إنهم لا يبرحون أماكنهم ولا يفكرون بتاتا في ترك مناصبهم.. أعتقد أنهم وضعوا لصاق «إيهي» على مواقعهم حتى لا يستطيع أحد إزالتهم منها، وحتى لا يكون في مقدور أي كان انتزاعها منهم. لا شك أنكم عرفتم من هم.. إنهم زعماء الأحزاب المغربية. فقد استفادوا واستفادوا بما فيه الكفاية، فجلهم كان وزيرا وسفيرا وزعيما، لكن لم يعد هذا يكفيهم، فربما يريدون أن يخلدوا في مناصبهم وأن يموتوا ونعوشهم ملفوفة بها، هذا ما يبدو على أرض الواقع. فكلهم منهكون، بلغوا من الكبر عتيا، والغريب في الأمر أنهم يعتبرون أنفسهم ملائكة أطهارا لا توجد بدائل لهم، ولا يعلمون بأن المقابر ملأى بكثيرين مثلهم كانوا يعتبرون أنفسهم أشخاصا لا غنى للسياسة والوطن عنهم. خذوا عباس الفاسي مثلا، كان وزيرا وسفيرا، وبفضل امحمد بوستة أصبح أمينا عاما لحزب الاستقلال ثم وزير دولة فيما بعد، ليصبح في آخر المطاف وزيرا أول لحكومة أقل ما يقال عنها أنها متخبطة ولا وجهة لها. لكن هذا لا يهم... واليوم نراه يسابق الخطى للاستمرار على رأس الأمانة العامة للحزب، رغم ما يعنيه ذلك من تطاول على مؤسسات الحزب ومس بديمقراطية الحزب التي لا تسمح للأمين العام بالترشح لأكثر من ولايتين. خذوا مثلا محمد اليازغي الذي كان مناضلا كبيرا، سجن وعذب حتى إنه كاد يروح ضحية عملية كادت تكلفه حياته. كلنا نتذكر أنه كان كاتبا أول لحزب الاتحاد الاشتراكي ووزيرا للتعمير والبيئة. نفس الشيء ينطبق على أحرضان ومولاي إسماعيل العلوي، كل هؤلاء الزعماء لا ينوون التنحي عن مناصبهم ويرفضون التأمل في ما قاله تشارلز أزنافور: يجب الاستمرار في الابتسامة عندما لا يعود للأشخاص الفضلاء أي اعتبار ويفتح المجال على مصراعيه أمام المفسدين مهما يحصل، يجب علينا أن نحفظ كرامتنا مهما كلفنا ذلك يجب علينا إفساح المجال أمام الآخرين فالمنصب والزعامة، كلها تزول لكن الكرامة لا تموت وهي من ترفع أو تحط من قدر صاحبها اعتاد امحمد بوستة أن يقول: الله يخرج سربيسنا على خير.. انظروا إلى ما فعله عباس الفاسي اليوم، الذي أنكر جميل الشخص الذي حماه وأوصله إلى ما هو عليه الآن.. أقل ما يقال عنه أنه انتهازي.. انظروا إلى اليازغي الذي قضم يد رفيق دربه عبد الرحمان اليوسفي الذي أوصله إلى منصب الزعامة.. بم يفسر سلوك خبيث كهذا؟ أما أحرضان وإسماعيل العلوي فهما رمز المؤامرات والخداع ومازالا يظنان نفسيهما بطلين مغوارين.. لماذا يظلون ملتصقين بالسلطة، أو بعبارة أخرى بهوامشها كالحرباء، إذا لم يكن لهم أي تأثير فيها أو أي دور حقيقي يذكر؟ هل يخشون أن يصبحوا في خبر كان ؟ هل يخشون أن يستحيلوا أشخاصا لا قيمة ولا وزن لهم، أي لا شيء بعبارة أصح؟ إنهم بكل بساطة نتاج ثقافة سياسية تتجذر في تقاليد ثقافية قوتها قرون من «المخزنية»، التي أقصت كل روح ديمقراطية تنبض، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى الزج بعملاء هذا النظام في مزبلة التاريخ، وفي بعض الأحيان إلى تصفيتهم والتبرؤ من عائلاتهم. نادرا ما برز من بين هؤلاء أشخاص عقلاء وأذكياء، عرفوا، في الوقت المناسب كيف ينسحبون في صمت ويبتعدوا عن بريق السلطة دون خسائر، أو كل بساطة.. دون أن يفقدوا حياتهم.