الشعوب الأولى التي عرفت التصفيق كانت تمارسه في الطقوس، وتؤدي مقابلا لمن يقوم به، كما أن الدراسات أثبتت أن التصفيق ظاهرة قهرية تنطوي على نوع من الخنوع والاستسلام الذي يتضمن جوانب انتهازية ووصولية، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأحزاب المغربية من توظيف هذه العادة في مؤتمراتها كبديل حاسم عن صناديق التصويت. فالطريقة التي تم بها انتخاب إلياس العماري على رأس الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، ومن قبله امحند العنصر على رأس الحركة الشعبية، أعادت إلى الواجهة تساؤلات عريضة حول كيفية صنع الزعامات، وإعداد وطبخ المؤتمرات الحزبية بالمغرب، بعد أن تخلت الكثير من الأحزاب السياسية عن صناديق الاقتراع، وعوضتها بلغة الإشارات. فالموضة القائمة حاليا هي الهتاف والتصفيق ورفع الأيادي والوقوف ترحيبا بالمرشح الفريد، الذي سيتقدم لتسلم الأمانة العامة للحزب دون منافس ودون أي اعتراض، بعد أن أشرف طبعا على كافة التفاصيل المرتبطة بالمؤتمر، بما فيها نصب الخيمة وطبيعة الولائم التي ستقدم بعد التدقيق في لوائح المؤتمرين، وحذف كل عنصر يحمل جينات التمرد على ما يقع. هذه الطفرة الحاصلة في اختيار أو الاستسلام لزعامات فرضت أو طفت على المشهد السياسي لا تعكس حسب عدد من المتتبعين تطور الديمقراطية الداخلية للأحزاب حد التسليم والاقتناع المطلق بالقدرات الخارقة للمرشح الوحيد، بقدر ما تكشف أن بعض الأحزاب المغربية تحولت فعلا إلى ملكيات وضيعات يوزع فيها الريع على المريدين على شكل مناصب بالمكتب السياسي أو اللجنة المركزية أو وظائف وتعيينات في مناصب سامية، مع تسليط سيف التأديب والطرد على العصاة والخارجين عن الطاعة، لتعبيد الطريق لانتخابات على المقاس في المؤتمرات القادمة بعد الحسم بشكل مسبق في جميع التفاصيل. جزء من هذا الواقع تكشفه طريقة تصريف أشغال عدد من المؤتمرات، حيث يتضح أن معظم المؤتمرين يأتون إما للدفاع عن بعض المصالح الشخصية مستغلين الظرف، أو للتصفيق دون فهم، أو لإشباع بطونهم قبل الرحيل، ليتحول الحزب بعدها لرهينة في يد شخص واحد سيصبح مركز الحزب، لتدور جميع الهياكل الموازية في فلكه، وينفرد باتخاذ القرار. والواقع أن اللجوء إلى التصفيق يعكس نوعا من عدم الثقة، فرضته المؤتمرات الأخيرة لعدد من الأحزاب التي تم فيها تفعيل صندوق التصويت، لتتحول إلى صراع ديكة بين المرشحين وأنصارهم، ومعارك استعملت الكراسي ووظفت فيها ألفاظ نابية تحت «السمطة»، كما حدث في مؤتمر حزب الاستقلال، وهو نفس السيناريو الذي عاشه حزب الاتحاد الاشتراكي مع انتخاب لشكر، مما عبد الطريق لميلاد حركات تصحيحية. كما أن استعمال موضة التصفيق والهتاف كإبهار مرئي في انتخاب القيادات الحزبية لا يكتمل إلا من خلال بعض الإضافات والبهارات اللازمة لإضفاء نكهة ديمقراطية على اختيار المرشح الوحيد، إما من خلال تقديم مرشحين آخرين وتوظيفهم كأرانب سباق، كما حدث مع بعض الأحزاب أو النقابات، أو من خلال تسريب بالونات اختبار تستبق موعد المؤتمر، بطرح أسماء على أنها مرشحة بقوة لتولي منصب القيادة قبل أن تنسحب هذه الأسماء، أو يتضح لاحقا أن الأمر كان مجرد «بروفة» مزيفة قبل العرض النهائي الذي سيعلن فيه عن مرشح واحد ووحيد سيحظى بالإجماع والتصفيق. والغريب أن بعض الأحزاب حديثة العهد لم تجد حرجا في اعتماد نفس الأسلوب