هناك العديد من الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ المغربي، سلبا أو إيجابا، توارت إلى الخلف ولم تستعذب يوما لعبة الأضواء، ولأن التاريخ لا تصنعه الشخصيات «الشهيرة» فقط، فإن الكثير من المعلومات ضاعت في أتون الصراع السياسي والحسابات الشخصية. عبد الكبير العلوي الإسماعيلي، صاحب دار نشر منشورات «الزمن» الشهيرة، واحد من هاته الشخصيات، التي كان لها دور حاسم في قضية الصحراء في الكثير من المحطات، وإذا كان يرفض صفة «عميل المخابرات المغربية»، فإنه يؤكد أنه تعاون معها في الكثير من اللحظات الحساسة. على كرسي الاعتراف، يحكي العلوي الإسماعيلي أسرارا غاية في الحساسية عن قضية الصحراء ودور إدريس البصري وعلاقاته المتشعبة مع النظام الليبي، كما يتوقف عند لقاءاته بالملك الراحل الحسن الثاني، ويشرح كيف أخبره في إحدى الجلسات الخاصة أنه يتوفر على معلومات تؤكد قرب القيام بمحاولة انقلابية جديدة بالمغرب. – مادمت مصرا على عدم الإفصاح عن الشخصيات التي كانت تشارك الدليمي الرغبة في الانقلاب على الحسن الثاني، هل تتوفر على تفاصيل أكثر عن العلاقة الملتبسة بين الدليمي وبعض الشخصيات العسكرية المغربية؟ أريد أن أحكي لك شيئا مهما في هذا السياق، إذ في 22 من شهر يناير سنة 1983، جئت عبر طائرة عسكرية من العيون إلى مراكش. كان يوم خميس إذا لم تخن الذاكرة. يومها قضيت الليلة بفندق «سوفيتيل» بمراكش، ونزلت إلى البهو في الصباح، لألتقي بنبراهيم الذي كان مديرا لديوان الدليمي. قال لي إنه سيعقد لقاء مع كوريين جنوبيين بعد برهة قصيرة من الآن، بأمر من الجنرال، من أجل التفاوض معهم حول شراء موانئ متحركة. استغربت جدا لدعوته لأجيبه بما يشبه هاته الجملة: أنا لا أفهم اللغة الإنجليزية وليست لدي أي علاقة بالموضوع ولا أعرف هؤلاء ولا ماذا يريدون. ورغم كل محاولاته كي أرافقه لحضور العملية، رفضت ذلك رفضا قاطعا. وفي حدود الساعة الرابعة مساء من نفس اليوم، اتصل بي بنبراهيم، وقال لي إنه حاول الاتصال بالدليمي بكل الوسائل ولم يستطع أن يجد له أثرا. وفي خضم حديثه معي، تسربت معلومة هامة وهي أن زوجة الجنرال الدليمي موجودة في منزل زوجة الكولونيل الشلواطي المتورط في المحاولة الانقلابية ضد الملك الحسن الثاني. – كيف كانت علاقتك ببنبراهيم؟ كانت علاقة جيدة جدا، وكان يحترمني كثيرا، وفي مرات كثيرة تحدث معي في أمور حساسة تهم طريقة اشتغال الجنرال. ما لن أنساه، أنه في ذلك اليوم وصلتني معلومة بأن الجنرال الدليمي توفي في حادثة سير في حدود الساعة السادسة مساء. وقتها سيطر الحزن على بنبراهيم، وكان الخبر صاعقة حقيقية في المغرب آنذاك، لأن الجنرال الدليمي كان قويا جدا وذا سطوة بالغة ويهابه الجميع ويعرفون قربه من الملك الراحل الحسن الثاني. – هل ترى أن حادثة السير التي أودت بحياة الجنرال الدليمي كانت عادية جدا؟ لا يمكن أفيدك بأي جواب في الموضوع، لأني مثل جميع المغاربة علمت بموته في حادثة سير. – ماذا كانت تفعل زوجة الدليمي في منزل الشلواطي؟ صدقني، بعد حصولي على التسجيلات وبعد لقائي مع الملك الحسن الثاني، كان همي الأول أن أتعقب خطوات الدليمي وأقرأ ما يفكر فيه. وعدا أن الملك قال لي إنه إذا علمت بأي شيء يمكن أن أخبر عبد الواحد بلقزيز، وزير الإعلام، لم يطلب مني أحد ذلك. قل إذا شئت كان نوعا من التحدي الشخصي لأفهم شخصيته الغامضة، وقد توصلت في نهاية المطاف إلى أن نزعة الانقلاب عنده كانت قوية جدا كأي جنرال مهووس بالسلطة. وتواجد زوجة الدليمي في منزل الشلواطي كان إحدى تلك العلامات التي ساعدتني إلى حد ما في فهم ما يدور في رأس الجنرال. – ألم تكن التسجيلات كافية لإدانته، هل تعتقد أنه كان هناك دليل دامغ أكثر من الاعتراف الصوتي المسجل بمركز للبريد؟ سؤالك يبدو وجيها، لكن في السياسة يجب أن تتثبت من كل الخيوط حتى ولو كنت تتوفر على التسجيلات، وأعتقد أن الملك فور توصله لها تأكد حقا أن الأمر يتعلق برغبة في القيام بمحاولة انقلابية عليه، ولا أدري صراحة ما الذي فعله بعد ذلك: هل واجهه بالحقيقة؟ أم تركه وشأنه؟ لا أتوفر على أي معلومات في هذا الصدد. – هناك من يشير بأصابع الاتهام إلى الدولة فيما يخص قتل الدليمي، لاسيما وأنك قلت الآن أنه كان يريد الانقلاب على الملك؟ صدقني لو كنت أتوفر على معلومة قد تفيدك سأمنحها لك دون تردد، لكن أن يقول البعض إن الدولة قتلت الدليمي بسبب علمها بمحاولة الانقلاب، أرى أن الأمر مستبعد، إذ كان يكفي أن تلقي القبض عليه وتشهر به وتحاكمه كما فعلت مع الآخرين ولا تحتاج إلى قتله.