[email protected] الحقيقة أننا نحن المغاربة شعب يعقد الأمور كثيرا. شعب كثير الشكوى والبكاء والنحيب. ومن حسن حظنا أن الله رزقنا ببعض الوزراء الذين من دونهم لم نكن نعرف ماذا سنصنع بأنفسنا. وفي الوقت الذي يتباكى فيه المواطنون، وأنا منهم، بسبب غلاء الأراضي والعقارات، وصعوبة الحصول على بقعة يبني فوقها الواحد منا بيته الصغير لكي يرتاح من بيوت الكراء، نكتشف أن مسألة الحصول على أرض في أرقى أحياء الرباط وبثمن بخس عملية لا تتطلب أكثر من طلب بسيط مرفوع إلى سعادة وزير المالية، مشفوع بالمودة الخالصة طبعا. هذا على الأقل ما نفهمه من جواب السيد والعلو وزير المالية السابق عندما سألناه حول وثيقة تؤكد موافقته على تفويت بقعة مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع بثمن لا يتجاوز 370 درهما للمتر في منطقة بير قاسم بالرباط، حيث الأرض بدقة للنيف. فسعادة الوزير السابق وافق على منح ابن زميله في الحكومة ورفيقه في الحزب، الراحل محمد بوزوبع، كل هذه الأرض بناء على طلب تقدم به مثلما يصنع مع جميع المغاربة. فقلت مع نفسي أن المغاربة يظلمون حكومتهم كثيرا، فلكي يحصلوا على أراضي شاسعة في أرقى الأحياء وبأثمان تشجيعية لا يلزمهم أكثر من اقتناء ورقة وقلم وتحرير طلب في الموضوع لوزير المالية. وسعادة الوزير سيستجيب للطلب وسيمنحهم الأراضي التي يريدون بغض النظر عن أسمائهم العائلية ومواقع آبائهم في السلطة. والجميل في موافقة وزير المالية على طلب ابن وزير العدل الحصول على 3415 مترا مربعا، هو الأسلوب الجميل الذي كتبت به. فهو يبدأ الرسالة ب«يشرفني أن أحيطكم علما» وينهيها ب«وتفضلوا بقبول فائق التحيات والسلام». هكذا يجب على كل المواطنين الذين يشتكون من عدم قدرتهم على توفير الأموال الكافية لاقتناء أرض للسكن الاقتصادي، أن يضعوا شكواهم جانبا وأن يمسحوا دموعهم ويجلسوا لتحرير طلب إلى سعادة وزير المالية الحالي من أجل الحصول على بقع أرضية بالمساحة التي يرونها كافية بالنسبة لعائلاتهم. ولهم أن يختاروا بين بير قاسم والسويسي وحي الرياض وطريق زعير بالرباط، أو حي كاليفورنيا بالدار البيضاء. وبعد أسابيع على وضع طلباتهم سيأتيهم جواب الوزير بالقبول مرفقا طبعا بفائق التحيات. فهم في وزارة المالية، كما أكد والعلو، يدرسون جميع الطلبات على حد سواء، دون تمييز بين الأسماء العائلية. بمعنى أن طلب عادل بوزوبع يتساوى عندهم مع طلب عادل بوزبال. حقيقة لا أعرف من أين يأتي فتح الله والعلو بهذه القدرة على التصنطيح. فهو يريد أن يقنعنا بأنه منح عقارا بآلاف الأمتار، كان يساوي في تلك الفترة كل متر منه خمسة آلاف درهم، بثمن رمزي لا يتجاوز 370 درهما، لابن وزير يشاركه الحكومة والحزب، فقط لأن هذا الابن المحظوظ وضع طلبا لديه مثله مثل جميع أبناء المغاربة. يجب فعلا أن يكون الإنسان غبيا لكي يصدق ذلك. إن جزءا كبيرا من الخسارة المهينة التي لحقت بالإتحاد الاشتراكي في الانتخابات الأخيرة، يعود بالأساس إلى مثل هذه الأخبار التي يرد فيها اسم والعلو وبوزوبع والأشعري والمالكي. هؤلاء الذين يسيرون اليوم واجمين حزينين في تشييع جنازة الحزب، مع أنهم هم الذين طعنوه من الخلف. إن الذي سرب وثيقة تفويت والعلو للعقار لصالح عادل بوزوبع بذلك الثمن «النضالي»، لا شك أنه سيسرب وثائق أخرى حول فضائح عقارية ومالية مشابهة. فالمثل المغربي يقول «ملي كايتخاصمو الشفارة كايبان المسروق». ولذلك فلا حاجة لأباطرة الاتحاد الاشتراكي اليوم في إلقاء اللائمة على الحاج اليازغي وحده في الإجهاز على الحزب. لأنه إذا كان هناك من مسؤولين مباشرين على تدمير حزب كبير وتاريخي كالاتحاد الاشتراكي، فهم وزراء الاتحاد الذين ظلوا