كما كان متوقعا، تمكن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من تمرير التعديلات الدستورية التي تم الإفصاح عنها بداية العام الجاري، يناير 2016، عبر القفز على الاحتكام إلى الإرادة الشعبية بواسطة الاستفتاء الشعبي العام، والاكتفاء بالبرلمان الجزائري بغرفتيه المجلس الوطني الشعبي التي تسيطر عليه أحزاب «التحالف الرئاسي» في نسخة معدلة، ومجلس الأمة، والذي يكفي أن للرئيس حق تعيين ثلثه فيما يعرف بالثلث الرئاسي! ما يترجم بأن عملية المرور وقبلها لعبة التعديلات الدستورية برمتها، كانت مجرد نزهة سياسية، وعملية جراحية تجميلية سطحية عمل فيها مشرط الرئيس من دون أن يحتاج حتى إلى تخدير موضعي ناهيك عن التخدير العام، لأن المريض كان فاقدا الإحساس بالشعور من أصله، بل كان جثة هامدة تتلاعب بها الأيدي كما يحلو لها. والمقصود بالجثة الهامدة: المشهد السياسي الجزائري خصوصا في شقه الحزبي بشتى تلويناته. أما عن الإرادة والمتابعة الشعبية فمن الواضح أن المواطن الجزائري وبعد نكسة 1992 وانقلاب العرس الديمقراطي إلى عرس الدم، يبدو أنه قد اعتزل الشأن السياسي، وهجر كلمة ديمقراطية وكل مشتقاتها ! وعليه فلا فرق بين دستور 2008 والذي فتح الباب مشرعا أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ليضيف إلى رصيده عهدتين إضافيتين 2009، و2014، والدستور الحالي الذي يتبجح به نفس صانعي دستور 2008 أو دستور العهد المفتوحة، لأنه قد حدد عدد العهد الرئاسية المتاحة في عهدتين لا ثالث لهما، إلا في طريقة تبرير الخرجات الدستورية التي تتكلف الطبقة الحزبية المكلفة بالتطبيل الدستوري والسياسي حسب مزاج ساكني قصر المرادية. لذا، ففي الكثير من الأحيان قد نجد العذر المبرر لحالة العزوف الشعبي عن السياسة وعن الساسة أنفسهم الذين تجاوزتهم الأحداث منذ 1992، بحيث أضحوا مجرد أثاث سياسي برتبة ديكور لأداء أدوار سواء بوعي أو بلا وعي، في لعبة سياسية أضحت مع توالي العقود والسنوات بلا روح أو معنى. وهكذا، اجتمع البرلمان الجزائري يوم الأحد 7 فبراير وبطلب من الرئيس، وعقب بتزكية من المجلس الدستوري، الذي أفتى بدستورية التعديلات وعدم حاجتها إلى استفتاء شعبي رغم أن الوثيقة الحالية التي عرضت على التصويت قد أضافت 38 مادة جديدة علاوة 78 تعديل مس المواد القديمة، ما يعني أننا أمام دستور جديد لا علاقة له بدستور 2008، ومع ذلك لم ير المجلس الدستوري الحاجة ماسة إلى الاستفتاء الشعبي العام! لتجتمع قبلها بثلاثة أيام اللجنة البرلمانية المشتركة، المكونة من الغرفتين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة للنظر في كيفية تدبير عملية التصويت داخل البرلمان على الدستور الجديد. اللجنة ترأسها جمال ولد عباس الوزير السابق في الصحة، باعتباره أكبر الأعضاء سنا. وهكذا خرجت اللجنة بحل عبقري من شأنه أن يخرج الجميع من ورطة مناقشة مواد الدستور قبل التصويت. إذ قررت اللجنة المشتركة بأن يكون التصويت علنيا عبر آلية رفع الأيادي، حتى يتم تجنب أية مفاجأة أو مناورة في الخفاء، وقبل التصويت أغرقت قبة البرلمان بالكلمات الافتتاحية، سواء لرئيس الجلسة عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة والذي تكفل بتسيير الجلسة التصويتية، أو الوزير الأول عبد المالك سلال والذي ألقى كلمتين الأولى قبل التصويت والثانية بعد التصويت! وحتى