نزل خبر مقتل رشيد مقتنيع العداء المغربي، صاحب عدة جوائز محلية ووطنية في العدو الريفي، في مواجهات مع القوات الأمريكية بالفلوجة بالعراق، على عائلته بحي الألفة بالدارالبيضاء كالصاعقة حتى إن والدته السيدة حليمة (56 سنة) لم تصدق النبأ معتقدة أن ابنها مازال حيا يرزق في ليبيا التي سافر إليها من أجل العمل فيها كالعديد من الشبان المغاربة. لكن ما لم تكن تعلمه الأم حليمة هو أن ليبيا بالنسبة إلى ابنها رشيد (32 سنة) لم تكن إلا محطة استراحة في انتظار لحظة العبور إلى بلاد الرافدين بعد التوقف قرابة شهر في سوريا، وهو الأمر الذي يؤكده شقيقه البشير (30 سنة) عندما يقول ل«المساء» إن أخاه رشيد سافر إلى ليبيا في نهاية 2005، وكانت العائلة تعتقد أنه سافر من أجل البحث عن عمل خاصة وأنه يمتهن حرفة إصلاح محركات السيارات. و«بالفعل، يقول شقيقه، تمكن من الحصول على عمل بسهولة في اليوم الموالي لوصوله إلى طرابلس، وظل على اتصال دائم بكل أفراد عائلته، بل إنه كان يحرص على أن يتحدث مع والدته مرة في الأسبوع ليسأل عن أحوالها». «لكن بعد مرور 15 يوما، يضيف شقيقه، انقطعت أخباره ولم يعد يتصل بالعائلة لمدة قاربت الشهر، قبل أن يفاجئني بمكالمة هاتفية التمس مني فيها ألا نقلق عليه حتى ولو لم يعد يتصل بنا وأنه غير مصاب بأي مكروه». في هذه المكالمة الهاتفية التي لم تتجاوز 4 دقائق، بدا رشيد، على غير عادته، كان جد متعجل لإنهاء المكالمة، وكان يتحدث بصوت خافت كما لو أنه كان يخشى أن يسمعه أحد بالقرب منه، قبل أن يقطع الخط قائلا لأخيه البشير: «قل للوالدة ما تخافش علي». فما الذي حدث بعد هذه المكالمة المفاجئة؟ يقول شقيقه البشير في معرض الجواب عن هذا السؤال: «لقد فوجئت بعد انقطاع هذه المكالمة بيننا على غير المعتاد بأن أخي رشيد لم يتصل بي عبر خط هاتفي من ليبيا وإنما عبر خط من سوريا، وكانت هذه المكالمة هي أول وآخر اتصال به إلى أن توصلنا بخبر مقتله في ال27 من رمضان المنصرم عبر صديق له يدعى محمد الجرداني المعروف ب«إدريس»، الذي سيعتقل في ماي 2007، بناء على مكالمة توصل بها من العراق من طرف شاب مغربي يدعى عبد الحق كونيما يسكن بحي الألفة والذي قتل هو بدوره في الفلوجة». وتعترف عائلة رشيد مقتنيع بأنها تكتمت على نبأ مقتل ابنها في العراق، ورفضت أن تخبر أي شخص بالحادث بمن فيهم أقارب العائلة. وفي هذا السياق، يقول شقيقه البشير: «كنا مستعدين أن نتوقع أي نبأ سيئ عن أخي بعد أن انقطعت أخباره، لكن أن يكون هذا النبأ هو مقتله في الفلوجة بالعراق في مواجهات مع القوات الأمريكية، فهذا الأمر، في الحقيقة، لم يخطر على بالنا على الإطلاق، حتى إن أمي مازالت مقتنعة بأن ابنها سيعود يوما ما إلى منزل العائلة، ثم إننا نسكن في حي شعبي فماذا سيقول الناس إذا علموا بأن أخي له علاقة بالإرهاب». وفضلت عائلة رشيد أن تقدم رواية مغايرة لمقتل ابنها في العراق، ذلك أنها ستشيع بين الأقارب والجيران أن رشيد قتل في ليبيا في حادثة سير قبل أن تختم الرواية بعشاء عزاء على شرف جمع غفير من المعزين الذين جاؤوا لمواساة العائلة في مصابها الجلل، لكن في عشاء العزاء حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ دعا بعض المعزين إلى ضرورة أن تربط العائلة الاتصال بالسفارة الليبية بالرباط من أجل مباشرة إجراءات استلام جثة ابنها، وهو الاقتراح الذي لم تجد له العائلة جوابا سوى الاكتفاء بالقول: «نعم سنفعل ذلك». وكان يمكن أن يظل خبر مقتل رشيد مقتنيع بالفلوجة طي الكتمان، لكن اعتقال صديقه الجرداني سيقود إلى افتضاح الأمر، حينها ستشن أجهزة الأمن المغربية حملة اعتقالات واسعة في صفوف كل المشتبه فيهم، بل إن المخابرات المغربية ستعتقل شقيقه البشير لمدة 12 يوما قبل أن تتم تبرئته بعد أن تأكدت ألا صلة له بأي عمل إرهابي. ويعترف رشيد أن عناصر المخابرات تعاملت معه بأدب ولم يصدر عنها أي تصرف مسيء إليه. فكيف تسربت فكرة الذهاب إلى العراق إلى ذهن هذا الشاب الذي حاز أكثر من جائزة وطنية ومحلية في العدو الريفي؟ جوابا عن هذا السؤال، يقول البعض إن رشيد مقتنيع كان، إلى منتصف سنة 2004، شخصا عاديا ومقبلا على الحياة، وكان يقضي معظم أوقاته في الجري بغابة بوسكورة، كما كان يتردد باستمرار على النادي الرياضي «كازا بلانكيز» بالدارالبيضاء. أما في فصل الربيع، فقد اعتاد أن يسافر إلى إفران، المدينة المفضلة لدى جميع العدائين، بل إن جل أصدقائه ومعارفه هم نجوم من الرياضة، كالبطل المغربي في العدو الريفي سعيد أوكمال الذي كان يزوره ببيته بحي الألفة بين الفينة والأخرى، وأيضا لاعب الوداد البيضاوي امجيد بويبوي. لكن نقطة التحول في حياة رشيد كانت عندما سافر في نهاية 2004 إلى أيت ملول، وقرر المكوث بها بعد أن اكترى محلا يزاول فيه مهنته كمصلح محركات السيارات. وهناك، بتلك المدينة، سيتعرف على شقيقين قاسماه غرفة اكتروها بحي المستقبل ليلتحق الثلاثة بدار للقرآن كانت محطة فاصلة بين عهدين في حياته. وعاد رشيد إلى الدارالبيضاء بعد عام من العمل في أيت ملول، لكنه عاد شخصا آخر وبملامح تدين زائدة وعاد بلحية طلبت منه والدته أن يحلقها إذا أراد أن يكون ابنها. لكن الابن طمأن والدته بأن الأمر عادي جدا ولا يدعو إلى القلق. ولم تمض إلا أيام معدودة حتى تعرف رشيد بمسجد «المستقبل» بحي الألفة على الجرداني الذي كان وراء تسفيره إلى العراق.