احتضن مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، الأحد 28 فبراير 2016، يوما دراسيا في موضوع «العقيدة الأشعرية في سياقها التاريخي»، أشرف على تنظيمه المجلس العلمي لعمالة وجدة أنجاد، أطره كلّ من مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لوجدة وبعض رؤساء المجالس العلمية بجهة الشرق، وحضره جمهور غفير من أئمة المساجد والخطباء والوعاظ والمرشدين والقيمين وأساتذة وطلبة ومواطنين متتبعين للشأن الديني. بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة استهل مداخلته الافتتاحية تحت عنوان «العقيدة الأشعرية في السياق الحضاري للمغرب»، بالإشارة إلى أن مداخلته هي محاولة لوضع الأصبع على بعض الأشياء التي يرى من الضروري إحاطة الحضور بها، وهي لفت النظر إلى الحقيقة والمساعدة على الفهم، في وطن نعيش فيه بكلّ ما فيه، بماضيه وحاضره وتجلياته في الحاضر وبكلّ التحديات والتوقعات وبكلّ التخوفات، كما أن دعوة الجميع لهذا اللقاء كانت واعية من أجل إكمال الصورة، لأن المشروع مشترك يهدف إلى حماية الفرادة والتميز المغربيين. المحدث نبّه إلى أن «الأمر جدّ لا يحتمل الهزل، ولا المزايدة ولا يتسع للخطوات الطائشة، فيجب على الجميع أن يتحمل دوره في حماية المغرب، وأن لا يكون أحد منا جالسا بمنأى عن المشهد ليقصف الناس. هو مسؤول عما وقع وما سيقع، وليس معذورا في أن يقول بأن الأمور كانت ملتبسة أمامه».واعتبر في تحليله للمشهد الديني في العالم الإسلامي والوقائع فيما سواه مما حوله، مشهدا مُعقّدا جدا وليس بالبساطة التي يتحدث فيها بعض الناس من غير أن تكون لهم دراية بما يقولون، لأن ذلك خطأ جسيم وتبعاته كبيرة، «نحن نريد أن يُحمى المغرب وألا يُجرّ ، بأي داع من الدواعي والدعوات، إلى ما تشهده بعض الساحات في عالمنا الإسلامي من صراعات وخصومات». وأكّد على أن القضية المركزية هي دينية بالأساس، وليست سياسية ولا قضية مواقع، وعلى المتحدث في هذا الشأن أن يكون مطلعا اطلاعا كبيرا على ما يقع ومُلمًّا بالمرجعية الدينية للأحداث، مشيرا إلى أن هناك حركة قوية جدا في العالم الإسلامي للاستيلاء على منصب «إمارة المؤمنين» حيث إن هناك طموح إلى دولة حداثية مدنية في المستقبل. «فتنشأ هناك في الجانب الشيعي دولة ولاية الفقيه ومرجعتيها معروفة ومن لزوميتها القول بالعصمة والطاعة العمياء، أي حينما يعتنق المرء هذا الفكر في أي مكان كان، في المغرب أو في إفريقيا، فقد انضوى وانتمى إلى دولة أخرى ولو أن رجليه على أرضه لأن الأمر ليس بالوجود البدني لكن بالوجود الديني والفكري والعقدي والثقافي»، منبها إلى أن هذه الفكرة هي التي جعلت البعض يعلن عن إمارة المؤمنين في كلّ مكان، ومذكرا بالمُكوّن الشيعي الممتد في العراق ولبنان وليبيا واليمن، وجهات أخرى في الطريق وما يقع من تشييع للسُّنيين، وهو الأمر الذي يتطلب النظر إلى هذا الوضع بالجدّ لا بالعبث. وذكر بنحزة بطبيعة بعض الأحداث الدامية التي تجد أصلها في الخلافات الدينية والعقدية، منها أحداث غرداية بالجزائر بين الإبياضين والمالكيين، كما أثار أحداث 16 ماي وانتقد القائلين بأن الأسباب والدوافع الحقيقية هي الفقر والتهميش والخصاصة، مؤكدا على أن هذا ليس إلا جزءا من السبب، إذ أن الدافع الحقيقي كان ثقافيا وفكريا. وذكر بما يتم ترويجه عقب الأحداث التي شهدتها فرنسا من