يتم التأثيث الديمقراطي للجلسة فقد منحت الكلمة لأعضاء الفرق البرلمانية على أن لا تتجاوز 10 دقائق، وأن لا تكون مناقشة للدستور ولا لمواده، بل كلمات انطباعية لا تقدم ولا تؤخر، ومن أجل رفع الملام على الفرق البرلمانية وعدم إحراجها وعدت اللجنة المشتركة بالأخذ بعين الاعتبار كلمات الفرق المتدخلة عند المرور إلى مرحلة إخراج القوانين العضوية المفسرة لمواد الدستور. ما يعني بأن البرلمان الجزائري قد صوت على الدستور من دون مناقشته! علما بأن الأعراف الدستورية والتقاليد الديمقراطية كانت تفرض أن يعرض الدستور على البرلمان لمناقشته مادة مادة ! ليمر الجمع للتصويت العام المباشر على مواد الدستور جملة وتفصيلا، حيث حصدت الأيادي المؤيدة للتعديلات 499 صوتا، مقابل صوتين يتيمين بلا، و16 ممتنعا. ويذكر أن عدد الحضور من البرلمانيين بالغرفتين قد بلغ 512 نائبا+ 5 توكيلات، من إجمالي 606 نائبا، وهو عدد نواب البرلمان بقبتيه، منهم 462 بالمجلس الشعبي الوطني، و144 بمجلس الأمة حيث ثلث المجلس يعينه الرئيس بشكل مباشر. هدايا المجلس الدستوري للرئيس بوتفليقة يبدو أن سيناريو إخراج دستور 2016 كان معدا بدقة متناهية، بغية تجنب أية مفاجأة غير سارة. والمقصود بالمفاجأة أو المفاجآت بصيغة الجمع هي طريقة ونتيجة الاستفتاء على الدستور. ومن الواضح بأن المسألة الدستورية في عهد الرئيس بوتفليقة قد تم فصلها عن الاستفتاء العام. فمند 2008 والدساتير المولدة حسب الظرفية السياسية يتم الاكتفاء فيها بالتصويت عليها داخل أروقة البرلمان الجزائري بغرفتيه المجلس الوطني الشعبي/ البرلمان، ومجلس الأمة/ مجلس المستشارين. في منأى تام عن الشارع الجزائري، والذي لم يعد يهتم بكواليس قصر المرادية وما يحدث فيها، بقدر ما مجمل اهتمامه حول اقتطاع مسكن من المساكن التي يوزعها الرئيس بوتفليقة على الجزائريين، والتي أضحت ركنا قارا في نشرات التلفزيون الجزائري، باعتبارها من أهم الإنجازات والمكتسبات الشعبية للرئيس صاحب الأفضال في انتشال الجزائر والجزائريين من سنوات الجمر والرصاص إلى سنوات المساكن المجانية والأمان. المجلس الدستوري، والذي يرأسه وزير الخارجية السابق في حكومة السيد رئيس الجمهورية وبقيادة أحمد أويحيى حينها، مراد مدلسي لم ينس رد الجميل للرئيس بوتفليقة. لذلك جاء قرار المجلس الدستوري متوافقا وانتظارات سكان قصر المرادية، بحيث جرت رياح المجلس الدستوري بما اشتهته سفن قصر المرادية. وقد أوضح المجلس الدستوري في قراره بأن المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، كما لا يمس بأي كيفية «التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية»، مما يعني بأن المشروع يمكن تمريره عن طريق البرلمان دون الحاجة إلى استفتاء شعبي. وزاد البيان المعلل للمجلس الدستوري، بأنه وبعد مداولته التي استمرت من 20 إلى 28 يناير 2016 برئاسة رئيسه مراد مدلسي، أصدر هذا الأخير رأيه المعلل الذي صرح بموجبه أنه طبقا لأحكام الدستور، سيما المادة 176 منه بأن مشروع القانون المتضمن تعديل الدستور الذي بادر به رئيس الجمهورية، والذي أخطر بشأنه المجلس الدستوري للإدلاء برأيه المعلل، «لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية». ومضيفا بأنه قد «تم إبلاغ رأي المجلس الدستوري المعلل إلى السيد رئيس الجمهورية، والذي سينشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية». وبالعودة للمادة 176 من الدستور الجزائري الأخير، في نسخة 2008 والتي تؤكد بأنه: «إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية وعلل رأيه، أمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.» وبذلك كفى المجلس الدستوري برئاسة وزير الخارجية السابق مراد مدلس السيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الاحتكام إلى الاستفتاء الشعبي العام. وعلى غرار قرار المجلس الدستوري، فإن تصويت البرلمان الجزائري بغرفتيه لم يخرج أو يحيد عن القاعدة السياسية التي تقول بأن: طلبات قصر المرادية هي أوامر لا تقبل المناقشة ولا التأجيل! صحيح أنه قبل الوصول إلى يوم التصويت اجتمعت لجنة مكونة من الغرفتين لوضع اللمسات الأخيرة للتصويت، وأعطيت إشارة الافتتاح الوزير الأول عبد المالك سلال الذي وعظ الجمع بأن الدستور الجديد هو ترجمة لعهد جديد، بل وللجمهورية الثانية! أكثر من ذلك عللت الشخصيات النيابية الحزبية حضورها أشغال اللجنة المشتركة بما فيها أحزاب تحسب على المعارضة مثل حزب العمال الجزائري، بأنهم جاءوا من أجل الجزائر! علما أن مدارستهم لم يكن بمقدورها تغيير فاصلة أو نقطة ترقيمية عن مكانها، ولو من باب المراجعة اللغوية الإملائية، ناهيك عن إدخال تعديل أو تغيير على مادة من المواد. أما الأغرب من ذلك فهو موقف المجلس الدستوري الذي قفز على 74 تعديلا و38 مادة جديدة، شملتها النسخة الدستورية ل 2016! بل إن بعض الإضافات قد شملت ما يمكن تسميته بالمبادئ العامة، مثل إقرار عدم إمكانية أي تعديل في المستقبل من المساس بالمادة74 الخاصة بالولايتين الرئاسيتين اللتين لا يمكن تجاوزهما. بل إن خطاب الوزير الأول والطبقة السياسية المروجة للدستور الجديد وهي تصف الدستور الحالي بأنه خطوة وعهد جديد وجمهورية ثانية وعبارات الثناء الدستوري تتنافى مع رأي المجلس الدستوري الذي اعتبر أن التعديلات الجديدة لم تمس بالجوهر! قالوا عن دستور 2016 عبد الرزاق مقري المعارضة/رئيس حركة مجتمع السلم… دستور الرئيس جدير بالقرون الوسطى التعديل الدستوري لم يأت بشيء جديد، باعتبار أنه تكريس لملكية مطلقة تعود إلى عهد القرون الوسطى لأن الرئيس يتمسك بكل الصلاحيات وحين العجز يحمّل المسؤولية للحكومة. عبد المالك سلال الوزير الأول … الدستور سيؤسس للجمهورية الجزائرية الثانية الدستور الجديد يهدف إلى إعادة تأسيس النظام الجمهوري في الجزائر كونه يرتكز أساسا على الانفتاح والحريات مع الحفاظ على مقومات الدولة، و هو بمثابة المشروع المجتمعي الجديد وأحسن جواب على المشككين ودعاة التيئيس العمل والأمل وعدم الرجوع إلى الوراء. علي بن فليس المعارضة/رئيس حزب طلائع الحريات … مناورة سياسوية من خلف الستار التعديلات المقترحة ما هي إلا محاولة من قبل النظام لإلهاء الرأي العام عن مشروعه الحقيقي، وهو إطالة ديمومته قدر الإمكان، وإعداد المسرح السياسي، وتهيئته لساكن قصر المرادية الجديد خلفا لبوتفليقة، وهو ما كنا نتوقعه. أحمد أويحي حكومي / الأمين العام بالنيابة لحزب RND … نساند بصفة مطلقة دستور الرئيس أبدينا ارتياحنا الكبير لمضمون هذه الوثيقة التي أخذت بعين الاعتبار الاقتراحات التي تقدم بها التجمع الوطني الديمقراطي أثناء المشاورات التي جرت بشأن مشروع تعديل الدستور. عبد الله جاب الله المعارضة/رئيس جبهة