بالتصفيق للمرشح الوحيد، رغم أنها تحمل شعار «الديمقراطيين الجدد»، وهو الأسلوب الذي ظهرت أعراضه الجانبية وقتا قصيرا بعد حدوث تصدعات وصراعات ترجمت إلى تبادل علني للاتهامات والسب والشتم. من جهة أخرى، فإن الطريقة التي يتم بها اختيار الأمناء العامين وزعماء الأحزاب بالتصفيق وبمرشح وحيد، تطرح سؤالا حقيقيا حول مفهوم الحزب لدى هؤلاء، وأدواره الوظيفية وطبيعة العلاقة البينية مع المنخرطين فيه، علما أن بعض هذه الأحزاب لا تتردد في إشهار نفسها كمدافع عن قيم كونية، في الوقت الذي لا تلتزم فيه بقوانينها الداخلية، وتتجرد من الحد الأدنى للديمقراطية في تصريف خلافاتها، كما تغرق في الشخصنة في تعاطيها مع باقي مكونات المشهد الحزبي، وفي تفاعلها مع قضايا المجتمع بعد أن تحولت إلى أداة في يد زعامات إما مفرطة في تضخم الأنا، أو تجر وراءها خلفيات سياسية وإيديولوجية غير واضحة وملتبسة. كما أن موضة المرشح الوحيد جعلت بعض زعماء الأحزاب التي تظهر بشكل مناسباتي لا يجدون حرجا في تعويض صناديق التصويت ب«فتوات» و«فيدورات» يقفون أمام باب مقر انعقاد المؤتمر من أجل «شرملة» المنافسين، أو أي عضو تظهر عليه علامات إثارة الفتنة والتشويش من خلال محاولة الاحتجاج، كما حدث بأحد المؤتمرات الحزبية بمدينة سلا، بعد أن حوصر جميع من كان داخل القاعة، ولم يطلق سراحهم إلا بعد انتزاع التصفيقات لتجديد الثقة في الأمين العام. والظاهر أن ديمقراطية المرشح الوحيد والانتخاب المسرحي للزعامات، في ظل الواقع الحزبي المغربي وحالة الفصام التي تعيشها الأحزاب مع قضايا المجتمع وعموم المواطنين، تطلق رصاصة الرحمة على أهم الأسباب الوجودية للأحزاب، والمتمثلة في دورها كمساهم «في نشر الثقافة السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي». والغريب أن بعض الزعامات، التي صعدت للأمانة العامة بفضل تطبيق المرشح الوحيد، لا تجد حرجا في الإدلاء بتصريحات حول ضرورة إتاحة الفرصة للأطر والشباب، كما حدث بعد التصويت على امحند العنصر لخلافة نفسه من خلال ورقة تحمل نعم أم لا في إحالة على الاستفتاءات الشهيرة، التي طبعت تاريخ المغرب والتي كان معظمها ينتهي بأربعة أرقام متشابهة. فالعنصر الذي عمر طويلا في المناصب وتنقل بينها دون تعب، أدلى بتصريح غريب بعد إعادة انتخابه، وقال إن حزبه يزخر بكفاءات وأطر في شتى المجالات، وإنه «يتعين إتاحة الفرصة لها من أجل إبراز قدراتها التدبيرية والتسييرية، وهو ما سأحرص عليه في ولايتي الجديدة»؟. هل أزمة إنتاج النخب تؤدي إلى المرشح الوحيد؟ تمثل مسألة إنتاج النخب أمرا ضروريا بالنسبة للأحزاب السياسية، بالنظر لوظيفتها، من أجل ضمان إعداد أفضل للكفاءات قصد تقلد مناصب المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار، وتعتبر المؤتمرات مناسبة لتجديد هياكل هذه المؤسسات الحزبية والتي تقتضي إعمال الآلية الديمقراطية وتعدد المرشحين من أجل إعطاء صورة مشعة عن العمل السياسي، غير أنه على مستوى الواقع سادت مجموعة من الممارسات لدى بعض الأحزاب من قبيل التوافق على القائد الجديد ليكون بذلك مرشحا وحيدا في غياب أي منافس، كما حدث بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة في مؤتمره الأخير، الذي أوصل إلياس العماري إلى قيادة الحزب عبر التصفيق في غياب أي منافس. وتعليقا على ما شهده مؤتمر حزب «الجرار»، يرى الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أنه إذا ما تم احترام المساطر المنصوص عليها في الأنظمة المؤطرة للحزب ولم تتم مصادرة حق أي شخص في الترشح، فإن الأمر يبدو طبيعيا بالنسبة للمرشح الوحيد، غير أن تعدد الترشيحات واعتماد الديمقراطية الداخلية تعطي المصداقية للأحزاب السياسية، خاصة مع وجود رهانات تتطلب إعطاء دينامية وأجرأة للمقتضيات الدستورية، وهو «ما يستوجب أن تكون هذه الأحزاب في مستوى هذه الانتظارات والرهانات عبر اعتماد وتطبيق ما تدعو إليه، يقول لكريني في تصريح له ل»المساء»، وستكون بذلك قد أعطت دينامية كبيرة لتجديد النخب والتحفيز على المشاركة مع فتح إمكانية الولوج إلى مراكز القرار أمام جميع المناضلين الحقيقيين.ولعل المتأمل في تاريخ الأحزاب السياسية يلحظ أن عددا منها تجاوز منطق المرشح الوحيد بعدما اعتمدته لسنين طويلة، مثل حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بسبب الحراك الداخلي الذي شهدته هذه الهيئات، فضلا عن الانتظامية في عقد المؤتمرات، غير أن هذا الأمر لم يكن سلسا بل واجهته صعوبات، وفق رأي أستاذ العلوم السياسية، من قبيل التصدعات والانقسامات الداخلية، وهو ما يجعل ربح رهان الديمقراطية ليس بالأمر السهل ولا الهين، خاصة إذا ما تم استحضار ممارسات ظلت ترتبط بزعامات معينة إلى حد أن بعض الأحزاب تحال على أسماء زعمائها. وتعتبر الأحزاب السياسية بمثابة مشاتل لإعداد النخب ومدارس لإنتاج الأطر القادرة على تدبير الشأن المحلي أو الوطني، لأن الحزب يسعى إلى السلطة لذلك فإنه يراهن على إعداد النخب، التي يعتبرها أساسية وحاضر بحدة في أجندته وذلك عبر اعتماد الديمقراطية الداخلية والانفتاح على الكفاءات في مختلف المجالات مع اعتماد آليات موضوعية مرتبطة بالأداء النضالي. ومن بين المشاكل التي تعانيها الأحزاب في تشكيل النخب تلك العلاقة المتوترة والمتأزمة ما بين القيادات الحزبية والشبيبات التابعة لها، خاصة في ما يتعلق بالقرارات الهامة والتحالفات والمواقف التي تكون عادة فوقية، يقول لكريني، الذي يرى أن عددا من القيادات الحزبية لا ترغب في فتح المجال أمام «الفعاليات الشابة، التي أثبتت جدارتها وإمكانياتها في عدد من المجالات والميادين، لتحتل بذلك مواقع قيادية داخل الأحزاب السياسية وتسهم في إخراج الأحزاب من جمودها وانغلاقها». ومع استحضار المستجدات الدستورية وحالة العزوف السياسي والانتخابي السائد وربح رهان الجهوية الذي يسائل الأحزاب السياسية الأكثر دينامية و يسائل دمقرطة آليتها من أجل فتح المجال أمام مختلف النخب حتى لا تتم العودة إلى التكنوقراط، يضيف المحلل السياسي، الذي يؤكد أنه «من أجل تفادي تكرار وجوه بعينها في المشهد السياسي، فتح التنافس من أجل إعطاء دينامية أكبر وبهدف التحفيز على المشاركة السياسية والانتماء إلى الأحزاب السياسية، حتى يلجها عدد كبير من الكفاءات التي ستطمئن إلى وجود تنافسية وأنه سيتم استحضار الكفاءة والنضال بدل منطق التوافقات». صراع الديمقراطية الداخلية ينتهي بتأسيس حركات تصحيحية وأحزاب صغيرة البديل الديمقراطي وبلاهوادة والحركة التصحيحية للسنبلة أبرز التيارات «المتمردة» الانقسام والانشقاق ميزة الفعل الحزبي في المغرب، حتى أضحت أغلب مؤتمرات الأحزاب السياسية في بلادنا محطات لبروز حركات متمردة على القيادات