أن الإرهاب والعنف والتطرف مصدرها المساجد فتتم مضايقتها، اعتبرها «طريقا خاطئا مائة في المائة والواقع أن الإرهاب وليد اختلالات عقدية». وساق في ذلك مثل طائفة ذات مرجعية تكفيرية تعتبر أن كل المساجد في العالم الإسلامي عبارة عن مساجد ضرار باستثناء المسجد الحرام ومسجد قباء والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، ولا تصح الصلاة إلا خلف واحد منهم، مع العلم أنهم لا يصلون في هذه المساجد. واستعرض بنحمزة الأوضاع التي يعيشها العالم العربي والإسلامي من حرب وقتل وسفك للدماء وحراب ودمار، والمتعلقة بالربيع والخريف، وهو أمر يتطلب الاطلاع الدقيق لمعرفة ما يجري حقيقة وما سماه بعملية التفكيك والتفريغ تستهدف الدول العربية الإسلامية، مستشهدا بمقولة لجمال الدين الأفغاني ومفادها أن الاحتلال البريطاني لمصر فكك الجيش المصري بذريعة عدم أهليته. وهو ما قام به الحاكم الأمريكي «بريمر» في العراق بعد احتلاله حيث فكّك الجيش العراقي، على غرار محاولة الاستعمار الفرنسي بالمغرب التي استهدفت إيقاف نشاط جامع القرويين والتي تصدى لها العلماء المغاربة منوها في الوقت نفسه بدور جامع القرويين الذي صان المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية التي أخذ بها المغاربة ولا زالوا عليهما. وذكر نموذجا لهذه السياسة محاولة إلغاء الجنرال الفرنسي «اليوطي» تقليد سلطان الطلبة الذي كان حفلا تقليديا يكرم أحسن الطلبة وأنجبهم والذي كان يستظل بمظلة السلطان. رئيس المجلس العلمي أكد على أن المغرب كان قويا علميا وفقهيا، خلافا لما يروجه البعض في المشرق ممن يجهلونه ويتجاهلونه، ودافع عن وسطية واعتدال المذهب المالكي، الذي يرى أن له شقان، وجه فقهي وثان عقدي، رادًّا على من يصفون المغرب بالسلفي الوهابي، وقال إن المغاربة وهم يحتكمون إلى المذهب المالكي كلهم سلفيون مادام الإمام مالك كان سلفيا على طريقة السلف الصالح. واستعرض العقيدة السنية الأشعرية مركزا على اعتدالها ووسطيتها، وعلى اعتمادها المجاز في تأويل كلام الله عز وجل مع تنكب التشبيه والتعطيل وتنكب التأويلات الباطنية، معتمدا في ذلك مصادر ومراجع من أجل الوصول إلى حقيقة هذه العقيدة التي تصون ثوابت الأمة المغربية التي تتمثل في مذهبها الفقهي المالكي وعقيدتها الأشعرية وإمارة المؤمنين. واستنكر أفعال هؤلاء الذين يقتلون الناس بدافع ديني بعد تكفيرهم لأنهم تاركو عمل ويخالفونهم في الفكر الذي يعتنقونه ويفهمونه فهما معكوسا وكانوا على خطأ وجاهلين وليسوا فقراء ومهمشين، والتي اعتبرها أفعالا جنائية، في الوقت الذي أكد على أن الأشعرية لا تكفر أحدا من أهل الملّة بذنبه، بل تعتبره مؤمنا مسلما قد يكون عاصيا وفاسقا، «وهو ما يفسر أن القتل لم يكن في البلاد التي تنتشر فيها الأشعرية، والأماكن التي تسيل فيها الدماء ليس فيها الأشعرية. فلا يجوز تغييب الدين والمعرفة الشرعية». واختتم مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لوجدة بالتحذير من المؤامرات التي تحاك ضد ثوابت المغرب مذهبا وعقيدة، « الذي يجب أن يكون مُسَلَّماً به وقطعيا ونحرص عليه هو سلامة وحدة البلد وألا نتيح الفرصة لخلخلة التماسك لأن الذي يرى ما يقع في العالم الإسلامي الذي يشهد يوما عمليات من القتل والذبح، عليه أن يربأ بهذه الأمة ويحرص عليها وألا يوقعها في هذه المهالك».