العدالة والتنمية … الدستور الحالي مكانه سلة المهملات الدستور الحالي حوى ما لا يحصى من النقائص والتجاوزات، و كرس صلاحيات رئيس الجمهورية والتي لم تتغير، وأهمل كليا مبدأ التوازن في الصلاحيات بين السلطات، فضلا عن إهمال الرقابة بكل أنواعها على السلطة. محمد نبو المعارضة/السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية … التعديل الدستوري لن يحمل أي حلول للأزمة التعديل الدستوري لم ولن يحمل أي حلول تساعد على الخروج من الأسباب الحقيقية للأزمة، فليست هذه الوثيقة التي تم إعدادها والتي سيتم المصادقة عليها لا محالة بنفس الطرق الاعتباطية السابقة من شأنها أن توفر الحلول لهذه الأزمة. عزلة المعارضة السياسية بالجزائر وتشتتها لم تألوا المعارضة السياسية الجزائرية جهدا في التعبير الصارخ والصريح، عن معارضتها للتعديلات الدستورية التي أقدم عليها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فهي ترى بأن هذه التعديلات هي مجرد تحسينات أدخلت على الدستور، ولا تستجيب لتحديات المرحلة ولا تحقق الحد الأدنى من مطالبها، وبأنها لن تغير من موازين القوى في شيء، ومعتبرة بأن التعديلات الدستورية الأخيرة لم تكن بالاستجابة لمنطق الإصلاح السياسي الشامل المبني على فتح قنوات الحوار وعدم الإقصاء، بقدر ما كان من أجل استدراك أخطاء الماضي والعمليات التجميلية الدستورية غير الموفقة والتي تلاعبت بالدستور على حسب مزاج الماسكين بالحكم، في إشارة إلى المادة 74 من الدستور والتي حددت العهدة الرئاسية المتاحة في عهدتين غير قابلتين للتجديد. وترى المعارضة أن نفس الوجوه المصفقة والمطبلة عام 2008 من أجل التمديد المفتوح واللا محدود للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، هي نفسها الوجوه المؤيدة اليوم للتعديلات الدستورية الحالية! ما يترجم أن الدستور ما هو إلا وثيقة يتلاعب بها الأقوياء، وتبرر لها جوقة موضوعة بعناية من أجل تأثيث المشهد السياسي وملء مقاعد البرلمان بغرفتيه المجلس الوطني الشعبي ومجلس الأمة، للاستعانة به عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك. أما فيما يتعلق بإنشاء لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، فهي مجرد لجنة فاقدة لأدنى الصلاحيات، فهي لا تشرف فعليا على الانتخابات، والتي تبقى من اختصاص وزارة الداخلية. أما عن المادة 51 والتي تمثل إقصاء صريحا لأزيد من خمسة ملايين جزائري من الجالية المقيمة بالخارج، وتمنعهم من تولي وظائف سامية أسوة بجزائريي الداخل، وهو ما يعد خرقا دستوريا غير مسبوق، لا علاقة له بما يتبجح به مهندسو الدستور الجديد بأنه يدخل ضمن سيادة الدولة والأمن القومي. وتبقى النقطة التي أفاضت الكأس هي تجنب المحيط الرئاسي الالتجاء إلى الاستفتاء الشعبي على وثيقة الدستور الجديدة والاكتفاء بالبرلمان والذي أتى عبر انتخابات موضوعة بدقة متناهية، ولعبت فيها يد السلطة كما شاءت وفتحت فيها الباب أمام المال أو بتعبير الجزائريين أصحاب الشكارة، في إشارة صريحة إلى زواج المال والسلطة. على عكس ما حدث في 1999 عبر الاستفتاء للموافقة على قانون الوئام المدني، وفي 2005 في الاستفتاء على قانون المصالحة الوطنية. والحال أن المعارضة الجزائرية تعيش أحلك أيامها، في عزلة رهيبة عن الشارع الجزائري، ليس نتيجة شعبية الرئيس وسياسته، ولكن نتيجة حالة