والفني، وجلب المستثمرين إلى مختلف الأوراش السياحية والقطاعات المصاحبة لها، وجلب العملة الصعبة. أما بالنسبة للشعب، فهي تعليم التعامل مع الزائر والضيف بأدب وصدق وترحاب تعطي انطباعا حسنا عنا، كما أنها توفر فرص الاستفادة من التعاون والتبادل الثقافي بين الشعوب. وفي ما يخص الفرد: فهي توفر له فرص العمل في الميدان وتعلمه القدرة على احترام الآخر وعلى التسامح الفكري والعقائدي وتحفزه على تعلم اللغات الأجنبية للتواصل وتنمي لديه حس تعزيز ثقافة مشتركة للوصول إلى مفاهيم إيجابية مع السائح وترغبه في حب الاكتشاف والتعلم وتطوير الذات من خلال التفاعل مع الضيف المنتمي لثقافة أخرى. لكن الأهم من كل هذا هي أنها تنمي لديه حس الانتماء القومي والاعتزاز والفخر بمكتسباته التاريخية والحضارية والجغرافية والثقافية والدينية. السياحة المستدامة لقد عرفت المنظومة السياحية في السنوات الأخيرة تطورات كبيرة في ظل العولمة، ذلك أنه بينما لازلنا نتكلم عن السياحة بطريقة مجردة، فإن العالم تعدى هذا ليركز مفاهيم جديدة في الميدان تساير التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. فمثلما نتحدث نحن عن التنمية المستدامة، والسياحة العادلة أو المنصفة، والسياحة المتضامنة أو المتكافلة، وكلها تدخل في إطار السياحة المسؤولة أو السياحة الهادفة، حيث إن لكل سياحة مفهومها وأهدافها الخاصة التي تلزم الضيف والمضيف بأخلاقيات محددة ومعينة يجب على كليهما أن يتحليا بها. ولكي نساير هذا التقدم يجب علينا أن ننخرط فيه عن طريق التوعية وابتكار ورشات عمل، والقيام بتحقيقات ميدانية من شأنها أن تعرفنا على ما ينتظره السائح منا قبل أن نعرض عليه ما لدينا، لكي نجعله يتمنى العودة إلينا مرة أخرى، مع من يحبهم لأن أحسن دعاية يمكن أن نقوم بها لبلدنا هي تلك التي يقوم بها السائح نفسه حينما يعود لبلده فرحا برحلته، فيحث كل من يعرف على القيام بنفس السفر. وفي الختام، يجب التذكير بأن هذه التربية والثقافة السياحيتين، لن تعلماننا فقط كيفية استقبال الآخر، وإنما أيضا كيف نكون ضيوفا على الآخر، في بلده، وذلك موضوع آخر ذو شجون، يمكن التطرق إليه لاحقا.