لم تجد صحيفة «إيل باييس» الإسبانية غير عبارة «بيان بارد» لتصف بها بلاغ وزارة الخارجية المغربية، الصادر عشية يوم أول أمس، الذي يعلن عودة فورية للسفير عمر عزيمان إلى مدريد لإنهاء ثاني أزمة دبلوماسية بين مملكتي مضيق جبل طارق منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش. فالبيان يشير صراحة إلى أن استئناف العلاقات الطبيعية بين البلدين جاء بعد الزيارة التي قام بها ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا إلى الرباط يوم الخميس الماضي، حاملا معه رسالة ود وصداقة من رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد سادس، يبدو أنها حققت هدفها الرئيسي بقرار عودة السفير مزدانا بكلمة «فورا» التي لها معناها العميق في قاموس الدبلوماسية، إنها الأسطر التي جعلت حكومة ثباتيرو تتنفس الصعداء بعد أزمة وظفها اليمين كورقة للضغط على الاشتراكيين الإسبان على أبواب استحقاقات انتخابية حاسمة في الجارة الشمالية. وقبيل القرار المغربي، لم تخف إلينيا بالينسيانو، المكلفة بالعلاقات الدولية للحزب الاشتراكي الإسباني الحاكم، أن بلادها تفضل أن يتخذ المغرب قرار عودة عزيمان قبيل بدء انطلاق الحملة الانتخابية في إسبانيا المرتقبة يوم 22 فبراير المقبل، مما يحيل على أهمية القرار المغربي في الحسابات الانتخابية للحكومة الاشتراكية التي تخشى استغلال ورقة الأزمة مع الرباط من طرف الحزب الشعبي اليميني المعارض الذي لا يخفي بدوره ثقته في عودته إلى قصر المونكلوا بعد غياب دام أربع سنوات. وتحضر حسابات الصحراء أيضا في حسابات الرباط التي لم تختر عبثا تاريخ بدء الجولة الثالثة لمفاوضات مانهاست، بضواحي نيويورك، بين المغرب وجبهة البوليساريو لبث وكالتها الرسمية للأنباء لبلاغ وزارة الخارجية، خصوصا أن بالينسيانو نفسها أكدت قبل ساعات من قرار عودة السفير أن بلادها «مرتبطة جدا» بإيجاد حل لقضية الصحراء، مشيرة إلى أن المغرب قرر فعلا إيجاد حل لقضية الصحراء الذي سيتم بتراض بين طرفي النزاع، مما يتضمن إحالة بطريقة دبلوماسية إلى خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط وترفض التفاوض على حل غيرها لتسوية نزاع عمر أزيد من ثلاثة عقود. ومن المقرر أن يكون أول لقاء رسمي بين دبلوماسيي البلدين خلال الزيارة التي يتوقع أن يقوم بها يومي 15 و16 يناير الجاري وفد دبلوماسي مغربي إلى إسبانيا يترأسه الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي للمشاركة في الملتقى الأول حول تحالف الحضارات الذي اقترحه ثباتيرو عام 2004، وبذلك يطوي الطرفان صفحة خلاف عمقت مرة أخرى إحساسا تاريخيا بعدم الثقة، لكن أثارها ستبقى معلمة في نفوس البلدين الجارين، بعد فتور دام شهرين بعد الزيارة التي قام بها ملك إسبانيا خوان كارلوس وعقيلته دونيا صوفيا إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.