سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أبو تاج الدين: إمكانية حدوث التسونامي قائمة في الريف والذين تنبؤوا بزلزال عنيف «يلعبون» قال إن هزة أرضية من 6.3 درجات قد تؤدي إلى ضرب السواحل بموجات التسونامي
لم تلبث الإشاعات تتناسل بشكل كبير، بعد الهزة الأرضية العنيفة التي ضربت الكثير من مدن الشمال المغربي، وصلت أقصاها حينما نشرت مواقع مغربية وإسبانية بأن عالما يتنبأ بحدوث زلزال عظيم يسوي المنطقة عن بكرة أبيها بالأرض. ساعتها صدق سكان الحسيمة والناظور، على الخصوص، الإشاعة، واستبد بهم الخوف. في هذا الحوار، يشرح إدريس أبو تاج الدين، مدير المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، المشرف على المختبر الوطني للجيوفيزياء، أسباب الهزة الأخيرة، وآثارها الطبيعية والمادية، مؤكدا في هذا السياق أن إمكانية حدوث موجات التسونامي تبقى قائمة في حال ما أفضت الهزة إلى الضغط على السمك المائي بقوة. ونفى أبو تاج الدين أن تكون هناك آلية للتنبؤ بالزلازل، معتبرا ما نشر مؤخرا مجرد «لهو علمي». – نريد أن نعرف بكثير من التبسيط العلمي، لو كان ذلك ممكنا، أن تفسر لنا ماذا حدث بالتحديد في مناطق الشمال، أقصد ماهي الأسباب الحقيقية لوقوع الزلزال؟ قبل الفجر بقليل، وقعت الهزة الرئيسية القوية، وفي علم الحركات الزلزالية هناك هزات قبلية تسبق الزلزال، وعادة ما تكون خفيفة وتحدث قبل أسابيع من الهزة الرئيسية، ثم هناك الهزات الارتدادية، التي تكون قوية جدا في البداية، ثم ما تفتأ تضعف مع توالي الأيام. وعلى خلاف الزلازل التي عرفتها المنطقة، سواء سنتي 1994 أو 2004، كان مركز الهزة في البحر وليس في اليابسة، وهو ما يشكل تحديا جديدا للباحثين في علوم الزلازل، خاصة فيما يتعلق بحساب بؤرة الزلزال وما يصاحبها من معطيات دقيقة يمكن أن تحدد بدقة ما جرى بالتحديد. وأريد أن أؤكد لك أن معدل 6.3، وهي الدرجة التي بلغتها الهزة الأخيرة، هو العتبة التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث التسونامي، لكن لا بد من دراسة الفالق الأرضي المحدث للصدع في أعماق للبحر للتأكد، وفق معطيات علمية، من إمكانية حدوث موجات التسونامي. -أفهم من كلامك أنه كانت هناك إمكانية لحدوث موجات التسونامي بعد الزلزال الأخير. بطبيعة الحال كانت هناك إمكانية كبيرة لحدوثه، لكن لحسن الحظ، فإن الزلزال حدث بفعل حركة أفقية للصدع، وبالتالي لم تشكل أي ضغط على الفرشة المائية للبحر. ولو حدث العكس، لا قدر الله، وكانت الحركة في اتجاه الضغط على السمك المائي، كانت ستحدث موجات للتسونامي في المناطق التي عرفت الزلزال. بيد أن حدوث موجات التسونامي يبقى مرتبطا دائما بقوة الزلزال، إذ لا يمكن بتاتا أن تضرب السواحل إذا كانت الهزة ضعيفة. وهنا أسوق النموذج الياباني، بحكم خبرة اليابانيين الكبيرة في التعاطي مع الظاهرة الزلزالية، حيث حددوا بأن عتبة 6.3 على سلم ريشتر قادرة على إحداث موجات التسونامي، والهزة الأخيرة التي ضربت بعض مناطق الشمال كان من المحتمل أن تفضي إلى ذلك لولا ما شرحت لك سلفا. ونحن في