رغم أن تاريخ الاتصالات بالمغرب لا يكاد يتجاوز المائة سنة، فإن التجول بين «التحف» المعروضة في «متحف الاتصالات»، بعرصة مولاي عبد السلام، بمراكش، يجعل المرء يخال نفسه يشاهد تحفاً عمرها آلاف السنين، خاصة وأن الهاتف الجوَّال، مثلا، الذي تحول اليوم إلى جهاز بحجم أصغر ووزن أقل، يبدو مختلفاً، بشكل جذري، عن الهاتف الجوَّال، كما سُوّق أول مرة، والذي يبدو اليوم، بدائياً، بشكل يدفع إلى الشفقة على كل مَنْ تباهى به أول مرة. وبعد أن كان الهاتف الجوَّال، في ما مضى، حكراً على من توفر لهم المال والجاه، فقد صار، اليوم، مشاعاً بين الناس، فقراء وأغنياء، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، ومن لم يمتلك هاتفا واحداً، امتلك اثنين وثلاثة. واليوم، حين يتجول الزائر بين مختلف أشكال الهواتف الثابتة أو الجوالة، المعروضة ب «متحف الاتصالات»، لابد أن يشفق على الطريقة التي كان الناس يهاتفون بها بعضهم البعض، وربما، السخرية ممن كان يحمل هاتفا جوالا، ويتباهى به أمام الناس، كما لو أنه امتلك العالم. وربما، تساءل الزائر عن كيف سيكون شعور من استعمل الهاتف الجوَّال في بداية الربع الأخير من القرن الماضي، مثلا، لو عاش سنوات قليلة ليشاهد آخر صيحات الهاتف الجوَّال، التي يمكن للواحد أن يلتقط بها صوراً وأفلاماً، مع إمكانية الإبحار الإلكتروني، من دون الحديث عن أحجامها الصغيرة وأشكالها المتنوعة، خاصة بعد أن تحول الهاتف، برأي المفكرين وعلماء الاجتماع، إلى قنبلة تواصلية، انفجرت في مجتمعنا، في السنين الأخيرة، على حين غرة، باستثماراتها المالية الضخمة وشركاتها العملاقة، وحوانيتها المنتشرة كالدود في الدروب والأزقة، وبمظاهرها الاستعراضية المتمثلة في غزو الهاتف الجوَّال لكل ردهات الفضاء العمومي، بما في ذلك المدارس والجوامع، ولكل مستويات السلم الاجتماعي، حتى إن إحدى شركات الاتصالات أطلقت جيلا جديداً من الجوَّال ينقل، إضافة إلى المكالمات والرسائل، صورتي المتصِل والمتصَل به، وهو تطور تكنولوجي جعل البعض يقول متهكماً «إن ذلك سيجعل مستعملي هذا الجيل من الهواتف يتخذون كثيراً من الحذر والإجراءات قبل إجراء أية مكالمة، إذ لا يعقل، مثلا، أن ترد امرأة على الهاتف قبل أن تراجع نفسها في المرآة». في مدخل المتحف الزجاجي ل«متحف الاتصالات» تنتصب لوحة تتضمن أهم المحطات التاريخية للتطور التكنولوجي لوسائل الاتصال بالمغرب، التي انطلق التأريخ لها سنة 1883، وهي السنة التي تؤرخ لإدخال أول خط هاتفي بطنجة، حتى سنة 1987، وهو تاريخ إدخال وتشغيل الهاتف الجوَّال، الذي كان وزنه، في بعض الأحيان، يصل إلى ثلاثة أرباع الكيلوغرام، بحجم يعادل عشرات أضعاف هواتف الألفية الثالثة. ومابين هاتف وآخر، من بين الأجهزة المعروضة ب«متحف الاتصالات»، يقف الزائر أمام هواتف ثابتة وجوَّالة ترجع في تاريخها إلى ما بين بداية القرن الماضي ومنتصف عقده الثامن، وهي هواتف لا علاقة لها بما صار يعرف، اليوم، على الأقل، بالهاتف الذكي ودفتر الملاحظات الإلكترونية المجهز بتقنية البلوتوث، أو رسائل الجوَّال، مع إمكانية تصفح المواقع الإلكترونية باستخدام الهاتف المحمول وخدمات تتيح للزبائن قدرات تحميل، أو هواتف برنات خاصة، أو بشاشة تعمل باللمس، دون إغفال كل تلك التقارير التي تقول إن الجوَّال يتسبب في شتى أنواع السرطان. ولا يمكن لتحول هاتف جوال، عمره عشرون أو حتى مائة سنة، إلى تحفة فنية تعرض في متحف «آثار»، كما لو أن عمرها يبلغ مئات أو آلاف السنين، إلا أن يؤكد على حقيقة واحدة، تتلخص في أن التكنولوجيا وحدها من يستطيع اختصار الزمن، وأن حياة الإنسان، بشكلها الرتيب، صارت اليوم تحت رحمة تطور تكنولوجي جارف حوَّل الإنسان من سيد نفسه إلى تابع مغلوب على أمره.