وجدت وزارة الداخلية نفسها طرفا في معركة كسر العظام الجارية بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية بالرباط، بعد أن فضل حزب إلياس العماري الدفع في اتجاه استغلال فضيحة «الخلل العقلي» للعمدة إلى أقصى حد، مع توظيفها سياسيا لإرباك حزب العدالة والتنمية على مشارف الاستحقاقات التشريعية. وأعلن حزب الأصالة والمعاصرة أول أمس عن قرار مكتبه السياسي تعليق مشاركة مستشاريه في أشغال المجلس الجماعي للعاصمة الرباط إلى حين فتح تحقيق من طرف وزارة الداخلية في الاتهامات الموجهة إلى العمدة بالحصول على تعويضات سمينة من شركة «ريضال» مقابل ملف طبي يثبت عجزه، مع «فتح تحقيق في صرف أموال عمومية بطريقة غير أخلاقية». وعلمت «المساء» من مصدر مطلع أن إلياس العماري عقد مباشرة بعد قرار الانسحاب لقاء مع مستشاري «البام» بمقر الحزب، وهو اللقاء الذي أكد فيه أن فضيحة استفادة العمدة من تعويضات بموجب العجز «ثابتة»، وأن الأمر لا يتعلق بملف واحد، بل هناك عدة ملفات تهم شركة «ريضال»، التي يعمل بها عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية، ومن بينهم أطر تربطها علاقات مرتبكة بالشركة المكلفة بالتدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء. وكان قرار الانسحاب، الذي اتخذ من طرف المكتب السياسي لحزب الجرار، قد أعلن من طرف المستشار عزيز بنعزوز مباشرة بعد انطلاق الجلسة التي تميزت بتعزيزات أمنية طوقت بوابة مقر بلدية الرباط تخوفا من تكرار سيناريو الشغب الذي شهدته الدورة السابقة. وربط بنعزوز قرار الحزب ب«ثقل الشبهات» التي تلاحق عمدة الرباط، وقال إن الأمر في «غاية الخطورة، وبالتالي نطالب وزارة الداخلية بفتح تحقيق حتى تتضح الحقيقة كاملة للمستشارين وللرأي العام وسكان الرباط». وأضاف أن «الحزب مستعد للتفاعل مع نتائج التحقيق كيفما كانت، وإذا ثبت أن الأمر مجرد بهتان وافتراءات فنحن مستعدون لتقديم اعتذار، لكن حاليا وإلى أن تكشف الحقيقة كاملة، لا يمكن أن نشتغل في ظل هذه الظروف، لذا نعلن تعليق مشاركتنا». رد العدالة والتنمية على قرار الأصالة والمعاصرة لم يتأخر كثيرا، حيث سارع المستشار رضا بنخلدون إلى استعمال نفس الأسلوب الذي وظفه في عز الأزمة التي شهدها المجلس السابق بين الحزبين على خلفية اتهامات بإقحام اسم مستشار الملك فؤاد عالي الهمة من طرف نائب العمدة السابق عبد السلام بلاجي، بعد حديث بنخلدون عن وجود ملفات فساد أبطالها مستشارون جماعيون، دون أن يقوم بالكشف عنها، مما جر عليه انتقادات بالتستر على المفسدين. وأعاد بنخلدون من جديد سيناريو التلويح بإثارة «ملفات فساد لا نهاية لها»، إذ قال: «إذا أردنا أن نقحم مجموعة من الملفات في عمل المجلس سندخل معركة لا نهاية لها»، وسرد بعض النماذج، منها: «مستشار وقع وثائق وهو لم يعد رئيسا، ومستشار وقع له إشكال مع مواطنة وملفات أخرى كثيرة»، يقول بنخلدون. قبل أن يضيف أن «المجلس لا يتعين أن يدخل في صراع مع السلطة»، في إشارة إلى المراسلة الأخيرة للولاية بعد أن وقع منتخبو العدالة والتنمية في عدة أخطاء جعلت السلطة تتدخل في أكثر من مرة، قبل أن يوجه بنخلدون كلامه إلى عزيز بنعزوز، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، قائلا: «لأول مرة تتحدث الأحزاب بالمجلس، ولا ندري هل هو رئيس فريق أم عضو، علما أن صاحب الكلمة تمت إقالته في وقت سابق لغياباته الكثيرة».