المختبر كنا نلاحظ أن الهزات الخفيفة التي عرفتها المنطقة كانت في جوف البحر، ولم نكن نتنبأ إلى أين ستؤول في الأخير. ويجب أن أؤكد، مادمت قد طلبت مني التبسيط، أن من المستحيل جدا التنبؤ بوقوع الزلزال، وكل ما في الأمر هو أن تقرأ بعض المعطيات لتستشعر ذلك، والاستشعار لا يعني، بأي حال من الأحوال، أنك تعرف ثلاثة معطيات رئيسية دقيقة: توقيت الهزة وبؤرتها والمناطق التي ستتأثر بها. -هل يستشعر المختبر بناء على المعطيات التي يتوفر عليها حدوث زلزال آخر بنفس القوة في الأيام أو الأسابيع المقبلة؟ أكرر مرة أخرى- وهذا التكرار، في تقديري، ضروري جدا ليفهم الناس حقيقة الأشياء- أن التنبؤ بالزلزال أمر مستحيل جدا. طبعا، يمكن أن يحدث زلزال آخر بنفس الدرجة، لكن ليس في نفس الصدع أو البؤرة أو الفالق إذا جازت هذه التسميات. ليست لدينا أي معطيات، في الوقت الراهن، عن حالة الإجهاد التكتوني، بمعنى آخر ليست لدينا أي وسيلة لقياسه بشكل علمي ودقيق. – توجه إليكم انتقادات كثيرة بأنكم لا تتوفرون على دراسات علمية حول الظاهرة الزلزالية بالمغرب، لاسيما مناطق الشمال.. هذا ليس صحيحا بتاتا، لأننا قمنا بدراسات كثيرة تطلبت منا مجهودات علمية كبيرة، وكانت الدراسات مقتصرة على الهزات التي تكون بؤرتها في البر، لكن مع ذلك كنا ندرس دائما إن كان للصدوع البرية المسببة للزلزال امتداد داخل البحر، وقد أثبتت الكثير من الخبرات والدراسات العلمية، شارك فيها مغاربة، أن هاته الفوالق لها امتداد داخل البحر، وتم قياس الامتداد البحري لها، وتروم دراستنا المقبلة معرفة درجة الكمون الزلزالي، التي ستساعد كثيرا في إصدار أبحاث علمية رصينة حول موضوع الزلازل بالمغرب. والذي لا يعرفه كثيرون أن تاريخ المغرب يسجل أن المغرب عرف الكثير من الزلازل، خاصة في المناطق الشمالية، في مقدمتها بادس والحسيمة ومليلية والناظور، والتاريخ ضروري جدا لفهم حدوث بعض الزلازل القوية. – هل يتوفر المغرب على وسائل لاستشعار التسونامي بشكل مبكر كما يحدث في الكثير من البلدان؟ فيما يخص هذا الموضوع، أود أن أقول لك إننا في نفس مستوى اليابان وباقي البلدان المعروفة بالنشاط الزلزالي، بمعنى أن المغرب يمتلك منظومة الإنذار المبكر بوقوع موجات التسونامي من خلال استعمال أجهزة متطورة تعطي لنا قياسات سريعة جدا ومعلومات في غاية الدقة مستقاة من محطات بالمغرب أو خارج المغرب، والتي تسمى بالمحطات المفتوحة لأنها تسمح بأخذ المعطيات منها وتوظيفها في المغرب. من الناحية العلمية، ثمة مستويات كثيرة لتوقع موجات التسونامي، أولها اللجوء إلى منطق الحساب، ونقول حينها إنه من الممكن أن يحدث. أما المستوى الثاني، فتلتقط الأجهزة حركات بحرية، وهي مرحلة تأكيدية للمستوى الأول، ومن خلالها بمقدورنا أن نقول إن التسونامي يتجه نحو مكان معين وسيصل في توقيت معين. – كم يلزم من الوقت لتوقع حدوث موجات التسونامي؟ كي تصبح منظومة الإنذار المبكر بحدوث موجات بحرية ناتجة عن هزات أرضية، يجب التوفر على أكبر قدر من المعطيات، وعلى العموم يمكن أن تتنبأ بالموجات قبل دقائق لأنها غالبا ما تلي حدوث الزلازل. – وماهي الشواطئ المغربية المهددة بخطر التسونامي؟ على خلاف الاعتقاد السائد، كل شواطئ المغرب مهددة بالتسونامي، سواء في الواجهة المتوسطية أو الأطلنتية. ففي عرض المحيط الأطلسي توجد فوالق كبيرة جدا قد تؤدي إلى حدوث زلازل قوية، وبالتالي حدوث موجات التسونامي، كما هو الشأن بالنسبة للمناطق المتوسطية. – وكيف تشتغل هاته المنظومة؟ لدينا محطات استشعار دقيقة موزعة على الكثير من مناطق المغرب، وقادرة على التقاط أي شيء، حتى لو كان بسيطا. زد على ذلك أن المغرب منخرط في المنظومة العالمية للإنذار المبكر، مما يجعله يستفيد من كمية معطيات هائلة. وثمة محطات بحرية لرصد الزلازل أيضا، وعلى هذا الأساس قلت لك فيما سبق إن المغرب متطور جدا في هذا المجال، وقام بمجهودات كبيرة كي يصل إلى مستوى البلدان العالمية الرائدة في هذا المجال. وهناك محطات في إسبانيا ترسل إلينا الإشارات مباشرة، لأننا في نهاية المطاف نراقب ما يحدث في الضفتين، وإسبانيا كذلك تستقبل إشارات من منظومة المغرب، ومنطق الجوار يفرض تعاونا وثيقا في هذا المجال، ونفس الأمر ينسحب على البرتغال أيضا في إطار منظومة مشتركة ترعاها منظمة الأممالمتحدة. – لتبديد الكثير من الإشاعات التي أسهمت كثيرا في بث الخوف في صفوف السكان، نريد أن نعرف الفرق بين هزة أرضية على مستوى البحر، وهزة أخرى على مستوى اليابسة. الدراسات التي همت الظاهرة الزلزالية في العالم تقيم الكثير من المقارنات بينهما، وقد خلصت إلى أن الزلازل التي تضرب عرض البحر أكثر من التي تضرب البر. الجيولوجيون والجيوفيزيائيون يقولون إن الفوالق البحرية أكثر تراصا أو انسجاما على عكس الزلازل التي تحدث في البر، والتي تكون أقل انسجاما، وبالتالي تحول دون وقوع زلازل قوية جدا، ثم إن الزلازل البحرية يمكن أن تؤدي إلى موجات التسونامي. وهنا أسجل أن الأمواج يمكن أن تكون صغيرة أو كبيرة، حسب قوة الدفع المائي الناجم عن الزلزال، وفي بعض المرات قد تستشعر فقط بأجهزة الموانئ، حينما تسجل صعود المياه عن مستواها الطبيعي. – كم يمكن أن تبلغ موجات التسونامي إذا كانت الهزة في حدود 6.3 درجات؟ ثمة محددات كثيرة تتحكم في ذلك، في مقدمتها قوة الهزة والفالق، ثم حركة البحر، فإذا تصادفت مع حركة المد، ستكون الأمواج أكبر من حركة الجزر. دعني أشرح لك بتبسيط أكثر، إذا حدثت موجة التسونامي في الحالة العادية فإنها قد تصل مثلا إلى مترين أو ثلاثة، أما إذا انضافت إليها حركة المد فستصير أكثر، أي أن تدفق الماء نحو اليابسة سيزيد أكثر فأكثر. – تشهد منطقة الريف هزات ارتدادية يومية، أدت إلى هلع كبير وخشية من حدوث زلزال قوي، إلى أي مدى ثمة احتمال تكرار زلزال بنفس القوة؟ وكم ستدوم تلك الهزات؟ عد الزلزال، من الطبيعي جدا أن تحدث بعض الهزات الارتدادية، إذ في الأيام الأولى تكون قوية وقد وصلت إحداها إلى 5 درجات، ثم ما تلبث تنقص، لكنها ستستمر أسابيع أو شهورا ولن يحس الناس إلا بالهزات التي تتجاوز قوتها 3 درجات على سلم ريشتر. وكلما كانت في الشاطئ كان وقعها عاديا على السكان، ونتذكر جيدا أنه في سنوات 2004 أو 1994 كانت درجتان فقط كافيتين لإثارة الهلع في نفوس السكان. – انتشرت إشاعة صدقها الكثير من السكان حول رأي لعالم إسباني يحذر من وقوع زلزال عنيف بالمنطقة، هل هذا صحيح؟ لاشك أنه خلال جولتك بالمعهد، رأيت كيف أن المواطنين يتصلون للاستفسار عن الموضوع. وفي مثل هاته المواقف يجب استحضار سياقات الإشاعة التي كانت مدموغة بخوف السكان القادرين على تصديق أي شيء، ومصدر هاته الإشاعات غير الصحيحة كان إسبانيا بالتحديد. وأقول لعلماء الجيولوجيا الإسبان الذين روجوا لكذبة حدوث زلزال: لماذا لم يتوقعوا الزلازل التي عرفها بلدهم في مورسيا وأليكانتي، رغم أنها كانت قوية؟ أم أن توقعاتهم تهم المغرب فقط؟ في الأخير هذا نوع من «اللهو العلمي»، وأنا أيضا بإمكاني أن أتوقع حدوث زلزال عنيف بإسبانيا، فإذا وقع، سيحسب لي، وإذا لم يقع لن يحاسبني أحد، وهذا منطق مرفوض في العلم. – أعود لأسألك عن احتمال وقوع زلزال تزيد قوته عن 6 درجات على سلم ريشتر في نفس المنطقة. يمكن ذلك، لكن في مناطق أخرى غير الفوالق التي تسببت في الزلزال. لا أستبعد ذلك ولا أتنبأ به..والله أعلم. غير أن الهزات الارتدادية ستستمر في الأيام المقبلة، وأريد أن أطمئن السكان في الريف أن هاته الهزات خفيفة ولا يمكن أن تؤثر على البناء ما عدا الآثار النفسية العميقة التي تتسبب فيها. وقد تستمر هذه الهزات أسابيع طويلة، لكن كلما مضى الوقت، نقص عددها وقوتها أيضا. في هذا السياق، فإن الزلازل التي عرفتها المنطقة أفرغت الكثير من الفوالق من مخزونها الطاقي، مما يجعل بؤر حدوث زلازل أخرى تتقلص ولن تستعيد نشاطها إلا بعد مئات السنين، ولذلك يمكن تفسير تحرك الفوالق البعيدة عن مدينة الحسيمة، وهذا في صالح المنطقة مع وجود بعض الفوارق البسيطة بين الزلازل بسبب سرعة أو بطء إفراغ ما نسميه بالإجهاد التكتوني. الحسيمة هي المنطقة الأكثر نشاطا زلزاليا بالمغرب وتمثل مختبرا حقيقيا للجيولوجيين والجيوفيزيائيين. قبل حدوث الزلزال كنا نعتقد أن الزلزال آت لا محالة، لكننا لم نكن نعرف أين ومتى بالتحديد، فقد لاحظنا أن المنطقة نشيطة زلزاليا. ولم تتوقف دراساتنا عند ما هو جيولوجي فقط، بل درسنا تداعيات الزلزال على المباني، وتوصلنا إلى خلاصة يمكن أن أجملها في العبارة التالية: «الزلزال طبيعي لكن التدمير أو الخراب إنساني»، كيف ذلك؟ على سبيل المثال، مدينة الحسيمة لا تعرف خسائر في المباني، ففي زلزال 2004 حدثت الانهيارات في القرى والمداشر ذات البناء التقليدي أو الهش ولم تسقط أي بناية بمدينة الحسيمة، أي أن البناء كان قويا ومتينا. ونعبر عن هذا في المختبر ب»ليست الزلازل هي التي تقتل، وإنما البناء الإنساني هو الذي يقتل». – هل تعتقد أن تشييد مبان متينة مضادة للزلازل قادر على حماية المواطنين في المنطقة من الزلازل؟ هناك معيار أساسي تستند إليه الدراسات في الميدان الذي نشتغل به: لا يمكن خسارات المليارات حول آليات أو وسائل التنبؤ أو التوقع، لأن الأهم في الأخير ليس التوقع، الذي يبدو مستحيلا (وأنت تلاحظ أني أكرر الجملة مرات عديدة)، إذ من الحري أن تخسر الأموال على الدراسات المتعلقة بآثار هاته الزلازل على المباني والتربة وممكنات حدوث انهيارات في المنازل والدور. في اليابان، مثلا، ثمة بنايات تصمد أمام زلزال تعادل قوته 7 درجات، وثمة بنايات في المغرب وفي باقي بلدان العالم قد تنهار بزلزال متوسط لا يتعدى 5 درجات. بصيغة أخرى، فمتانة البناء والاتجاه نحو تبني بناء مضاد للزلازل يكتسي أهمية بالغة جدا في الوقت الحالي، وهذه هي نصيحتي للسلطات والسكان، على حد سواء، بمنطقة الريف لتجنب الخسائر البشرية والمادية إذا قدر الله أن يضرب زلزال آخر المدينة. على هذا النحو، يؤكد العلماء أن العتبة التي تؤدي إلى ظهور مخلفات الزلازل قد تبدأ من 5 درجات، مستحضرين أن ثمة مناطق هشة أولا، ثم ذات بناء هش أيضا. – ماهي النصائح التي يمكن أن تقدمها إلى سكان المنطقة، خاصة أن حالة الخوف تسيطر عليهم منذ أن ضرب زلزال عنيف منطقتهم يوم الإثنين الماضي؟ صدقني إذا قلت لك إننا نحن من يستفيد الآن من سكان مدينة الحسيمة على وجه الخصوص، حيث نعمل على مراقبة سلوك السكان تجاه الزلزال، واستقر بنا الرأي على أنهم صاروا يتوفرون على ثقافة زلزالية وهذا أمر مهم جدا، لأن التوفر على هذه الثقافة بمستطاعه أن يخفض احتمال حدوث الخسائر إلى النصف، ومن البديهي جدا، في نظري، أن تتوفر لديهم هذه الثقافة لأن زلزال 2004 حفر ندوبا عميقة في وجدان السكان عصية على النسيان. أعتقد أنه بعد زلزال 1994 بدأ الناس يأخذون احتياطاتهم في مجال البناء، وأصبحوا يعرفون أن المنطقة معرضة للزلازل في أي لحظة، وهو نفس الشيء الذي حدث مع زلزال 24 فبراير. نحن نتعلم كثيرا من السكان، وفوق ذلك نشجعهم على المضي قدما في البناء المضاد للزلازل القادر على الصمود أمام هزات أرضية قوية قد تصل إلى 6 درجات فما فوق، ولاشك أن السلطات يجب أن تبدي الكثير من الحزم والصرامة في التعاطي مع الموضوع لأن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بأرواح المواطنين. نحن في المختبر مستعدون لتزويد أي جهة بالمعلومات وفق المساطر القانونية، علاوة على أننا نمتلك جهازا راديوفونيا قادرا على بعث رسائل عاجلة إلى مصالح الوقاية المدنية للتدخل فور حدوث الزلزال حتى لو كانت الخطوط الهاتفية مقطوعة. – بعد الهزة الأخيرة، هل ستتبنون دراسات جديدة؟ بالتأكيد، حيث ستتركز على الجانبين النظري والعملي. بالنسبة للجانب النظري يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كل الدراسات العلمية حول الزلازل ذات الامتداد في اليابسة والبحر ومدى تأثيرها على سلامة السكان والإجراءات التي ينبغي اتخاذها. أما على المستوى العملي، فيجب أن نتجه نحو المسح الخرائطي للصدوع وقياس إجهادها التكتوني ودرجة الكمون الزلزالي أيضا. نحن نشتغل بجد، وسنطور آلية للتواصل مع الصحافيين والمواطنين كي نضع حدا لانتشار بعض الشائعات المغرضة التي تغذيها، للأسف، بعض المواقع الإلكترونية اللامهنية الباحثة فقط عن القراء ولا تأخذ بعين الاعتبار أن هناك ساكنة ترتعد من الخوف، والمختبر يتلقى يوميا عشرات الاتصالات ليس