انعقدت على مدى يومين أشغال المجلس العلمي الأعلى، وكان محور هذه الدورة هو الإمام المؤطر. ويدخل هذا المشروع، الذي يشمل 1400 إمام، في إطار تأهيل الحقل الديني وترشيده في سياق محاربة الأفكار الشاذة والدخيلة، وفي سياق محاربة التكفير وأطروحات التدمير والقتل، وإشاعة دين المحبة والسلام والبناء. فالمغرب معروف بتبنيه لمذهب الاعتدال ولمدرسة الوسطية والانفتاح من داخل الإسلام، الذي جاء به الرسول الكريم الذي قال فيه الله عز وجل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ولم يكن في يوم من الأيام داعية إلى القتل والذبح كما تروج جماعات الإرهاب الديني، التي خرجت من رحم "الإسلاميين الديمقراطيين"، ولكنه كان داعية للرحمة، ولم يكن غازيا كما صور التاريخ المزور ولكن كان مدافعا عن الجماعة الإسلامية الأولى التي كانت تقود دولة المدينة. إن اختيارات المغرب الدينية واضحة، ورغم وجود اختراقات حزبية ودعوية ومذهبية للمغرب، إلا ان الإمامة الجامعة، التي تمثلها إمارة المؤمنين تعتبر حصنا حصينا أمام تهديد الهوية المذهبية للمغرب، الذي ظل على امتداد التاريخ منفتحا على الأفكار العالمية، وعلى المدارس الفكرية، وعلى المذاهب الإسلامية دون إقصاء ولا تكفير. وما لا يعرفه الكثيرون هو أن المغرب تبنى المالكية أو اكتملت فيه كمدرسة فقهية، لكن بخصوصيات كثيرة، هي التي تجعل منه مدرسة في الانفتاح والتعايش السلمي والعيش المشترك مع المختلف دينيا وعقديا، والمالكية في المغرب تختلف تمام الاختلاف عن مالكية باقي البلدان، التي لم تميز بين تصحر الجزيرة العربية وبين تصحر الفكر. وانفتحت المدرسة المغربية فقهيا وكلاميا وسلوكيا حتى أنتجت هذا النهج، الذي يعتبر الضامنة للقضاء على الأفكار المتطرفة والإرهاب، والقضاء على الشذوذ المذهبي القاتل، وتعايش في هذا البلد كل أنواع الأديان والثقافات والحضارات، هذا التنوع الذي وجد المشرع نفسه مضطرا للتذكير به في ديباجة الدستور، لأن هوية البلد حاكمة على تشريعاته وقوانينه ومؤطرة لانفتاحه على العالم. الإمام المؤطر ليس آلة ميكانيكية يتم إدخال فيها إدخال الناس وإخراجهم في نمط معين، بل على العكس من ذلك المدرسة المغربية في التعامل مع النص الديني ضد النمطية، وقد عُرف المغاربة بإتقان فقه النوازل، أي التعامل مع الواقع قبل النص وتفكيك خلفيات القضية قبل الجواب الديني، ولهذا فإن دور الإمام المؤطر تفاعلي مع محيطه ومع المساجد التي يؤمها وينشر فيها دعوة الرحمة الإسلامية التي تبناها المغرب. وهذا ما لخصه رئيس المجلس العلامة محمد يسف يقوله "إن الله حبا المغرب بقيادة تتمثل في إمارة المؤمنين حافظ عليها المغرب لأكثر من 1200 سنة"، موضحا أن المغرب أيضا بقي على مدى القرون محافظا وفي نفس الآن منفتحا على كل "جديد مفيد"، معتبرا أن هذه الخصوصية هي التي جعلته يتميز على غيره من البلدان، لا من حيث منظومته السياسية أو مقاربته الشمولية المندمجة في مباشرة الإصلاحات الدينية والقضائية، وفق توجه صاحب الجلالة، الذي يراهن على التنمية في شقيها المادي والروحي".