علي أنوزلا منذ زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى منطقة الشرق الأوسط وقطاع غزة يعيش تحت قصف إسرائيلي مكثف، وآخر الإحصاءات تتحدث عن استشهاد أكثر من 35 فلسطينيا منذ أسبوعين في غارات إسرائيلية على القطاع، الذي فرضت عليه إسرائيل إغلاقا كاملا. وخلال ثلاثة أشهر الأخيرة، استشهد أكثر من 150 فلسطينيا في عمليات قصف إسرائيلي. لكن ما لا نسمع عنه هو عدد الشهداء الذين يموتون في صمت من مرضى حرمتهم إسرائيل من حق العلاج خارج القطاع الذي نفدت الأدوية في مستشفياته. وآخر التقارير الطبية تحذر من أن استمرار الحصار سيؤدى إلى إصابة آلاف الأطفال الفلسطينيين بداء الأنيميا (فقر الدم). ما يحصل في غزة هو عقاب جماعي لشعب يرفض الاحتلال، ومحاولة لفرض إرادة المحتل الغاصب بقوة الحديد والنار. وما لم تفلح الآلة العسكرية الإسرائيلية في فرضه على الشعب الفلسطيني يحاول اليوم الحصار الجبان تحقيقه من خلال تجويع شعب بكامله، حيث تتحدث آخر التقارير عن نفاد المؤونة من مخازن منظمات الإغاثة الدولية التي يعتمد عليها 80 في المائة من سكان القطاع للحصول على قوتهم اليومي. منذ فترة وإسرائيل تفكر في التخلص من قطاع غزة، وعندما قرر أرييل شارون عام 2005 الانسحاب من القطاع من جانب واحد، كان ذلك بغاية تحويله إلى سجن كبير للفلسطينيين، وربما سقطت حماس في الفخ الإسرائيلي عندما سجنت نفسها في غزة، وهي التي حصلت على أغلبية أصوات الفلسطينيين في جميع الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة تهدف إلى تفجير المفاوضات المتعثرة أصلا، وترمي إلى إفشال أية تجربة فلسطينية مستقلة لإدارة أراضي فلسطينية محررة، حتى لا تكون تلك ذريعة لمطالبتها بإنهاء احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية، وأكثر من ذلك تخشى إسرائيل من أن تعيد «حماس» في القطاع تجربة «حزب الله» في جنوب لبنان، حيث بدأت المقاومة عام 1982 بصواريخ الكاتيوشا، وانتهت بأكبر هزيمة للجيش الإسرائيلي في صيف عام 2006. أقوى بيانات التنديد بما يحصل في غزة، لم تصدر من أي من العواصم العربية، وإنما جاءت من موسكو التي وصفت خارجيتها ما يجري بأنه إبادة، وقالت إن «إبادة المدنيين، فلسطينيين كانوا أم إسرائيليين، لا يمكن تبريره». أما خبير الأممالمتحدة لشؤون حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، جون دوجارد، فوصف العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل بواسطة طائرات الإف 16 على سكان غزة العزل بال«الجبن»، وطالب بمحاكمة المسؤولين عن قصف حفل زفاف فلسطيني أغلب ضحاياه من النساء والأطفال، باعتبار أولئك المسؤولين مجرمي حرب. الصمت العربي الرسمي والشعبي تجاه ما يحصل في غزة لا يمكن وصمه إلا بالعار، وكل الكلمات الأخرى مهما كانت بليغة لن تكون سوى رطانة لغوية زائدة في الليل العربي الدامس. أما ظلمة ليل غزة الذي فرضته عليهم إسرائيل، فسرعان ما سينبلج فجره لنكتشف عرينا وعارنا. كان إسحاق رابين يتمنى أن يستيقظ ذات صباح ويجد غزة وقد ابتلعها البحر، ونخاف أن نستيقظ نحن ذات صباح ونجد الكارثة قد وقعت.. وحلم رابين قد تحقق...