سيرجيو ياني المناضل اليساري الذي أزعج ولا زال يزعج إسرائيل بتحركاته ومواقفه المناهضة للصهيونية والاستعمار. اعتقله البوليس الإسرائيلي أكثر من أربع مرات لرفضه الانخراط في جيش «الهاغانا». يحلم بعالم المساواة والعدالة الاجتماعية ويشارك في كل المظاهرات والاحتجاجات المناهضة للحرب وفي كل المحافل المناهضة للعنصرية. يقول إنه يريد دولة ديمقراطية ويكره الصهاينة، «ربما أكثر من عمرو موسى أو خالد السفياني». ظل هذا المشاغب يردد في كل حواراته أنه ليس إسرائيليا وأنه ابن القدس وفقط، رغم أنه يحمل جواز سفر إسرائيلي. لا يتردد في وصف الصهاينة ب«العنصريين»، والجيش الإسرائيلي ب«الإجرامي»، وحركة حماس ب«المقاومة». وقبل أن يجيب عن أي سؤال يحك رأسه الذي لسعه بعض الشيب ويطلق كلمات كالرصاص. - غادرت القدس منذ يومين فقط، وجئت إلى المغرب لتقديم مداخلة في «المنتدى الاجتماعي المغاربي» ببوزنيقة، حول الوضع في غزة، فما هي آخر أخبار غزة؟ < الوضع خطير جدا في غزة، وما تنقله وساءل الإعلام الدولية يعكس نوعا ما صورة مصغرة عن واقع الحال، لكن ما أريد توضيحه هنا في المغرب هو أن مشكل غزة ليس جديدا وهو مرتبط في العمق بفوز «حماس» في انتخابات 2006، وبالتالي فبالنسبة إلينا فالحصار الحالي ما هو إلا نتيجة لفوز حركة «حماس» المشروع والديمقراطي في الانتخابات، لكن الهجوم الإسرائيلي الأخير كان «مميزا» بحكم الدعم الكبير والواضح للأوربيين والأمريكيين لجرائم الجيش الإسرائيلي في غزة، لأنهم يشتركون اليوم جميعا في هدف واحد وهو معاداة حماس «الإرهابية»، حسبهم، لأنهم ليس في مصلحتهم أن تكتسح حماس الساحة السياسية، وبالتالي فإنهم يعملون كل شيء ويمارسون كل الضغوطات من أجل إحراج حركة «حماس» سياسيا والدفع بالمجتمع الفلسطيني في اتجاه الأزمة الداخلية. بالفعل الأزمة برزت بشكل كبير مؤخرا في قطاع غزة بحكم الظرف السياسي، ولكن أيضا بحكم قوة المقاومة الفلسطينية هناك ضد الاحتلال وضد العنصرية الإسرائيلية. هدف إسرائيل من الهجمات الأخيرة هو معاقبة أبناء غزة على مقاومتهم. ما يحدث اليوم في غزة هو تعبير عن صمود كرامة الشعب الفلسطيني في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية العنصرية، كما يجب التأكيد على أن المقاومة لا تشمل فقط غزة ولكن أيضا العديد من ضواحي القدس مثل سكان ضاحية «الشيخ سعيد» المجاورة للقدس، هذه الضواحي الصغيرة المقاومة والتي لا ينتبه إليها الإعلام الدولي. - أنت الآن تدافع عن الفلسطينيين وكأنك فلسطيني لكنك في النهاية تحمل جواز سفر إسرائيلي؟ < أنا جئت إلى إسرائيل عندما كنت صغيرا، لأن عائلتي كانت قد طلبت اللجوء السياسي في إسرائيل هربا من الأرجنتين، في النهاية جئنا إلى إسرائيل بحثا عن الديمقراطية، واليوم أجد نفسي في هذا السن لازلت أناضل من أجل حلم عائلتي بالديمقراطية في ذاك البلد، من داخل «مركز المعلومة البديلة»، ونضالنا الأساسي من أجل الديمقراطية يقوم على أساس قاعدتين: الأولى هي فضح كل الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وكل العنف البوليسي والعسكري الإجرامي، الذي تمارسه إسرائيل يوميا ودون توقف. القاعدة الثانية وهي مواجهة الفكر الصهيوني العنصري الحقود على العرب، والذي يقمع العرب في كل مجالات حياتهم: السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك لا زلت إلى اليوم أنا ورفاقي نطالب بالديمقراطية ونناهض الصهيونية من أجل دولة المواطنين وحق العودة. ويمكن أن أقول لك إن عدد اليهود المطالبين بالديمقراطية في إسرائيل وإنهاء الاستعمار يتزايد كل يوم خصوصا في صفوف الشباب، الذين صاروا يرفضون الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، لكن هذا لا يعني أن الطرف الآخر من العنصريين والصهاينة لا يتكاثر، بل على العكس تماما إنهم يفوقوننا عددا، وأعترف في نفس الوقت بأننا أقلية بالفعل داخل إسرائيل، لكننا لن نتوقف وسنواصل نضالنا من أجل الديمقراطية. يجب أن أضيف أنه اليوم في إسرائيل هناك مخاض كبير خصوصا مع تصاعد حركات مناهضة الحرب التي تتكاثر وتكبر يوما بعد يوم، إلى درجة أن وجودها في بعض الأحيان يربك اللعبة السياسية في إسرائيل. الجانب الآخر والأكثر أهمية هو أننا صرنا اليوم نشتغل يدا في يد مع رفاقنا الفلسطسنيينن أو ما نسميه نحن ب»تجسير النضال»، وهذا أمر مهم ويربك الإسرائليين كثيرا ويخيفهم ايضا. كل هذا يؤكد انطلاق حركة اجتماعية من أجل الديمقراطية في المنطقة. - أنت يساري وتشتغل مع الحركات اليسارية الفلسطينية في الغالب ماذا عن الحركات الإسلامية التي تصفها إسرائيل والولاياتالمتحدةالامريكية ب«الإرهابية»؟ < بالنسبة إلي جميع الحركات التي تصفها إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية بالإرهاب هي حركات مقاومة تناهض وتقاوم الإمبريالية والاستعمار، سواء كانت من «الإسلام السياسي» أو غيرها، ونحن نشتغل مع جميع من يريدون بناء مجتمع ديمقراطي. الأكيد أن المحيط الذي أشتغل فيه هو في أغلبه من اليساريين، وبالنسبة إلينا نحن لا يمكن أن نساير المنطق الأمريكي الذي يصف الجميع بالإرهاب من إيران إلى أمريكا اللاتينية مرورا بالعراق، ولا يمكن أن نساير المنطق الإسرائيلي العنصري، فكل من إسرائيل وأمريكا وجهان لعملة واحدة استعمارية مائة في المائة. نحن مع كل من يدافع عن الديمقراطية في المنطقة ويسعى إلى التحرر من الاستعمار كيفما كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين. - ذكرت بعض المواقع على الإنترنت أن السلطات الإسرائيلية اعتقلتك أكثر من أربع مرات لماذا؟ < لقد اعتقلني البوليس الإسرائيلي عدة مرات ببساطة لأنني رفضت أن أنخرط في الجيش الإسرائيلي، ولأنني أرفض الثكنات العنصرية، وكانت آخر مرة سنة 2006. وأنا لا زلت أقول إن الجيش الإسرائيلي هو قلب الصهيونية. - تردد في حواراتك دائما أنك لست إسرائيليا وأن وطنك هو القدس وفقط، ماذا تقصد بذلك؟ < أقول ذلك لأن القدس ليست جزءا من إسرائيل، والقدس ليست إسرائيلية، رغم أنني أحمل جواز سفر إسرائيلي، وذلك لا يشكل بالنسبة، إلي تناقضا لأنني أناهض الاستعمار الإسرائيلي، والعنصرية الصهيونية، وأطالب بالديمقراطية وأحلم بالتغيير، والانتقال من دولة العنصرية إلى الدولة الديمقراطية. - لكنك لحد الآن لم تدل بموقفك السياسي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ < لقد قلت لك أنا أدافع عن دولة ديمقراطية، وأدافع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والفلسطينيون يستطيعون ذلك. وأنا لا أتفق مع طرح الدولتين لأنه في النهاية طرح عنصري، وهو المبدأ الأساسي الذي قامت عليه الصهيونية، ولكنني أطالب بدولة ديمقراطية، وهنا أحيل إلى تجربة جنوب إفريقيا وإلى شعار «رجل واحد صوت واحد» أو «امرأة واحدة صوت واحد»، وهذه العدالة الاجتماعية والمساواة وهي مبادئ الديمقراطية. - في «مركز المعلومة البديلة» تشتغلون كثيرا على موضوع «الجدار العازل»، هل تريدون إسقاطه؟ < (يضحك) ربما، لكن بالنسبة إلينا في المركز الهاجس الأول هو فضح ما أحدثه الجدار من دمار، وفضح كل من يساندون إقامة الجدار خصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي فنحن ننتج العديد من الكتابات من أجل تقريب ما يحدث على جانبي الجدار إلى العالم، ونقل المعلومات البديلة إلى المنتديات الاجتماعية وفي الملتقيات والندوات. الهاجس الثاني هو مناهضة الجدار العازل عبر العديد من الأشكال النضالية والأنشطة المناهضة للفصل العنصري. الهاجس الثالث والمهم هو أننا نعمل على خلق جسور بين الحركات الاجتماعية الفلسطينية والإسرائيلية لوقف التفرقة العنصرية. - سؤال أخير: هل سبق لك أن تخيلت نهاية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ < أظن وللأسف أن الآلة الإسرائيلية ستصير أكثر وحشية من ذي قبل، الأكيد أن إسرائيل خسرت لأنها لم تستطع ترويض الفلسطينيين، لكن رغم ذلك أتساءل هل سيستطيع هذا الشعب تحمل أكثر مما تحمله. ما سيحدث في المستقبل هو عنف أكبر وأخطر. لذلك أقول إنه على المغرب والدول العربية قطع العلاقات مع إسرائيل.