وأخيرا قررت الحكومة المغربية، إعادة سفيرها عمر عزيمان إلى مقر سفارته بالعاصمة الإسبانية مدريد، بعد غياب دام أزيد من سبعين يوما، احتجاجا على زيارة العاهل الإسباني شهر نوفمبر الماضي إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من قبل إسبانيا بالشمال المغربي. "" عودة السفير عزيمان، تقررت إثر الزيارة القصيرة التي قام بها مؤخرا رئيس الدبلوماسية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس إلى الرباط. الآن، وقد تقررت العودة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه، ما هي الشروط أو المطالب التي استجابت لها مدريد حتى تقرر الرباط إعادة سفيرها.. القارئ للبلاغ الصادر عن الخارجية المغربية، والذي يزف خبر عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكتين إلى طبيعتها، لا يجد أدنى إشارة إلى مدينتي سبتة ومليلية، أو قرب انطلاق المفاوضات بين الجانبين بشأنهما.. إذن ما السبب في العاصفة الدبلوماسية التي أثارتها الرباط، حول زيارة الدون خوان كارلوس الأول إلى شمال المغرب، إذا كانت المملكة العربية الوحيدة في شمال أفريقيا بهذا الضعف، ولما إثارة هذه الأزمة من الأصل، ما دامت المدينتان تحت السيادة الإسبانية منذ قرون سواء زارها الملك الإسباني أم لا، فالأعلام الوطنية السائدة في المدينتين هي الأعلام الإسبانية، وليس الأعلام المغربية، واللغة السائدة هناك هي الإسبانية وليس العربية، والصور التي تملأ مخافر الشرطة والمصالح الحكومية، هي صور الملك الإسباني، وليس صور الملك المغربي. إذن فزيارة خوان كارلوس هي تحصيل حاصل، وشيء رمزي، ولم يكن في حاجة إلى مثل هذا اللغط المغربي الذي تمخض في الأخير، انصياعا ذليلا للإرادة الإسبانية، ما دام البلاغ لم يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى الاحتلال الإسباني المقيت لمدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، ولم يشير أيضا لاعتذار الحكومة الإسبانية والملك خوان كارلوس على الزيارة. فقومة الشعب المغربي الاحتجاجية خلال 5و6 شهر نوفمبر الماضي، لم تكن بالأساس منصبة على زيارة الملك الإسباني، ولكن على الاحتلال الإسباني، وكانت تعبيرا على الرغبة في تحرير هذه الأراضي المحتلة، فوجود ملك إسبانيا في سبتة لبضع ساعات مثله في ذلك مثل وجود قوات الحرس المدني الإسباني فيها وعلى حدودها مع التراب المغربي المحرر، حيث يذيقون يوميا الذل والهوان للآلاف من المغاربة عند دخولهم وخروجهم من وإلى المدينة، على غرار ما كان يحصل على معبر إيرتز بين قطاع غزة وإسرائيل.. المغاربة كانوا يظنون أن حكومة بلادهم وبسحب سفيرها من مدريد، لن ترجعه إلا بالإعلان عن نقط مبادئ لبدأ المفاوضات بين المملكتين حول الثغور المحتلة، أو باعتذار الحكومة الإسبانية على زيارة خوان كارلوس على الاقل، لكن لا هذا تم، ولا ذاك قد تم، والسيد عزيمان عاد إلى مبنى السفارة المغربية بمدريد، في حين أن السفير الفينزويلي ما زال قابعا في عاصمة بلاده كراكاس احتجاجا على "قلة الأدب" التي قابل بها وريث الإمبراطورية الكولنيالية الإسبانية خوان كارلوس الرئيس الفينزويلي هوغو تشافيز أثناء القمة الإيبيرو أمريكية، عندما أمر الأول الثاني بإغلاق فمه، وقد ربط تشافيز عودة سفيره باعتذار القصر الملكي الإسباني، مهددا بأنه وفي حالة عدم حدوث ذلك سيبادر إلى تضييق الخناق على الشركات الإسبانية الكبرى العاملة في فينزويلا، وهو الأمر الذي لم تهدد به الرباط ولو من تحت الطاولة. وبعد كل هذه السنوات من السكوت الرسمي على احتلال إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية، يتبن لنا أن السبب وراء ذلك ليس قوة إسبانيا، وإنما ضعف الإرادة المغربية. فما الذي يمنع الرباط من أن تطرح ملف أراضيها المحتلة على مجلس الامن الدولي، وعلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، ولما تظل الرباط وفية لعملها كحارس أمن للحدود الوهمية عند مداخل المدينتين حامية بذلك الاحتلال وقواته، ولما لا تبادر إلى قطع مياه الشرب عن سبتة مثلا، التي تعتمد في إرواء عطشها على مياه جبل بن يونش القريب من المدينة، ولما تظل وفية لسياستها القمعية تجاه كل من توحي له نفسه بتنظيم وقفة أو مسيرة احتجاجية عند مداخل المدينتين، كما حصل مؤخرا مع النائب البرلماني يحيى يحيى المتابع حاليا أمام قضاء الاحتلال الإسباني في مليلية الذي يتابعه بتهمة الخيانة العظمى باعتباره مواطنا إسبانيا من مواليد مدينة مليلية المحتلة. إذن كل هذه الاسئلة تدل على أن استمرار هذين الثغرين المغربيين العربيين المسلمين يعود بالأساس إلى تساهل حكومة المغرب التي لا يهما في هذه الحياة، إلا إظهار الوجه المتسامح لهذا البلد، وتنظيم المهرجانات السينمائية والغنائية، وجلب الاستثمارات التي تزيد من ثروة الأغنياء، ومن فقر الفقراء، ولا تخجل من كونها البلد الأفريقي الوحيد الذي مازالت أراضيه محتلة، وصدق المثل المغربي الذي يقول: آش خاصك العريان؟ خاصني خاتم يا مولاي، عفوا مهرجان يا مولاي. عن يومية "الراية" قطر. البريد الإلكتروني [email protected] الموقع الشبكيwww.elasri.ici.ma