فقط من مواطنين بسطاء ذوي مستوى تعليمي محدود، بل أيضا من أساتذة ومتخصصين، يسألون عما إذا كانت بعض الإشاعات صحيحة. غير أن الدراسات الأهم، في اعتقادي، يجب أن تذهب نحو التخفيف من آثار الزلزال، وهو مجهود جماعي يستلزم تآزر جهود المهندسين والسلطات المحلية والحكومة والمراكز العلمية. نتمنى حقا أن نتوفق في هذا الجانب للتقليص مما نسميه آثار الزلازل البعدية. ما الفائدة أن نخسر المليارات على التنبؤ، ثم تسقط المباني ويموت الناس وتترسخ المآسي الإنسانية أكثر فأكثر؟ لا جدوى من ذلك بتاتا. – إذا أردنا الاستفادة من التجربة اليابانية التي تحدثت عنها طويلا، ماذا يلزم المغرب أن يقوم به لمكافحة آثار الزلازل بمقاربة قبلية وبعدية؟ اليابانيون هم الأعلى مستوى من حيث جودة المباني والاحتياطات القبلية لتجنب الخسائر الناجمة عن الزلزال، وتشمل الاحتياطات طريقة تصميم المدن والموانئ والمناطق الصناعية والسكنية، ويتعاملون بصرامة كبيرة مع موضوع الزلازل. صحيح أنهم يمتلكون تجربة سابقة عن باقي دول العالم، إلا أنهم فوجئوا بموجات التسونامي وتأثيرها على الوحدات التكنولوجية الهامة كالمنشآت النووية، مما يؤكد أنه مهما كانت الاحتياطات فإنه من الصعب ترويض الطبيعة، لكن الإنسان يتعلم بشكل دائم من دروسها وأمام اليابانيين شوط آخر من الصراع مع قساوة الطبيعة، إذ لم يتوقعوا إطلاقا أن يبلغ علو الموج ما وصل إليه آنذاك، والآن لدى اليابانيين تكنولوجيا متطورة جدا قائمة على المحاكاة، وبمقدورها أن تعرف خطورة التسونامي في المسافة الفاصلة بين ميناءين صغيرين، وفوق كل ذلك يمتلكون ثقافة زلزالية تدرس في المدارس وفي الإدارات. ولو شئت الدقة أكثر يتعايشون مع الزلزال بشكل طبيعي جدا. ناصر جبور..الجزائري الذي يقيس زلازل المغاربة من أم جزائرية وأب مغربي، يشتغل منذ 12 سنة في رصد الزلازل بالمغرب. أمضى كل حياته في النبش في أمهات الكتب لدراسة الظاهرة الزلزالية، سافر إلى اليابان لإكمال دراسته، والتعرف عن كثب على التجربة اليابانية في التعايش مع الزلازل. ناصر جبور، لا يتوقف هاتفه عن الرنين، يجيب الصحافيين والمواطنين العاديين والمسؤولين، ولا تكاد تفارق الابتسامة محياه. يتضايق من الإشاعات المغرضة حول حدوث زلزال عنيف، ويستفيض في شرح كل التفاصيل الصغيرة والدقيقة. يوم الزلزال العنيف في الحسيمة استفاق مبكرا للالتحاق بالمختبر الوطني للجيوفيزياء، رغم أنه لم يكن في حالة المداومة يومها. يعشق الزلازل إلى درجة أنه ينشر مقالاته بالعربية والفرنسية والإنجليزية، يتحدث بلغة عربية جميلة ويضبط المفاهيم العلمية المتعلقة بنشوء الظاهرة الزلزالية بالمغرب، ولا يخفي أنه قبل أن يطلع على المعطيات المتعلقة بالزلزال الأخير، يتوقع حدوث موجات التسونامي. يقول إن الاشتغال في مجال الزلزال أمر ممتع وخطر في نفس الوقت، خاصة حينما تواجه بأسئلة السكان البسيطة، إذ ينبغي التعاطي معها بالكثير من الحذر. يعرف منطقة الريف بكل تفاصيلها ويحفظ أسماء مداشرها وشوارعها وأسواقها، وكلما تحدث عن المنطقة يطلق مزحة خفيفة «إنها ترقص على الدوام».