في الحكومة لعشر سنوات كاملة. فقد أثبت التقرير الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات بأن كل الوزارات وعلى رأسها تلك التي تحمل حقائبها وزراء الاتحاد توجد اليوم على حافة الإفلاس. وعندما تتشفى اليوم جريدة الاتحاد الاشتراكي في وزارة التعليم بنشرها لأخبار تحرك السكين وسط جرح الجسد التعليمي، فهي تنسى أن هذه الوزارة كانت إلى حدود الأمس في يد وزير اتحادي يسمى الحبيب المالكي، وأن طريقة تدبيره الكارثية لهذه الوزارة هي التي أعطت هذه النتائج السيئة التي نراها اليوم. لأنه من المستحيل أن نحمل وزير التعليم الحالي الذي لم يقض في منصبه سوى مائة يوم نتائج سنوات من الإجهاز الممنهج للتعليم العمومي على يد الحبيب المالكي ورجاله. واليوم عندما نسمع الجميع ينادي بإنقاذ التعليم هنا والآن، لأن مستقبل المغرب رهين بعملية الإنقاذ هذه، لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نكتفي بتصريح المستشار الملكي مزيان بلفقيه المتباكي حول فشل الإصلاح في مجال التعليم، بل يجب أن يتحمل المسؤولون المباشرون على هذا الفشل نصيبهم من المسؤولية، بمن فيهم مزيان بلفقيه نفسه الذي كان بمثابة وزير التعليم المدبلج في حكومة اليوسفي وجطو. بحيث كان الحبيب المالكي يكتفي أحيانا بتحريك شفتيه في التلفزيون فيما الصوت الحقيقي كان مصدره هو مزيان بلفقيه. تماما كما يحدث في المسلسلات المكسيكية الرديئة. يتحدث تقرير المجلس الأعلى للحسابات أيضا عن الاختلالات في وزارة الثقافة التي خيم فيها الأشعري عشر سنوات كاملة. قبل أن يترك مقعده للسعدية قريطيف ورفاقه السابقين في الحزب والجريدة. قريطيف التي بمجرد ما وضعت رجلها في الوزارة حتى عينت زوجها مستشارا في ديوانها. ولم يكتف السيد عوزري بمنصبه إلى جانب زوجته، بل جلب معه صديقة قديمة للعائلة من أحد البنوك وعينها مديرة لديوان زوجته، فعوزري هو وزير الثقافة الفعلي وليس السعدية قريطيف كما يعتقد عباس الفاسي. وهو الآمر الناهي في الوزارة، الذي يستعد هذه الأيام لإسناد منصب مدير الكتاب وخزانة المحفوظات لمن لا تجربة له في هذا المجال، ضاربا عرض الحائط بترشيحات الأطر التي عملت على خلق وترسيخ مشروع مهم كشبكة القراءة العمومية، وأطر حاصلة على دبلومات عالية في علم المكتبات. وبما أن المثل المغربي يقول «دير مادار جارك ولا بدل باب دارك» فإن السيدة مديرة الديوان بمجرد ما سخنت بلاصتها حتى عينت زوجها هي أيضا مستشارا في الديوان إسوة بالسعدية. ومن يدري، فغدا سيأتي كل أعضاء الديوان بزوجاتهم للاشتغال إلى جانبهم في وزارة الثقافة. بقا ليهم غير يجيبو ولادهم باش تكمل الباهية. والكارثة أن أكثر من عضو في ديوان السيدة وزيرة الثقافة سبق له أن حصل على تعويضات المغادرة الطوعية من وظيفته، وفوق هذا وذاك حصل على عقد عمل مع الوزارة، في زمن ترشيد النفقات التي يتحدث عنها عباس، الذي صادف يوم اختياره من طرف أحد المواقع الإلكترونية رجلا للسنة مع محاصرة مقر حزبه من طرف عشرات الممرضين العاطلين عن العمل حاملين شواهدهم وقارورات البنزين، طبعا ليس للاحتفال مع عباس بمناسبة اختياره رجل السنة. طبعا لن نتحدث عن تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص وزارة البيئة والماء التي كان يحمل حقيبتها اليازغي. فالجميع يعرف أن الوضعية المائية والبيئية في المغرب لم تعرف تدهورا أكبر من الذي عرفته طيلة العشر سنوات الأخيرة. وبعد هذا كله لازال الرفاق في الاتحاد الاشتراكي حائرون يتساءلون، ما الذي وقع لنا في الانتخابات الأخيرة. لماذا عاقبنا المغاربة بهذا الشكل. أين الخلل. ما أفصح الشاعر عندما قال «نعيب الزمان والعيب فينا، وما لزمننا عيب سوانا»...