اليأس السياسي العارم التي أصابت المواطن الجزائري، والذي اعتزل السياسة منذ زمن طويل، ونتيجة أيضا المطالب اليومية الاجتماعية الملحة، والتي لا يمكن تحقيقها عبر السياسة بقدر ما تفرض فرضا عبر لغة الاحتجاج، وهو ما تعترف به السلطة الحاكمة بالجزائر، مطلقة عليه تسمية شراء السلم الاجتماعي، فهي تعترف بأنها تدفع المليارات من الدولارات من عائدات المحروقات التي تمثل 95% من صادرات الجزائر، من أجل إسكات المواطن الجزائري عبر منحه لسكن مجاني وتوظيفات في سلك الوظيفة العمومية ومنح الشباب لقروض لإنشاء مشاريع خاصة. وفي المقابل تشتتت المعارضة إلى مجموعات وتكتلات منها التكتلات البرلمانية التي تعارض من داخل القبة البرلمانية مثل: تكتل الجزائر الخضراء، والذي كان تمرة تحالف قوى تنتمي إلى التيار الإسلامي تمثل كلا من حركة مجتمع السلم، وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني، والذي أعلن مقاطعته للوثيقة الدستورية، حضورا ومناقشة. أما حزب الشيخ عبد الله جاب الله، فلم يخف انتقاده الشديد والمباشر للوثيقة الدستورية الجديدة قائلا: «أنا أول المقاطعين لمشروع الدستور الجديد» ومعتبرا بأن مكانه أي التعديل الدستوري الأخير سلة المهملات! بعد أن أفرغ عدة مؤسسات من محتواها وجعلها تابعة للسلطة كالهيئة الوطنية لمراقبة الانتخابات التي كانت مطلبا مشتركا للمعارضة كلها، على اعتبارها الواجهة الديمقراطية والمشرفة للدول التي تحترم نفسها، وهو ما يعد دليلا على أن السلطة «مازالت بعيدة عن فهم دروس الماضي، ولازالت تفضل الهروب إلى الأمام. من جانبها جبهة القوى الاشتراكية في نسختها المهادنة بعد الإطاحة بأمينها السابق كريم طابو، أعلنت بدورها موقف المقاطعة للدستور الحالي. إضافة إلى معارضة سياسية تعمل من خارج البرلمان، وتضم شخصيات سياسية وأحزاب جديدة التأسيس مثل حزب المرشح الرئاسي السابق ورئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس وحزبه الجديد حزب طلائع الحريات والذي اعتبر بأن المسار التنازعي الذي اتخذه تعديل الدستور، بسبب انعدام شرعية مصدر المبادرة مضافة لانعدام شرعية، البرلمان، وفقدانه لتمثيل الإرادة الشعبية والذي طلب منه المصادقة عليه، وكذا بسبب كون المجلس الدستوري المنتظر منه تأكيد قانونيته، هو مجرد مؤسسة تسير بالأوامر وفاقدة لحرية القرار. فضلا عن شخصيات سياسية معارضة مثل رئيس حكومة الشاذلي بن جديد مولود حمروش وأحمد بن بيتور وسيد أحمد غزالي وآخرين…. وتبقى أغرب وضعية هي تلك التي يعرفها حزب العمال الجزائري ذو المرجعية التروتسكية، والذي تعرض قبيل أيام فقط لهزة تنظيمية داخلية كادت تطيح بأمينته العامة لويزة حنون، من طرف حركة تصحيحية حركتها بيادق السلطة من أجل الضغط الناعم على الأمينة العامة وتصريحاتها وتحركاتها. وهو ما يبدو أنه قد أتى أكله، عبر موقف متضارب وغير مفهوم للحزب! فهو لم يصوت بلا على الدستور لأنه يرى بأنه قد حوى تعديلات معتبرة بخصوص المسألة الاقتصادية والفوارق الطبقية…وفي المقابل لم يرق إلى تطلعات الحزب! فالحزب يحاول الجمع بين الموقف التاريخي المعارض وبين تجنب إغضاب قصر المرادية. لذلك زعم في وقت سابق عدم حضور أشغال اللجنة البرلمانية الموسعة، وهو ما ثبت عكسه إذ حضر الحزب أشغال اللجنة، وكرس موقفه المتضارب عبر حضور أمينة العامة لوزيرة حنون يوم التصويت على الدستور!