التي تحكم قبضتها على هذه المؤسسات. فرغم أن وجود الأحزاب يرتبط أساسا بالممارسة الديمقراطية للحكم، إلا أن الحياة الداخلية لعدد من المؤسسات الحزبية تؤكد أنها لازالت تخضع لمنطق الاستفراد بالقرار من طرف الأمين العام، الذي يفرض على «الأتباع» مجاراته في خطواته أو مواجهة مصير الإقصاء. هذه الإشكالية جعلتنا نعيش مخاض تشتت عدد كبير من الأحزاب السياسية على مر تاريخ المغرب المعاصر، رغم محاولات وضع لمسات «ديمقراطية» و»مساحيق تجميلية» على المؤتمرات الحزبية، من خلال فتح النقاش حول القوانين الداخلية وإيديولوجية الحزب، أو فتح الباب أمام ترشيحات شكلية للأمانة العامة، التي سرعان ما يصبح أصحابها «أرانب سباق» يتساقطون تباعا مع اقتراب موعد الإعلان عن اسم «الزعيم» المحسوم فيه مسبقا. اليوم تبدو بعض الزعامات السياسية غير قادرة على ترسيخ الفعل الديمقراطي داخل أحزابها، بشكل يجعلها في تناقض صارخ مع مطالبها الداعية إلى «دمقرطة» الفعل السياسي في البلد. فإذا كانت بعض الزعامات السياسية لازالت تنهل من منطق «الشرعية التاريخية» والأدوار التي لعبتها أساس وجودها في قمة هرم صناعة القرار داخل هذه المؤسسات السياسية، فإن قيادات أخرى وجدت منطقا آخر يتأسس على الإقصاء الممنهج للآراء المخالفة وفتح باب المغادرة «الطوعية» و»القسرية» لكل من رفع «لا» في وجه الأمين العام. خلال السنوات الأخيرة شهدت الساحة السياسية سلسلة من المؤتمرات الحزبية التي أكدت هشاشة الديمقراطية الداخلية، وأعادت طرح السؤال عن قدرة الفاعل السياسي المغربي على الانسجام مع التحولات التي شهدها البلد منذ سنة 2011، في ظل دستور جاء بصلاحيات واسعة وبمقتضيات متقدمة جدا، وصفها البعض بالمتضخمة، نظرا لعدم وجود فاعلين سياسيين بمقدورهم تنزيلها. من أبرز الأحزاب التي واجهت صراعا داخلية قويا كان حزب الاستقلال. فبعدما فاز حميد شباط بالأمانة العامة للحزب، وجد الأخير نفسه أمام معارضة قوية من طرف تيار عبد الواحد الفاسي، الذي سيؤسس فيما بعد «جمعية بلاهوادة للدفاع عن الثوابت»، كتعبير عن الانقسام الذي شهده الحزب بعد مؤتمره الأخير، وما تلا ذلك من طرد عدد من أعضاء المجلس الوطني للحزب. لكن حميد شباط انتبه، بعد نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، إلى ارتكابه خطأ سياسيا فادحا بدفعه نحو تعميق الشرخ بين أبناء الحزب الواحد، عوض تقوية جسم الاستقلاليين والسعي إلى الاستفادة من جميع الكفاءات التي يزخر بها، فكان أن قاد مصالحة وصفت ب»التاريخية»، مادام أنها سعت إلى تدارك خلل كان يهدد مستقبل وقوة الحزب. حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يسلم بدوره من الانشقاق في مرحلة ما بعد 2011، لكن قوة الخلاف داخل «الوردة» كانت كافية لتقود عددا من الوجوه والقيادات إلى تشكيل حزب سياسي جديد تحت اسم «البديل الديمقراطي»، بعدما كان الراحل أحمد الزايدي قد دخل في خلاف مع الكاتب الأول ادريس لشكر، عقب نتائج المؤتمر الأخير. فشِل لشكر في جمع شتات الاتحاديين، فخرج المؤتمر الوطني التاسع للوردة منشقا ليغادره عدد من الأعضاء والقيادات نحو حزب جديد، فيما فضل آخرون ترك سفينة اليسار والالتحاق بأحزاب أخرى، متذرعين بغياب الديمقراطية الداخلية، ورفض القيادة الجديدة للحزب فسح المجال أمامهم للتأسيس لتيارات فكرية داخل الحزب. الحركة الشعبية لم