في يوم حار من سنة 2002 شاركت ضمن وفد الوداد البيضاوي الذي حل بغانا لمواجهة أشانطي كوطوكو برسم نهاية كأس الكؤوس الإفريقية، كانت تلك المدينة النائمة في عمق الأدغال الإفريقية قد مسحت تعاستها وغسلت معاناتها استعدادا للاحتفال بلقب قاري على مرمى حجر، بين العاصمة أكرا ومدينة أشانطي مسافة طويلة، اخترقت الحافلة السياحية التي كانت تقلنا طريقا بين الغابات بلا منعرجات ولا علامات طرقية، أزيد من أربعمائة كيلو متر من وسط الأدغال وسفر ممل في اتجاه مدينة تهرب بعيدا كلما اقتربنا منها. في ساعة متأخرة من الليل توقف محرك السيارة كان البعض غارقا في النوم والبعض يفضحة التثاؤب، نزلنا في فندق بلا نجوم، لكنه يصلح محطة لالتقاط الأنفاس بعد رحلة دامت أربع ساعات من البيضاء إلى فرانكفورت ثم لاغوس فأكرا قبل الوصول إلى مدينة أشانطي، قال أوسكار للاعبيه وهو ينفث دخان سيجارته الأمريكية، استعدوا لكل المفاجآت المهم أننا عثرنا على سرير ومرحاض، كان الوفد الصحفي يبحث قبل أن يستسلم للنوم عن «فاكس» بتسعيرة معقولة لتصدير يوميات الوداد إلى الصحف المغربية، بينما اهتم آخرون بأسعار الصرف. في صباح اليوم الموالي حلت سيدة قيل إنها شقيقة كوفي عنان بمطعم الفندق كان الجميع منهمكا في تناول وجبة الإفطار، تحدثت لأحد المسؤولين عن المغرب وعن ذكرياتها في مراكش وفاس، تبين أنها اشتغلت في السلك الديبلوماسي الغاني بالرباط، وكانت ترتدي جلبابا تقليديا جعل الحارس هشام لعرج يطلق عليها لقب جميعة عنان، حملت دعوة للوفد الودادي من أجل زيارة إمبراطور أشانطي في قصره لتقديم فروض البيعة، فالأعراف تقتضي زيارة الضيوف الكبار لقصر الحاكم والتبرك به. كان القصر العجائبي يظهر من بعيد فوق رابية تطل على مدينة أشانطي، يحيط به حزام من البراريك هنا يتعايش الفقر والثراء، اخترقت الحافلة التي كانت تقل ضيوف الإمبراطور بعد أن توقفت خمس دقائق أمام الحواجز، انتظرنا في غرفة مليئة بمروحيات تحاول تلطيف الجو وطرد الاختناق، قدم لنا رجل عاري يبدو أنه من ديوان الزعيم الروحي للمنطقة فهرس اللقاء طلب منا الوقوف كأطفال المدارس الابتدائية كلما لاحت طلعة الإمبراطور، والانحناء أمامه دون مصافحة أو لغو، وصل الرجل بجسد نصف عاري محاطا بأبنائه وعددهم يفوق عدد الضيوف، جلس على كرسي كبير كاد أن يبتلع جسده النحيف وتمتم بلهجة محلية رد عليها المحاطون به بكورال جماعي غير مفهوم، دعي نصر الدين الدوبلالي رئيس الوداد لتقديم الولاء نيابة عن الفريق، تولى أحدهم الترجمة إلى الفرنسية وحمل إلينا مضامين الكلام الخافت للرجل الذي قرر تعيين الدوبلالي سفيرا لإمبراطورية أشانطي في المغرب، دون أن يمنحه أوراق اعتماد أو يدله على عنوان السفارة في الرباط. في طريق العودة دلنا أحد الصحافيين القدامى على فندق قديم، قال لنا إنه شهد في نهائيات كأس إفريقيا سنة 1978 معارك بين لاعبي المنتخب المغربي، وعلى الرغم من مرور 24 سنة على الحادث فإن آثار الدمار كانت تؤرخ للمعركة التي خدشت مسار الكرة المغربية في النهائيات. فاز الوداد باللقب القاري وتحولت الخيام التي انتصبت استعدادا للحفل إلى خيام لتأبين أشانطي كوطوكو، كان الفوز بمثابة مسكن للآلام أنسى الدوبلالي صفته الديبلوماسية وحوله إلى طفل صغير يرقص في مستودع الملابس والحافلة وفي أحشاء الطائرة العسكرية. اليوم يتواجد المغرب في غانا بوفد كبير وكله أمل في محو صورة نهائيات 1978، وغدا سيخوض منتخبنا أول مباراة وهو يتلمس الطريق نحو اللقب، «على الهواء» سينقل التلفزيون وقائع أول خطوة في خارطة الطريق. قال إمبراطور أشانطي حكمة رائعة وهو يودع الصحافيين المغاربة « أنتم تحكمون إمبراطورية الكرة بسلاح القلم فاعدلو»، وبعد أزيد من عامين تبين أن البعض يحاول أن يحكم بلسانه بعد أن تعطلت فيه العديد من الحواس.