حكيم عنكر «كم يبعد دون كيشوط؟»، هذا هو السؤال الإشكالي الذي يطرحه الشاعر المغربي في ديوانه الصادر حديثا عن دار النهضة العربية، وفيه يجترح الشاعر قصيدته المنحازة إلى حمأة الشعر اليومي، ذلك الشعر الذي لا يفرق عن الشاعر «قيد أنلمة» لأنه يصدر منه، وعلى يديه يتعلم العالم كيف يمشي. محمود عبد الغني شاعر يتحول على يديه الشعر إلى مناسبة للتفكير في المصير الإنساني المشترك، وفي ما يجمع القطيع البشري الذي يمضي يوميا إلى الحرب، ويرقب بعينين كامدتين الحافة التي يتدحرج نحوها الكون. في أتون المأساة والأحلام الكافكاوية، يحلم الشاعر على هيئة دون كيشوت، حتى وإن كانت الحرب مجرد لعبة أو مجرد «غيمة في بنطال»، حرب سمجة، لا أول لها ولا آخر، لأن من يشعلونها هم مجرد حمقى وحيوانات مريضة بالطاعون. في قصائد محمود هذا الولع بالعالم الماكروسكوبي. وبالنظر إلى الجزيئات، إنه يريد أن يقول لنا إن الشعر حتى وإن تخلى على المقولات الكبرى فإنه لا يعدم اليوم موضوعه، حتى في الطبقات السفلى من العالم، أو في الطبقات المطوية في الوعي الإنساني.. اللاوعي هو المصدر وهو الآلة المحركة لكل فعل عقلاني.. هذا هو«مضمون» نظرة شعرية مغربية لشاعر مغربي لا يقل أهمية عن أي شاعر مجد يعيش في رحم القصيدة، لا يدعي صورة الشاعر، ولا يلبس أي قفازات. الشعر هو بيته وهو هويته، بل حديثه اليومي، أو لنقل «حدثه» الأكثر أهمية من المائدة والعائلة وأمور الدنيا الأخرى. وهو بهذا لا يدعي أي دروشة، ولا يفضي بنفسه إلى أي مأزق، ولا يغامر ب«توازن» الشاعر في الأرض، لكنه يسبح في الكون مثل الأفلاك والمجرات ويلمع بضوء الشاعر باحثا عن «أصل الفكرة». شاعر مغربي شديد الاهتمام بمشغله الفكري، فالشعر أيضا ليس ممارسة غنائية، بل هو فكر وفلسفة وعمل كبير على اللغة وعلى الفكرة وتبصر في الشأن الشعري. منذ أيام الجامعة، يواصل محمود عبد الغني كتابة نصه، منتميا إلى جيل شعري عربي بنفس إنساني، مؤكدا على «براعة» الشاعر المغربي في أن يكون ضمن «شطيرة» الشعر الإنساني لأنه ابن الأرض. يكتب عبد الغني في «العربة الفارغة»: عندما مرت العربة الفارغة/تدمر شاعر شهير./زالت الظلمة الشديدة/عندما نبعث من الجانب الأيسر من العربة/أوتار غريبة/ ولوحة ذكية تبوح بهدفها./قال الشاعر الشهير: /العربة من الجيل الثالث، /وأنا مندفع للبحث عن أهدافها، / غير أنها لن تستطيع الصعود/ إلى القرى/ إلى قمم التلال. / وأنا في قصائدي/أحاول تنفيذ العجائب./فهل تحتاجون إلى بعض القهوة / أو بعض النبيذ لفهم الأمر؟ /ثم ادفعوا العربة /إلى الاتجاه الخاطىء./ فكم من شاعر شهير يحاول أن يدفع عربة «الجيل الثالث» إلى الاتجاه الخاطئ، حيث يتحول الشاعر إلى متآمر صغير ضد «التاريخ»..