تسلم بدورها من بروز تيار مناوئ للأمين العام، امحند العنصر، وعدد من الوجوه البارزة. فرغم محاولات قيادة الحزب التقليل من قيمة «الحركة التصحيحية»، بالنظر لعدم وجود وزراء أو برلمانيين أو قيادات من داخل المكتب السياسي في صفوفها، إلا أن وجود منتقدين للقيادة الحالية يطرح على الحزب سؤال الديمقراطية الداخلية والقدرة على الإنصات ومحاورة المنتمين للحزب، مهما قل أو كثر عددهم. وأعاد المؤتمر الأخير لحزب «السنبلة» طرح السؤال حول «ديمقراطية المرشح الوحيد»، فبعدما أعلن لحسن حداد، عضو المكتب السياسي، عن ترشحه للأمانة العامة، عاد الرجل ليعلن انسحابه مخافة «تشتت الحزب»، ليفسح المجال أمام العنصر كمرشح وحيد لقيادة سفينة الحزب إلى غاية سنة 2018. إشكالية الديمقراطية الداخلية وإقصاء الآراء المخالفة لازالت تطرح تحديات عميقة على عدد من الأحزاب السياسية المغربية. فإذا كانت بعض الأحزاب قد لجأت إلى صناديق الاقتراع للحسم في أسماء زعمائها، وجمع شتات مناضليها الغاضبين من نتائج لا تخلو أحيانا من «كولسة» قبلية، فإن أحزابا أخرى لازالت تعتمد على منطق المرشح الوحيد والتصفيق لنيل الزعامات السياسية. الشرقاوي: الزعيم الوحيد يقتل المنافسة ويحد من تجديد النخب قال إن الأحزاب لم تع بعد ثقافة المشاريع المتعددة داخل الحزب الواحد في هذا الحوار، يؤكد الدكتور عمر الشرقاوي، الباحث في العلوم السياسية، أن ظاهرة الزعيم الوحيد التي تطبع مسار بعض الأحزاب، تقتل المنافسة وتحد من تجديد النخب، مؤكدا في هذا السياق، أن بعض الشخصيات ذات الحضور الكاريزمي ساهمت بشكل كبير في فوز أحزابها في الانتخابات الأخيرة، لكنه حضور، يستدرك الشرقاوي قد يفضي إلى تفتيت الأداة الحزبية. – كيف تقرأ ظاهرة انتخاب الأمناء العامين للأحزاب السياسية إما بمنطق التوافق أو التصفيق؟ من الضروري التأكيد هنا أن تغيير الأحزاب السياسية لقادتها لم يعد شأنا داخليا للأحزاب تفرضه فقط الحسابات السياسية، بعد دستور 2011 اختيار القادة أصبح شأنا وطنيا ودستوريا. أولا لأن اختيار الأمين العام أصبح مرتبطا بموقع رئيس الحكومة، من خلال تأويل للفصل 47 من الدستور، الذي يجعل اختيار قائد السلطة التنفيذية من الحزب الذي يتصدر الانتخابات، وهو الأمر الذي تم خلال انتخابات 2011 حينما تم تعيين عبد الإله بنكيران، الأمين العام للبيجيدي، رئيسا للحكومة. ثانيا الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب وضعا أسسا للتدبير الديمقراطي للأحزاب، حيث شددا على ضرورة تنظيم وتسيير كل حزب سياسي وفقا لمبادىء الديمقراطية، تسمح لأي عضو من أعضائه بالمشاركة الفعلية في تدبير شؤون الحزب. بطبيعة الحال الصيغ التي يتم بها اختيار بعض قادة الأحزاب السياسية تؤكد أن الطبقة السياسية لا زالت تجد صعوبة في التلاؤم مع الثقافة الديمقراطية، التي تقوم على عنصر المنافسة وتعدد المشاريع داخل الحزب الواحد. وكان بالإمكان أن يستبق المشرع معالجة هذا الضعف، بالتنصيص في القانون التنظيمي للأحزاب على تحديد مدة الولاية الانتدابية للمسؤولين الحزبيين، وهو ما كان سيشجع على الممارسة الديمقراطية الحديثة. – أصبحت الكثير من الأحزاب السياسية مختصرة في وجه بعض زعاماتها مثل البام والبيجيدي والتقدم والاشتراكية، ألا تعتقد أن هذا الاختصار قد يؤدي إلى انهيار الهياكل الحزبية؟ للأسف هناك معادلة مقلوبة اليوم، ففي ظل توفر دعائم دستورية قوية تشجع على الاختيار الديمقراطي داخل الأحزاب، نجد نزوحا كبيرا لدى بعض الأحزاب نحو تضخيم فكرة الزعيم، فبدلا من الحزب الممأسس، بدأت تنمو ظاهرة حزب "الزعيم"، نقيض الديموقراطية الذي لا يسمح بصراع الأفكار والأجيال.. ظهر هذا التوجه بشكل كبير لدى المؤتمر الأخير للحركة الشعبية، الذي انتهى بضمان استمرار امحند لعنصر في قيادة الحزب لأكثر من ثلاثة عقود. وهناك مؤشرات قوية أن تصيب عدوى الزعيم حزب العدالة والتنمية خلال المؤتمر المقبل، الذي قد يؤدي إلى تعديل نظامه الأساسي لفتح المجال أمام ولاية ثالثة لعبد الإله بنكيران على رأس البيجيدي. فكرة الزعيم لاقت أحد تجسيداتها خلال مؤتمر الأصالة والمعاصرة، الذي فضل ممارسة طقوس الإجماع في اختيار الزعيم بدل اللجوء لتعدد المتنافسين. ورغم أن إلياس العماري لم يسبق له قيادة حزب البام بشكل رسمي إلا أن طريقة تتويجه تطرح الكثير من التساؤلات حول منسوب الديمقراطية والتعددية داخل حزب الجرار. – أثبتت الإحصائيات الدقيقة أن كل المدن التي حل بها عبد الإله بنكيران فاز فيها حزبه بفارق مريح جدا عن باقي منافسيه، كيف سيؤثر ذلك على مسار الحزب؟ هناك خصوصية في شخصية عبد الإله بنكيران فهو ليس شخصا قذفته الصدف السياسية إلى قيادة حزب العدالة والتنمية، ينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن تضخم الشخصية القيادية لدى بنكيران لا تفسر فقط بالمكاسب السياسية التي حققها لحزب العدالة والتنمية، الذي يعيش قمة حضوره السياسي، لكن تجد جذورها كذلك في المسار الدعوي والنضالي لبنكيران، فهو من قاد عملية التحول الأيديولوجي لدى الحركة الإسلامية وتحويل مسارها من محاولة تغيير النظام من الخارج، كما كان الأمر مع عبد الكريم مطيع وشبيبته الإسلامية، إلى المشاركة من داخل المؤسسات الدستورية القائمة، بنكيران كذلك قاد عملية الاندماج الوحدوي بين العديد من الفصائل الإسلامية قبل أن تتأسس حركة التوحيد والإصلاح، كما أن نفس الشخص ساهم بشكل كبير في ضمان اندماج سلس للحركة الإسلامية في حزب عبد الكريم الخطيب وما ترتب عنه من تأسيس حزب العدالة والتنمية. لذلك فإن زعامة بنكيران لا شرعية لها من جانب مشروعية المكاسب السياسية التي حققت في عهده، بل تتغذى من الشرعية التاريخية والنضالية التي يرجع لها الفضل فيما وصل إليه حزب العدالة والتنمية. بطبيعة الحال شخصية بنكيران الكاريزمية أصبحت تلتهم كل مظاهر الديمقراطية الداخلية، وأصبح هناك استعداد وقابلية لدى مناضلي وقادة حزب المصباح للتضحية بكل الأنظمة، التي يمكن أن تعيق استمرار الزعيم في قيادة الحزب، ولذلك لا أستبعد أن يظفر بنكيران بولاية ثالثة رغم المقتضيات القانونية المخالفة. – أريد أن أسالك عما إذا كانت ظاهرة الزعيم الوحيد ظاهرة صحية؟ هي تحتمل قراءتين، الأولى هي أن كاريزما الزعيم السياسي تؤثر دائما في مسار الحزب، وهذا لا يمكن إنكاره بتاتا، فبنكيران على سبيل المثال لعب دورا كبيرا في فوز حزبه بالانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، وحتى إلياس العماري، الأمين العام الحالي لحزب الأصالة والمعاصرة كان يشتغل كثيرا لكن كان متواريا في اللجنة الوطنية للانتخابات، لكن من جهة أخرى، تضر بصورة الأحزاب لأنها تقتل المنافسة وما يمكن تسميته بتجديد النخب داخل الأحزاب السياسية.